التهديد النووي الإيراني لإسرائيل: المعالجة القانونية والخيارات المتبقية
المصدر

لا ينبغي لإسرائيل أن تتوقع تعايشاً مستقراً مع [دولة] إيران النووية، وإنما عليها أن تعزز دفاعها الفعّال، وتحسن ردعها النووي، وأن تهيئ لضرب بنى تحتية إيرانية مختارة. ومع اقتراب إيران من الحصول على قدرات نووية، تزداد محدودية التكتيكات الاستباقية الإسرائيلية.

في السادس عشر من كانون الثاني/يناير 2003، قدّمت مجموعة "مشروع دانييل"[1]  إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك أريئيل شارون تقريراً استشارياً بشأن تهديد الأسلحة النووية الإيرانية. واشتمل التقرير  على توصيات قانونية واستراتيجية جوهرية حضّت رئيس الحكومة على تعزيز قدرات الردع الإسرائيلية والأوضاع الدفاعية بالشكل الملائم، وعلى النظر في الإنهاء الفوري للغموض النووي المتعمّد (فيما لو سُمح لإيران بأن تحصل على قدرات نووية). كما دعا التقرير إسرائيل إلى بلورة خيارات استباقية صحيحة، فجاء فيه أن على إسرائيل ألاّ تتوقع تعايشاً مستقراً مع [دولة] إيران النووية، وإنما عليها أن تعزز دفاعها القومي الفعّال وفقاً لذلك.

تنطوي استراتيجيا الدفاع الفعّال لإسرائيل على التعزيز المشترك لأنظمة حيتس والقبة الحديدية، وفي المستقبل، العصا السحرية ((Magic Wand. لكن هذه العناصر المتطورة من الدفاع الصاروخي البالستي لن تحمي إسرائيل كما ينبغي من هجمات أسلحة دمار شامل محتملة من إيران. ويجب أن تُستكمل هذه العناصر، بالشكل الأمثل، بقوة ردع نووية مطوَّرة، وبالقدرة على توجيه ضربات أولى بالأسلحة التقليدية ضد أهداف عسكرية وصناعية إيرانية مختارة. إلاّ إن مجموعة "مشروع دانييل" اعتبرت أنه لا ينبغي لإسرائيل، تحت أي ظرف من الظروف، أن تفترض إمكان قيام "توازن رعب" آمن ومستمر مع إيران.
وعلى العموم، ففي التفكير الاستراتيجي، يجب أن يتأسس منطق الردع على فرضية أن العدو عقلاني التفكير، لكن هذه الفرضية غير مضمونة في الحالة الإيرانية. كما أن أي تشبيه مزعوم لعلاقة الردع الأميركية - الإيرانية بعلاقة الردع الأميركية – السوفياتية في إبان الحرب الباردة، هو تشبيه ساذج، أو هو تضليل بكل بساطة.

وحتى لو نجحت القيادة الإيرانية الحالية في اجتياز الامتحان الرئيسي للعقلانية، وفضّلت استمرار البقاء القومي على خيارات أخرى أو جملة خيارات، ستبقى هناك، بالنسبة إلى إسرائيل، مخاطر أمنية لا يمكن احتمالها. وترتبط هذه المخاطر جزئياً بإشكالية القيادة والتحكم بالقدرات النووية المستقبلية، وهي إشكالية متوقعة في إيران. فعلى سبيل المثال، حتى قيادة إيرانية، عاقلة بصورة أكيدة، قد تتخذ قرارات نووية خطيرة بناءً على معلومات مغلوطة، أو أخطاء حاسوبية متنوعة، وقد ينجم الخطر من هشاشة في السلطة المخولة بإطلاق الهجوم.
كذلك، ينبغي أن يأخذ صانعو القرار في القدس في حسبانهم إمكان تعرّض القيادة والتحكم للخطر من جراء تغيير عنيف للنظام في طهران. ولسخرية القدر، ليس هناك ما يضمن أن نظاماً إيرانياً جديداً، أو "محسَّناً"، سيشكّل بالضرورة تهديداً أمنياً أقل لإسرائيل.

لو كانت أنظمة الدفاع الفعّال الإسرائيلية مضمونة مئة في المئة، فإن عدواً إيرانياً مسلحاً بالأسلحة النووية أو البيولوجية، وإن كان غير عقلاني، سيُرتدع من دون أية حاجة إلى ضربات أولى دفاعية أو إلى تهديد بشنّ عمليات انتقامية، لكن ليس في استطاعة أي نظام دفاع ضد الصواريخ البالستية أن يكون "مانعاً للتسرب" بإحكام.
وقد يشنّ الإرهابيون بالوكالة هجمات نووية إيرانية على إسرائيل بواسطة السفن والشاحنات لا بواسطة الصواريخ. وفي هجمات شديدة الفعالية كهذه، على الرغم من مستوى التكنولوجيا المنخفض، لا يشكّل نشرُ إسرائيل الأنظمة المضادة للصواريخ أي فائدة أمنية لها.

