على إسرائيل التعلم من تجربتها في لبنان وعدم الانجراف وراء الدعوات إلى إنشاء حزام أمني على الحدود مع سورية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- مزقت الحرب الأهلية الدائرة أوصال سورية، وأدت إلى وقوع عشرات آلاف القتلى والجرحى، وتسببت بوجود مليوني لاجىء سوري. ولوحظ في الفترة الأخيرة تحرّك مجموعات من الثوار بينهم منشقون عن الجيش النظامي السوري بالقرب من الحدود مع إسرائيل، كما جرى نقل عدد من الجرحى السوريين إلى الأراضي الإسرائيلية للمعالجة. وفي ظل هذا الوضع أعلن عدد من الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي، بينهم قائد المنطقة الشمالية، تأييدهم إنشاء منطقة أمنية على الجانب الآخر من الحدود مع سورية من أجل ضمان المصلحة الإسرائيلية، ولا سيما المصلحة الأمنية.
- إن الاقتراح المطروح اليوم، هو نفسه الذي طُرح في لبنان في سنة 1976 في أثناء الحرب الأهلية فيه، والذي شكّل بداية التدخّل الإسرائيلي الكبير هناك. ففي لبنان كانت البداية أيضاً متواضعة، وكانت منطقة التدخّل الإسرائيلي التي أُطلق عليها "منطقة جنوب لبنان" صغيرة نسبياً، والتدخّل الإسرائيلي كان سرّياً في مجمله. لكن بعد حرب لبنان في سنة 1982، والانسحاب الإسرائيلي الجزئي من هناك في سنة 1985، احتفظ الجيش الإسرائيلي بـ"الحزام الأمني" في الجنوب اللبناني بمساعدة ميليشيا محلية هي جيش لبنان الجنوبي، واستمر ذلك حتى الانسحاب الأحادي الذي نفذه الجيش الإسرائيلي في سنة 2000. فقد اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب بسبب الضغط الكبير الذي مارسته المنظمات اللبنانية، وفي مقدمها حزب الله، على "الحزام الأمني". وفيما بعد قال ضابط كبير في الجيش، هو العميد موشيه تمير: "لقد تحوّل حزب الله بفضل قتاله ضد إسرائيل وجيش لبنان الجنوبي من تنظيم إرهابي يعمل من دون موافقة الحكومة المركزية في لبنان، إلى حركة مقاومة مشروعة للشعب اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي."
- لم يكن لدى إسرائيل في سنة 1976، مثلما ليس لديها اليوم أيضاً، سياسة واضحة تجاه الحرب الأهلية الدائرة بالقرب من حدودها. فآنذاك، طالب بعض الزعماء السياسيين، وبينهم رئيس الحكومة يتسحاق رابين، ببقاء إسرائيل بعيداً عن نار الحرب الأهلية في لبنان. وفي مقابل هؤلاء رأى مسؤولون آخرون، بينهم وزير الدفاع آنذاك، شمعون بيرس، وضباط كبار، أن التدخّل الإسرائيلي في لبنان يشكل فرصة أمنية وسياسية. وبسرعة تحولت المساعدة الإنسانية إلى مساعدة أمنية وعسكرية، وإلى حرب موضع خلاف، وإلى احتلال دفعنا ثمنه غالياً: فخلال الفترة الممتدة من سنة 1982 حتى سنة 2000، قُتل نحو 1200 جندي إسرائيلي في لبنان، إلى جانب الخسائر التي تكبّدها جيش لبنان الجنوبي.
- واليوم يدعم قائد المنطقة الشمالية، يائير غولان، تدخلاً أكبر لإسرائيل في الحرب الأهلية الدائرة في سورية. فوفقاً له، يجب عدم استبعاد إقامة منطقة أمنية على الجانب الآخر من الحدود بالتعاون مع أطراف لديهم مصلحة في التعاون مع إسرائيل لمواجهة أطراف أُخرى تهددهم.
- إن هذا المنطق، إلى جانب رغبة الحكومة الإسرائيلية برئاسة مناحم بيغن في حل المشكلة الفلسطينية "مرة واحدة وإلى الأبد" في سنة 1982 وطرد الجيش السوري من لبنان، هما اللذان دفعا الجيش الإسرائيلي لأول مرة في تاريخه إلى الدخول إلى قلب عاصمة عربية، وإلى التورط في مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان. كما أن هذا المنطق هو الذي كان وراء قيام"المنطقة الأمنية" في الجنوب اللبناني، والتي انهارت في سنة 2000.
- وعندما سئل قائد المنطقة الشمالية: ما هو الدرس الذي يجب أن تتعلمه إسرائيل من تجربة الحزام الأمني بالنسبة إلى سورية اليوم؟ أجاب: "في حال سنحت الفرصة، وهذا أمر لم يحدث حتى الآن، فإن علينا ألاّ نتردد في استغلالها."
- في ظل تجربة إسرائيل الكئيبة في لبنان، نتوقع من قادة الجيش الإسرائيلي ومن الزعماء السياسيين المسؤولين عنهم، التعلّم من أخطاء الماضي وعدم تكرارها مجدداً.