يحزقئيل درور: على إسرائيل المزاوجة بين مهاجمة المنشآت النووية في إيران وبين طرح مبادرة شاملة للسلام في الشرق الأوسط
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف

 

·       حتى سنة 2011 كان البروفسور يحزقئيل درور يعتقد أن دولة إسرائيل قادرة على العيش مع إيران نووية، وأن الرد الملائم على تحول الجمهورية الشيعية إلى دولة نووية هو الردع الحاسم. لكن درور غيّر موقفه خلال العام الأخير بصورة جذرية، فنشر، قبل شهر، في مركز بيغن – السادات للأبحاث الاستراتيجية دراسة تحدث فيها عن ضرورة قيام إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ما دامت قادرة على ذلك.

·       في مقابلة مع البروفسور درور (84 عاماً)، عضو لجنة فينوغراد والمهتم بالاستراتيجيا النووية منذ الستينيات والسبعينيات، قال :"إن إيران لا تقوم بتطوير السلاح النووي ضد إسرائيل. فهي تدرك أن أي هجوم نووي إيراني على إسرائيل سيؤدي إلى رد إسرائيلي مدمر. لكن على الرغم من ذلك، من المحتمل أن تقوم إيران، في أوضاع استثنائية، بمهاجمة إسرائيل بالسلاح النووي. لذا هناك خطر ارتكاب خطأ وفقدان السيطرة والتصعيد. وهناك قبل كل شيء الخطر الناجم عن وقوع النظام في أزمة حكم واختياره مهاجمة إسرائيل انطلاقاً من مبدأ عليّ وعلى أعدائي."

·       وأضاف درور :"إن الذي دفعني إلى تغيير موقفي من إيران، هو إدراكي أن حصول إيران على السلاح النووي سيدفع تركيا والسعودية ودول عربية أخرى إلى أن تحذو حذوها. وفي حال حدوث ذلك ستنشأ لأول مرة في التاريخ منظومة نووية متعددة الأقطاب في منطقة غير مستقرة، ولا وجود لرد على مثل هذه المنظومة في النظريات والكتب المتخصصة. ولا يمكن مقارنة ما سيصبح عليه الشرق الأوسط في أعقاب تحول بعض دوله إلى دول نووية بما كان سائداً خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. فثمة تخوف كبير من أن يؤدي حصول إيران على السلاح النووي إلى شرق أوسط نووي، بحيث يصبح إمكان تعرض إسرائيل لهجوم نووي كبيراً للغاية."

·       ورداً على دور المجتمع الدولي في ردع إيران قال درور: "ثمة مصلحة كبيرة للمجتمع الدولي في الحؤول دون وقوع حرب طاحنة في الشرق الأوسط تتسبب بزعزعة الاستقرار في العالم. بيد أن متخذي القرارات في العالم يفضلون رؤية الواقع بصورة لا تتطلب منهم القيام بعملية لا يرغبون فيها. ونظراً إلى أنهم لا يريدون التورط في عملية عسكرية ضد إيران، نراهم يتمسكون تمسكاً شديداً بمبدأ استخدام الوسائل الدبلوماسية والعقوبات. لكن في الحقيقة لا نجد عبر التاريخ نموذجاً لدولة قبلت التخلي عن مبادرة استراتيجية قومية بسبب العقوبات، فحتى نحن لم نفعل ذلك. ثمة نموذج واحد استثنائي هو نموذج ليبيا، بيد أن النموذج الليبي، اليوم بالتحديد، هو الذي يشجع الإيرانيين على الحصول على السلاح النووي في أقرب وقت ممكن. فمن الواضح أنه لو لم يخضع القذافي سنة 2003 للضغوط الأميركية والبريطانية من أجل التخلي عن مشروعه النووي، لكان اليوم لا يزال حياً. إن هذا لا يعني التخلي عن استخدام الوسائل الدبلوماسية، لكن هذه الوسائل لن تثمر عن نتائج خلال وقت قصير، ويجب ألاّ نسمح للإيرانيين بالوصول إلى موقع قوة ما دامت منشآتهم النووية عرضة للهجوم."

