· تشكل المفاوضات الدائرة في هذه الأيام بشأن الائتلاف الحكومي، والتي تحتل قضية "المساواة في تحمّل العبء" محوراً أساسياً فيها، تحدياً أمام حزب البيت اليهودي الذي سيكون مطلوباً منه أن يتخذ قراراً واضحاً يحدد من خلاله مَن هم الحلفاء الحقيقيون للصهيونية الدينية، وما هو النهج الذي سيتبعه داخل المجتمع الإسرائيلي في القرن الحادي والعشرين. وسيكون على الحزب أن يقرر هل حلفاؤه هم الإخوة في السلاح والشركاء في المشروع الصهيوني، وفي بناء أرض إسرائيل والدفاع عن بقاء الدولة، حتى لو كان هؤلاء لا يشاطرونه إيمانه الديني ونمط حياته القائم على احترام الهالاخاه [الشريعة اليهودية]؟ أم إن شركاءه هم الحريديم الذين يشاركونه إيمانه الديني، والتزامه الهالاخاه وتعلّم التوراة، لكنهم لا يساهمون في اقتصاد الدولة ويتهربون من الخدمة العسكرية؟
· ليس هذا بالمشكلة البسيطة، إذ إن رؤيا الصهيونية الدينية تقوم على المزج بين الصهيونية والدين، وبين التوراة والعمل. وهي لا تجد سبباً للتخلي عن الدولة وعن الخدمة في الجيش باسم الدين وتعلّم التوراة، لكنها من جهة أُخرى لا يمكن أن تتخلى عن الدين وتعلّم التوراة باسم الصهيونية. وتختلف الصهيونية الدينية عن النهج الحريدي، وعن نهج الصهيونية العلمانية أيضاً.
· إن تصنيف الناس إلى علمانيين، ومتدينين، وحريديم، لم يكن في يوم من الأيام صحيحاً. فهناك جزء كبير جداً من الناس يعرفون أنفسهم بأنهم محافظون على التقاليد، وثمة كثيرون وسط العلمانيين يشاركون في عملية تحديث اليهودية في المجتمع الإسرائيلي، ويشاركون في تعلّم التوراة، وفي إيجاد ثقافة يهودية ذات شأن. وفي مقابل هؤلاء، هناك كثيرون من العلمانيين الذين ابتعدوا عن اليهودية. ويوجد داخل المجتمع الديني القومي تياران متعارضان: التيار المنخرط في الحريديم الشديد التعصب والمنقطع عن المجتمع والدولة والحداثة وعن الجمهور العلماني، والتيار الذي يسعى لمزيد من الانخراط في المجتمع بأسره.
· كذلك ينقسم المجتمع الحريدي إلى تيار يرغب في الانخراط في المجتمع والعمل والتعليم والخدمة الوطنية، وآخر محافظ منغلق يحبذ الانعزال.
· في ظل هذا الواقع المعقد، يبدو التحدي الأيديولوجي أمام حزب البيت اليهودي أصعب جداً. فقد استطاع الحزب، ولأول مرة منذ أعوام طويلة، توحيد التيارات المتنوعة داخل الصهيونية الدينية ضمن إطار سياسي موحد. لكن عليه اليوم أن يقرر ما هو التيار الغالب داخله: هل هو التيار الذي يزداد حريدية، أم التيار المنفتح على المجتمع؟ إن المفاوضات الائتلافية لا تسمح لحزب نفتالي بينت بالتهرب من الحسم أو تأجيله، إذ ينبغي له أن يوضح ما إذا كان يقف مع المتهربين من الخدمة العسكرية ومن الدفاع عن الدولة باسم تعلّم التوراة، أو أن نظرته الدينية وإيمانه التوراتي تحديداً هما اللذان يدفعانه إلى رفض هذه الظاهرة رفضاً قاطعاً.
· والمطروح هنا ليس الاختيار بين التحالف السياسي مع يش عتيد أو شاس، وإنما ما يتعلق بالخيار العميق والمهم للنهج الذي تريد أن تنتهجه الصهيونية الدينية.