معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
· إن سقوط النظام في تونس وفرار الرئيس المتسلط زين العابدين، يشكلان حدثاً لا سابق له في العالم العربي الذي عرف عبر تاريخه القصير كثيراً من الانقلابات العسكرية التي أسقطت الأنظمة القائمة، وحملت إلى السلطة شخصاً قوياً. لكن هذه أول مرة يسقط فيها النظام في تونس نتيجة ثورة شعبية.
· وقد برز في ثورة تونس - مثلما برز في التظاهرات التي شهدتها إيران قبل عام - قوة وسائل الإعلام العامة، ولا سيما استخدام الثائرين شبكة الإنترنت. فالأنظمة لم تعد قادرة على احتكار وسائل الإعلام العامة، الأمر الذي يجعل من الصعب عليها منع انتشار الأخبار والحفاظ على سلطتها.
· تختلف الطريقة التي أدت إلى إسقاط النظام في تونس عن سيناريوهات سابقة أدت إلى سقوط أنظمة في العالم العربي بفعل ثورات شعبية، فتلك الثورات كانت، على وجه العموم، بقيادة أطراف إسلامية، وجاءت على خلفية صعود قوة الحركات الإسلامية في العالم العربي. وتُعتبر تونس من هذه الناحية نموذجاً مختلفاً لأنها مرت بعملية تحديث وانفتاح اقتصادي سريع تحت حكم بن علي، كما أن النظام في تونس تعامل بيد من حديد مع البنية التحتية للحركة الإسلامية المحلية، وفر من بقي من زعماء هذه الحركة إلى الخارج. لقد كانت الثورة الشعبية التي شهدتها تونس بصورة أساسية ثورة شبان أصحاب ثقافة غربية، قادهم ناشطون في المعارضة الديمقراطية. وفي الواقع، فإن الطبقة الاجتماعية نفسها التي استند إليها النظام في تونس في حربه ضد الحركات الإسلامية، هي التي قامت بهذه الثورة، في حين أن المعارضة الديمقراطية في بلاد عربية أخرى مثل مصر والأردن، لا تملك نفوذاً كبيراً وسط المجتمعات المحلية، بينما تملك الحركات الإسلامية دائرة مؤيدين أوسع كثيراً، ونفوذاً أكبر.
· على الرغم من ذلك، فإنه من الصعب التنبؤ بما ستسفر عنه الانتخابات الديمقراطية في تونس بعد هذه الفترة الطويلة من حكم سلطة واحدة منعت الناس من التعبير عن توجهاتهم الحقيقية. صحيح أن زعيم الحركة الإسلامية المنفي أعلن أن حركته لن ترشح ممثلاً عنها في الانتخابات الرئاسية المنتظرة، لأنه يعلم صعوبة بناء بنية تحتية سياسية للانتخابات في وقت قصير، إلاّ إن الانتخابات للبرلمان يمكنها أن تكشف التوجهات الإسلامية التي كانت مقموعة خلال فترة الحكم السابق، ولا سيما في المناطق الريفية وخارج المدن الكبرى. ومن المحتمل أن تؤدي الانتخابات الحرة في حال حدوثها إمّا إلى إيجاد نموذج لنظام ديمقراطي، وإمّا إلى تشكيل نموذج لنجاح حركة إسلامية في السيطرة على دولة عربية في انتخابات ديمقراطية.
· علينا أن ندرس ردات فعل العالم العربي على ما يحدث في تونس في المديين القريب والبعيد.
· في المدى القريب من المحتمل أن تزداد التظاهرات وحركات الاحتجاج في عدد من الدول العربية، وتؤدي إلى وضع يصبح من الصعب على الأنظمة السيطرة عليه. وقد تلجأ الأنظمة إلى استخدام القوة، الأمر الذي سيؤدي إلى سفك الدماء. وحالياً يبدو أن لدى أغلبية الأنظمة في الدول العربية خبرة كبيرة في كيفية السيطرة على الاضطرابات الشعبية، ويمكنها النجاح في معالجة الوضع وفرض الهدوء.
· لكن السؤال الأصعب هو: ما تأثير مثل هذه الثورات في الدول العربية في المدى البعيد؟ الجواب على ذلك مرتبط بالتطورات في تونس. ففي حال جرت الانتخابات في تونس بصورة نظامية، وأدت إلى تأليف حكومة ذات توجهات غربية، ونجحت في إقامة نظام ديمقراطي، فإنها ستصبح نموذجاً يحتذى، وستؤثر في المجتمعات العربية الأخرى، وفي وضع المعارضة الديمقراطية في هذه المجتمعات. أما في حال عمت الفوضى، وعجزت المعارضة الديمقراطية عن تأليف حكومة مستقرة، أو في حال وصلت الحركة الإسلامية إلى السلطة بطريقة ديمقراطية، فإن هذا سيشجع كثيراً الموجة الإسلامية المتنامية في العالم العربي، كما سيقوي الحركات الإسلامية ويشجعها على القيام بخطوات ملموسة لقلب الأنظمة.
· ينبغي لإسرائيل أن تقلق من التطورات التي ربما تحدث لدى جارتيها القريبتين: مصر والأردن. فالنظام الحالي في مصر يمر في حالة من الارتباك بسبب تقدم عمر الرئيس مبارك، ووضعه الصحي، وعدم الوضوح بشأن من سيرثه. صحيح أن مبارك يُعد ابنه جمال لوراثته، إلاّ إن هذه الخطوة تواجه معارضة شديدة في مصر. أما الأردن فإنه يمر بأزمة اقتصادية مستمرة، ويعيش حالة من الغليان سببها التوتر بين السكان من أصل أردني وأولئك الذين هم من أصل فلسطيني، فضلاً عن التأييد الذي لا يستهان به للأخوان المسلمين، وعدم رضا بعض العشائر الأردنية التي تشعر بأنها مهملة.