على إسرائيل تقديم مبادرة سلام حقيقية تضمن انتقالاً مرحلياً نحو السلام الحقيقي]
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

·       إن أخطر إخفاق ظهر في الإدارة الاستراتيجية لحرب لبنان الثانية [حرب تموز/ يوليو 2006] كان "التخبّط". فقد كانت هذه حرباً صغيرة، ونتائجها محدودة. لكن الوضع يختلف عندما يتعلق الأمر بعملية السلام، فالتخبّط هنا يعرّض مستقبل إسرائيل للخطر.

·       علينا أن ننظر إلى المرحلة الحالية من الهدوء الأمني على أنها لا تعدو أن تكون وضعاً من الاستقرار الموقت. الخطوات العسكرية جميعها التي اضطرت إسرائيل إلى القيام بها في المرحلة الأخيرة، حتى لو كانت مفيدة، تثبت أن الوضع السياسي - الأمني في مجمله غير مستقر. لذا، يمكن القول إن عملية عسكرية ناجحة تقوم بها إسرائيل يمكن أن تشكل فرصة ذهبية لمبادرة سياسية. ففي المنظور البعيد المدى تقف إسرائيل أمام مفترق طريقين: الأول، ينطوي على خطر وجودي، بسبب السعي الدؤوب من جانب الأطراف المعادية للقضاء على دولة إسرائيل، إلى جانب التغييرات التكنولوجية والجيو - سياسية التي من شأنها زعزعة أمننا القومي. أمّا الطريق الثاني فهو التقدم نحو مزيج من تسوية موقتة وسلام حقيقي عميق.

·       ويجب أن نعترف بأن جزءاً من العناصر التي تتحكم في المستقبل لا تعود بالضرورة إلى إسرائيل، مثل المكانة العالمية للولايات المتحدة، والتطورات في دول الشرق الأوسط، وفي أوساط الأطراف غير الحكومية التي تنشط هناك، وتوفر التكنولوجيا الحديثة للدمار الشامل (مثل هندسة الفيروسات في المختبرات). لكن في استطاعة إسرائيل التأثير كثيراً في عناصر أُخرى مهمة في صوغ مستقبلها، وبينها عملية السلام، لكنها عوضاً عن ذلك تتخبّط، وهي بذلك تضيّع فرصاً استثنائية للتأثير في مستقبلها. ومن أبرز النماذج لذلك، غياب التعامل الحقيقي مع مبادرة السلام السعودية منذ أكثر من نحو عقد.

·       لا يمكننا أن نأمل بأن المسارات التاريخية المهمة لمستقبلنا ستحدث من تلقاء ذاتها لمصلحة إسرائيل. لذا، فإن التخبّط بالاقتران مع العمليات العسكرية لا يلبي حاجاتنا، لا بل على العكس. فعلى سبيل المثال، إن الأزمات الحالية في دول الشرق الأوسط هي ظاهرة موقتة، لكنها ربما تنطوي على مخاطر حقيقية لإسرائيل في حال تواصلت وتعاظمت معارضة وجود إسرائيل كدولة يهودية. لكن هذه الأزمات قد تشكّل أيضاً فرصة للتأثير في مستقبل علاقات الدول العربية مع إسرائيل، ومن أجل تحقيق ذلك، فإن المطلوب هو مبادرة إسرائيلية ذات زخم، لكن إسرائيل، للأسف الشديد، ترد على الأحداث بخطوات تكتيكية لا تعدو أن تكون نسخة تعبيراً خطراً عن التخبّط.

·       على إسرائيل تقديم مبادرة سلام حقيقية تتناول جوهر الصراع بعناصره الثقافية والدينية والسيكولوجية كافة، وإذا لم تفعل ذلك، فإن الأطراف الأُخرى هي التي ستأخذ المبادرة، وستقوم بخطوات لن تصبّ في مصلحتنا. ويجب أن تتضمن هذه المبادرة الإسرائيلية مبادىء حل للنزاع، وانتقالاً على مراحل نحو السلام المستقر والعميق. كما يجب أن تلبي حاجات إسرائيل الأساسية، بما فيها الحاجات الأمنية، وأن تكون قادرة على أن تشكل أساساً لمفاوضات جدية، ولخطوات عملية ممكنة التحقيق.

 

·       إن أي مبادرة إسرائيلية جدية يجب أن تنطوي على قرار واضح: ماذا نريد أخلاقياً وعملياً؟ لذا، يتعين على المسؤولين في الحكومة أن يتخذوا قراراً مؤلماً لمواجهة حالة عدم اليقين الكبير التي تحيط بنا، وعليهم أن يحصلوا على التأييد الاجتماعي والسياسي، وبناء تحالف داعم. وفي حال لم نفعل ذلك، وامتنعنا عن بلورة مبادرة إسرائيلية، وواصلنا التخبّط، فإننا نعرّض مستقبلنا للخطر، ونكون قد تخلّينا عن أحد مبادىء الصهيونية وهو المحافظة على وجود الشعب اليهودي داخل دولته، والقدرة على التأثير في مستقبله.