لا تستطيع إسرائيل أن تعتمد بشكل كلي على منظوماتها المضادة للصواريخ البالستية لصد هجمات أسلحة الدمار الشامل المستقبلية، من إيران أو سواها، كما أنها لا تستطيع أن تعتمد بصورة كلية على الردع النووي. وهذا لا يعني أن الدفاع الفعّال ليس جزءاً حيوياً من منظومة الأمن القومي الموسعة لإسرائيل، بل هو غير كافٍ.

يعطي القانون الدولي الحق لكل دولة في أن تتصرف استباقياً في مواجهة اعتداء محتمل يهدد وجودها. ونشير في هذا الخصوص إلى فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في [8 تموز/يوليو] 1996 [بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة] بشأن "مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استعمال هذه الأسلحة" في حالات محددة، بصفته الملاذ الأخير. لكن، في الوقت الحالي، سيكون اللجوء الإسرائيلي إلى "الدفاع الذاتي الاستباقي" الهادف غير نووي بكل تأكيد.

مع ذلك، من المرجّح جداً أن تكون النافذة العملانية لتكتيك تقليدي كهذا، فعّال من حيث الكلفة، قد أُقفلت، وأن إسرائيل سترفض اللجوء إلى أي خيار استباقي نووي متبق، ولو كان مشروعاً. وفي الوقت الحالي، يبدو أن أي عمل استباقي إسرائيلي سيكون محدوداً إلى حدٍّ كبير، وقد يشمل استهداف نخبة من العلماء أو العسكريين المعادين، بالإضافة إلى حرب الفضاء الإلكتروني الموسّعة بشكل كبير.

فيما لو أصبحت إيران دولة نووية، في مخالفة صريحة لالتزامات معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية [الموقعة من إيران]، يجب أن تعزز إسرائيل، فوراً، صدقيّة ردعها النووي (المزعوم). وينبغي لهذه القوة الاستراتيجية، كضربة ثانية شديدة التأثر والفعالية وتشمل أماكن متفرقة ومعززة ومضاعفة ومنتشرة، أن تتوج بصورة ملحوظة لتسديد ضربة انتقامية حاسمة ضد مدن مختارة للعدو. ومن الناحية العسكرية، هذا يعني بالنسبة إلى إسرائيل قوة نووية موجهة بصورة أوضح ضد أهداف [مدنية] ذات قيمة مقابلة countervalue targets  .

إن تحول إيران إلى دولة نووية ينطوي على مخاطر كبيرة على الولايات المتحدة أيضاً. وفي حين أنه قد يستغرق إيران أعواماً عديدة قبل أن تتمكن صواريخها من ضرب الأراضي الأميركية، غير أن الولايات المتحدة معرّضة مثل إسرائيل لهجمات الإرهابيين من وكلاء إيران المزودين بالأسلحة النووية. وفي هذا الصدد، سيكون لأي خطة أميركية لنشر درع مضاد للصواريخ البالستية التي مصدرها "الدول المارقة"، سواء بالنسبة إلينا، أو إلى حلفائنا في الناتو، فوائد الحماية نفسها التي تؤمنها لإسرائيل أنظمة الدفاع الفعّال الحالية.  

وما دامت إيران تعلن باعتزاز نيتها تدمير إسرائيل، في الوقت الذي تسعى فيه لتطوير أسلحة وبنى تحتية نووية بصورة غير شرعية، لا خيار أمام إسرائيل سوى الدفاع عن نفسها بالوسائل التي تمتلكها.
وهكذا، وبموجب القانون الدولي الموجود منذ فترة طويلة، فإن واجب الحكومة الأساسي وغير القابل للنقاش، ضمان حماية مواطنيها.




ﻳﺤﻤﻞ اﻟﻜﺎﺗﺐ ﺷﻬﺎدة دﻛﺘﻮراه ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺮﻧﺴﺘﻮن اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ وﻫﻮ أﺳﺘﺎذ محاﺿﺮ في اﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟدولي ﺟﺎﻣﻌﺔ Purdue وﻻﻳﺔ إﻧﺪﻳﺎﻧﺎ اﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ. وﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﻣﺆﻟﻔﺎت ﻋﺪﻳﺪة وﻣﻘﺎﻻت وأﺑﺤﺎث ﻋﻦ اﻻﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺎ والحرب اﻟﻨﻮوﻳﺔ.


[1] انظر: "مستقبل إسرائيل الاستراتيجي: مشروع دانييل"، مركز أريئيل لأبحاث السياسة (ACPR) في إسرائيل، دراسة رقم 155، أيار/مايو 2004، ص 64.