بعد رحيل مبارك عن مصر الهجوم على إيران يبتعد
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

·       يشكل تنحي حسني مبارك عن الحكم في مصر بعد 18 يوماً من التظاهرات التي عمت المدن المصرية، بداية دخول المنطقة عامة، وإسرائيل خاصة، حقبة جديدة تتسم بالغموض. إن الفترة الطويلة لحكم الرئيس المصري لم تخرج عما هو مألوف في الشرق الأوسط. فحافظ الأسد سبق أن حكم سورية 30 عاماً، كما استمر حكم كل من الملك حسين وياسر عرفات أكثر من 40 عاماً، وقبل وفاتهم كانوا أعدوا ورثتهم في السلطة. فقد وضع الأسد والملك حسين ابنيهما مكانهما، وحل محل عرفات نائبه المخضرم محمود عباس. ولهذا السبب استقبلت إسرائيل التغيير في الأجيال الحاكمة في الأردن وسورية وفي السلطة الفلسطينية بصورة طبيعية ومن دون قلق. فما حدث كان متوقعاً ومعروفاً، ولا يثير الخوف.

·       لكن الوضع يختلف في مصر. فقد جرى طرد مبارك من منصبه بسرعة، وقبل أن يتسنى له إعداد أحد أنصاره، أو حتى ابنه لوراثته في الرئاسة. ويسعى قادة الجيش المصري، الذين تولوا صلاحيات الحكم، لتهدئة الجمهور المصري والمجتمع الدولي، والتعهد بأنهم لا ينوون إقامة حكم عسكري جديد في مصر، وإنما يريدون تسليم السلطة إلى المدنيين وإجراء الانتخابات. وعلى الرغم من ذلك فلا أحد من الجنرالات أو في المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، يستطيع أن يحدد كيف ومتى ستنتهي المرحلة الانتقالية للسلطة. وتدل التجربة التاريخية على أن الثورات تحتاج إلى بضعة أعوام من النزاعات بين القوى الداخلية حتى يستقر النظام الجديد.

·       يشغل الوضع الغامض في مصر بال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وقد عكست تصريحاته خلال الأيام الأولى للثورة خوفه من انهيار السلام مع مصر. ولذا بذل كل ما في وسعه من أجل عرقلة سقوط مبارك، ولكن بلا جدوى. وبالأمس أشاد بإعلان الجيش المصري احترامه لكل الاتفاقات، بما في ذلك اتفاق السلام مع إسرائيل.

·       يتخوف نتنياهو من تحول مصر إلى جمهورية إسلامية معادية لإسرائيل، من نوع إيران جديدة، ولكن جغرافيا أقرب كثيراً إلى إسرائيل. وهو يتمنى ألا يحدث ذلك، ويأمل بأن تقف مصر في الموقع الذي تحتله حالياً تركيا، أي أن تحافظ على العلاقات الرسمية بإسرائيل، وعلى السفارات وخطوط الطيران والعلاقات التجارية، إلى جانب الانتقادات الحادة للسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وبالنسبة إلى نتنياهو فالسيناريو الأفضل والأقل منطقية هو أن تصبح مصر مثلما كانت تركيا قبل عهد أردوغان، أي دولة موالية للولايات المتحدة يسيطر عليها الجيش.

·       لقد كان هناك خوف مشترك بين نتنياهو ومبارك من صعود قوة إيران. كما كانت مصر دولة أساسية في المحور السني "المعتدل" الذي وقف إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة ضد محمود أحمدي نجاد وحلفائه في لبنان، وفي سورية وغزة. إن سقوط النظام في القاهرة لن يغير هذا المنطق الاستراتيجي. فقد أظهر المحتجون في ميدان التحرير شعوراً قومياً مصرياً، ولم يعبروا عن إعجابهم بالثورة الإسلامية في إيران. ومَن سيرث مبارك سيكون عليه مواصلة هذه السياسة، وتعزيز الشعور القومي المصري، ومنع تحويل مصر إلى تابعة لحكام إيران.

·       لكن هذا لا يعني أن ورثة مبارك سيشجعون إسرائيل على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، بل على العكس من ذلك سيكونون أكثر إصغاء للرأي العام في العالم العربي، الذي يعارض حرباً وقائية ضد إيران. وسيكون من الصعب على إسرائيل أن تقوم بعملية بعيدة في الشرق إذا لم تكن تحظى بموافقة ضمنية عليها من الغرب. ومن دون مبارك لا مجال لهجوم عسكري إسرائيلي على إيران. فالذين سيأتون من بعده سيخافون من غضب الجماهير، في حال ظهورهم شركاء  في هذه العملية.

·       إن الذين يعارضون الهجوم على إيران أو يتخوفون من نتائجه، على الرغم من محاولتهم الظهور بمظهر المؤيدين لذلك، مثل نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك، بات لديهم الآن ذريعة إضافية لعدم شن مثل هجوم كهذا. فهم سيكتبون في مذكراتهم أنهم أرادوا الهجوم على إيران، لكنهم لم يستطيعوا القيام بذلك بسبب الثورة في مصر. ويبدو أن رحيل مبارك حال دون القيام بحرب وقائية إسرائيلية ضد إيران، وقد يكون ذلك هو المساهمة الأخيرة لمبارك في استقرار المنطقة.