·       وبشأن إمكان قيام الولايات المتحدة بالهجوم العسكري على إيران قال: "من الواضح تماماً أنه من الأفضل أن تقوم الولايات المتحدة بمهاجمة إيران وليس إسرائيل. لكن الولايات المتحدة لم تعد كما كانت في الماضي، وفي إثر التجربة الأميركية في أفغانستان والعراق لا أعتقد أن الجمهور الأميركي سيؤيد حرباً جديدة، كما أنه ليس واضحاً ما ستكون عليه ردة فعل الصينيين والروس. يوجد فرق بيننا وبين الولايات المتحدة، فإيران لن تهاجم أميركا لكنها قد تهاجم إسرائيل. من هنا ثمة فجوة كبيرة بين الخطر الذي سيتعرض له الأميركيون والخطر الذي يتهددنا. فالولايات المتحدة لا تعتبر أن السلاح النووي الإيراني يمثل خطراً على وجودها، لذا لا يمكننا توقع ماهية القرار الذي سيتخذه الرئيس الأميركي بغض النظر عن هويته. وثمة خطر حقيقي من أن هذا الرئيس سيفضل القبول بتحول إيران إلى قوة عظمى، في مقابل تقديم مساعدة معينة وضمانات محددة لإسرائيل. لكن نظراً إلى استحالة ضمان أمن إسرائيل في ظل إيران نووية فإن النتيجة واضحة وهي أن إسرائيل لا تقدر على إبقاء القرار النهائي بشأن منع إيران من الحصول على السلاح النووي في يد الولايات المتحدة. وفي حال لا يوجد خيار آخر، وبدأ الوقت ينفد، وأصبحت إيران على وشك الدخول في مرحلة التحصين النووي، فإنه سيتوجب علينا أن نفعل المطلوب بما في ذلك الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية في إيران. وعلى إسرائيل القيام بذلك ما دامت قادرة على تنفيذه بقدر كبير من النجاح."

·       ويوضح درور أن مهاجمة المنشآت النووية ليست "حرباً وقائية"، وقال: "أنا لا أتحدث عن حرب وقائية، وإنما عن ضربة وقائية." وأضاف: "إن الادعاء أن الضربة الوقائية غير مقبولة أخلاقياً هو ادعاء ساذج، وهو يتجاهل المستقبل وأهمية الحؤول دون معارك مستقبلية، ويتناقض مع المنطق المؤيد لاتفاقات السلام، لأن أي اتفاق سلام ينطوي على مخاطر أمنية مؤكدة، نخاطر بتحملها من أجل مستقبل غير مضمون. من هنا من واجب رئيس الحكومة العمل من أجل المصلحة العامة للدولة وليس انطلاقاً من المشاعر واستطلاعات الرأي العام. ففي قضية مثل التي نحن في مواجهتها اليوم، يجب عدم الأخذ برأي الجمهور."

·       ويعلق درورعلى النتائج المدمرة التي قد تنجم عن الهجوم الإسرائيلي على إيران قائلاً: "طبعاً، ينطوي الهجوم على مخاطرة كبيرة، إلاّ إن عدم القيام به ينطوي على مخاطرة أكبر. وبعد التحليل العميق يتضح لنا أن عدم الهجوم هو الأكثر خطراً، ذلك بأن ثمن الهجوم على إيران اليوم أقل بكثير من ثمن الهجوم النووي مستقبلاً على إسرائيل. لذا على المسؤولين الإسرائيليين، الذين يدركون اليوم أنهم يملكون قدرة هجومية جيدة على إيران، تنفيذ الهجوم قبل أن يخسروا قدرتهم هذه في وقت قريب. وفي حال عدم قيامهم بذلك، فإن تصرفهم هذا سيكون عديم المسؤولية."

·       وأضاف: "أعتقد أن قدرة الإيرانيين على ضربنا محدودة حالياً. كذلك فإن الأضرار التي قد تلحق بالمكانة السياسية لإسرائيل جراء مهاجمتها لإيران يمكن التغلب عليها، ولا يمكن مقارنتها بخطر تحول إيران إلى دولة نووية. لكن السيناريو المثير للقلق هو أن تنهض إيران مجدداً بعد الهجوم عليها وتتحول إلى قوة نووية ترغب في الانتقام. ومن أجل الحؤول دون حدوث ذلك، على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي مراقبة إيران عن قرب بعد الهجوم عليها ومنعها من الحصول على السلاح النووي. كما يتعين على إسرائيل بعد الانتهاء من هجومها على إيران طرح مبادرة سلام إقليمية تستند إلى المبادرةالعربية للسلام وتؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية وتقسيم القدس وحل متفق عليه لمشكلة اللاجئين. وبهذه الطريقة ومن خلال المزاوجة بين الهجوم العسكري والمبادرة السياسية نستطيع مواجهة التحدي المطروح أمامنا." 

 

المزيد ضمن العدد 1450