· إن الأحداث العاصفة التي تشهدها مصر ستؤثر على خيار توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، لأنه كان من المنتظر أن تؤيد مصر القوية خطوة من هذا النوع. لكن حتى قبل هذه الأحداث، لم يتفاجأ أحد في الأسبوع الماضي بفشل المحادثات التي جرت في إستانبول بين ممثلي الحكومات الست وبين إيران بشأن الموضوع النووي الإيراني. فقد كان واضحاً منذ البداية أن إيران لا تنوي التخلي عن مواصلة تخصيب اليورانيوم في بلادها، ولا عن تكديس كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب - وذلك سعياً إلى الحصول على السلاح النووي. كما كان واضحاً أن العقوبات الصارمة التي فُرضت في الأشهر الأخيرة كانت أكثر إيلاماً من السابق، ولكنها لم تكن مؤلمة بما فيه الكفاية كي تدفع إيران إلى تغيير موقفها. وهنا يطرح فشل المحادثات السؤال: هل ما زال في الإمكان وقف سعي إيران نحو الحصول على السلاح النووي؟ وهل هناك مجال للقيام بخطوة عسكرية ضدها؟
· من المعروف أن هناك دولتين فقط لا تمانعان في القيام بعملية عسكرية ضد إيران: الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن يمكننا القول أن العملية العسكرية ليست قريبة وذلك لعدة أسباب. فعلى الرغم من فشل المحادثات في إستانبول واعتقاد الكثيرين أن العقوبات لن تغير موقف إيران، فإن الحكومات المعنية بالموضوع ما تزال تعتقد أن المساعي الدبلوماسية في التعامل مع المسألة لم يتُستنفذ بعد. يضاف إلى ذلك تقديرات أجهزة الاستخبارات الكبرى بأن المشروع النووي الإيراني يواجه صعوبات تقنية في أعقاب الفيروس الذي أصاب أجهزة الكومبيوتر.
· ستضطر الولايات المتحدة وإسرائيل إلى اتخاذ قرارهما من هذا الموضوع خلال السنة أو السنتين القادمتين. وخلال هذه الفترة سيتضح مدى حظوظ نجاح العقوبات، وسنعرف ما إذا كانت إيران قد قررت الانتقال إلى حيازة السلاح النووي. وفي حال تبين أنه قد استنفذت بصورة نهائية المساعي الدبلوماسية والعقوبات، فإن الحكومات المعنية ستجد نفسها أمام خيارين صعبين: إما القبول تدريجياً بإيران نووية؛ أو محاولة كبحها قبل أن تحصل على السلاح النووي.
· إن مفتاح العملية العسكرية ضد إيران موجود لدى الولايات المتحدة. صحيح أن الإدارة الأميركية تقول إن الخيار العسكري مطروح على الطاولة، ولكنها أوضحت منذ سنة 2008 أنها لا تدعم هذا الخيار في الظروف الحالية، وتحفظت من عملية عسكرية إسرائيلية، وذلك لأسباب عدة منها: تخوفها من موجة عدم استقرار وعنف في المنطقة في أعقاب العملية؛ والتقدير بأن ذلك لن يوقف المشروع النووي الإيراني، وسيؤجله لمدة سنتين أو ثلاث سنوات فقط؛ والتخوف من أن تقوي العملية العسكرية النظام الإيراني داخلياً، وتساعده على الحصول على شرعية دولية لمشروعه النووي؛ بالإضافة إلى التخوف من الرد الإيراني على العملية؛ وعدم رغبة الولايات المتحدة في فتح جبهة جديدة، بينما ما تزال غارقة في العراق وأفغانستان؛ والقلق من حدوث أزمة في سوق النفط. ويزيد تدهور الوضع في مصر واحتمال انتقالة إلى دول أخرى في هذه المخاوف.
· هل في إمكان إسرائيل القيام بعملية عسكرية ضد إيران من دون الحصول على "ضوء أخضر" من الولايات المتحدة؟ ثمة خلاف في وجهات النظر تجاه هذه المسألة. ففي إسرائيل هناك من يعتقد أن الخطوة تتطلب "ضوءاً أخضر" أميركياً، وهناك من يقول أن على إسرائيل أن تتحمل المسؤولية عن أمنها في هذه المسألة الحساسة بالنسبة لمستقبلها. ولكن يبدو في نهاية الأمر أن الهجوم على إيران من دون الحصول على موافقة أميركية في هذه المسألة المهمة للغاية، سيؤدي إلى أزمة ثقة خطيرة بين الدولتين. من هنا ليس في إمكان إسرائيل أن تتحرك ضد إيران، في حال أوضحت الإدارة الأميركية علناً معارضتها لهذه الخطوة، لأن ذلك سيضر بمصالحها الحيوية.
· ليست إسرائيل الوحيدة التي تشدد على ضرورة طرح الخيار العسكري. فهناك شخصيات سياسية وعسكرية في الولايات المتحدة تؤيد ذلك، وعلى رأسهم المدير السابق للاستخبارات الأميركية مايكل هايدن. كما يحظى هذا الخيار بتأييد لا بأس به وسط الجمهور الأميركي.