على إسرائيل استغلال الأحداث في سورية، لبناء علاقات مع شركاء في الجانب الآخر من الحدود
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

 

  • تدور منذ عامين على مقربة من إسرائيل، الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، مأساة رهيبة. فقد قُتل حتى الآن أكثر من 90 ألف شخص، وجُرح عشرات الآلاف، وهُجّر مليون شخص جرّاء الانتفاضة الشعبية ضد نظام بشار الأسد. ولو كانت هزة أرضية حدثت في سورية لكانت إسرائيل سارعت إلى تقديم المساعدة. فإسرائيل تحب القيام بمبادرات إنسانية كجزء من دبلوماسيتها العلنية، ومن أجل تسجيل النقاط لمصلحتها. لكن في كل ما يتعلق بسورية، فإن إسرائيل تتنحى جانباً كعادتها عندما يقوم العرب بالتقاتل فيما بينهم.
  • لا تعبأ إسرائيل بالقتلى الذي يسقطون في سورية، فالذي يهمها هو ما يحدث هناك. إنها تتوقع نشوب حرب جديدة في لبنان، وتتخوف من سيطرة التنظيمات الإسلامية المتشددة على سورية، ولهذا سارعت إلى التنسيق مع الأردن وتركيا لمواجهة احتمال سقوط الأسلحة الكيميائية في يد طرف ما، كما قامت بتكثيف قواتها في الجولان، وتحذّر الذين يطلقون النار على أراضيها بإطلاق النار باتجاههم.
  • وفي سياق تبرير نتنياهو  تقديم الاعتذار إلى تركيا، كتب في صفحته في الفايس بوك: "لقد شكلت الأزمة في سورية، والتي تزداد خطورة يوماً بعد يوم، الاعتبار الأساسي بالنسبة إليّ." وأضاف: "سورية تتفكك، ومخازن الأسلحة الضخمة الموجودة لديها بدأت تقع في يد أطراف متعددة. والخطر الأكبر هو وقوع مخازن السلاح الكيميائي في يد التنظيمات الإرهابية. إن الوقائع في سورية، وبينها تمركز عناصر من الجهاد العالمي على حدودنا في الجولان، تشكل تحدياً كبيراً لأمننا. ونحن نتابع عن كثب ما يجري هناك ومستعدون للردّ بما هو ملائم."
  • ومرة أخرى يبدو من كلام نتنياهو أننا مستعدون لمواجهة ما يحدث، وأننا حاضرون للردّ الملائم، لكن ليس هناك كلمة واحدة من نتنياهو عن القتلى، ولا كلمة أسف على المأساة الدائرة هناك.
  • لقد وافقت إسرائيل سراً على إقامة مستشفى موقت على الحدود السورية، وعالجت عدداً من الجرحى السوريين في بعض مستشفياتها. وهي فعلت ذلك متخوفة، فإسرائيل معتادة فقط على التهديد والحرب، لا على مواجهة وضع يتدفق فيه مئات الجرحى السوريين على السياج الحدودي، وهي تتخوف من بقاء هؤلاء اللاجئين في أراضيها، ومن أن يبدأوا بالبحث عن عمل.
  • لكن مثلما استخدم نتنياهو الأزمة في سورية ذريعة من أجل استئناف العلاقات مع تركيا، فإنه يستطيع أيضاً تحويل المأساة السورية إلى محرك سياسي، وأن يشق لإسرائيل طريقاً مباشراً  إلى سورية.
  • ففي ظل الغموض الذي يسود الوضع في سورية حالياً، فإن الدول العربية والغربية جميعها على حد سواء، تبذل كل ما في استطاعتها من أجل التأثير أو البقاء على صلة بالنظام الجديد الذي سيقوم في سورية. وضمن هذا الإطار تقوم السعودية وقطر بتمويل المعارضة وتسليحها، وترسل الولايات المتحدة المساعدات الإنسانية، وتدرّب في الأردن مقاتلو الجيش السوري الحر، ويموّل الحكم الكردي في كردستان المعارضة الكردية في سورية ويسلّحها، ويجري استخدام الأردن وتركيا كقاعدتين لوجستيتين خلفيتين، من أجل استيعاب اللاجئين السوريين. في ظل هذا كله، ينبغي لإسرائيل ألاّ تراقب الوضع عن بُعد منتظرة انتهاء "الحكاية" السورية كي تقرر ما إذا كان هناك شريك سوري لها أم لا، إذ ثمة فرصة لديها الآن كي تشكّل مجموعة من الشركاء. وفي الواقع فإن الثوار السوريين لا يطلبون من إسرائيل السلاح، ولا المبادرة إلى الهجوم على القصر الرئاسي في دمشق. صحيح أن هؤلاء الثوار، في أغلبيتهم، ينتمون إلى تنظيمات راديكالية ويعتبرون إسرائيل عدوتهم القومية، لكن لهذا السبب بالذات، ثمة أهمية كبيرة للمساعدة الإنسانية التي من أجل تسهيل استيعابها يمكن تسميتها "مساعدة استراتيجية"، فالذي يقبل بالحصول على مساعدة من إسرائيل، لا بد له من أن يمنح الشرعية للعلاقات السياسية معها.