المجتمع العربي في إسرائيل في أعقاب تأليف الحكومة الـ37
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • تأليف الحكومة الـ37، التي تتضمن مكونات قومية ودينية، يتم التعامل معها على أنها ضد - العرب، ولا تمثيل للعرب فيها؛ إلى جانب النهج كما يبدو في جزء من الاتفاقيات الائتلافية، والإصلاحات القضائية الواسعة التي يتم الدفع بها - كلها أسباب تدفع بالمجتمع العربي في إسرائيل وقيادته إلى الاعتراف بأن التحديات تخصّهم أيضاً.
  • هناك مخاوف في أوساط المجتمع العربي بشأن مستقبله ومكانته كأقلية. وهو ما ينعكس، بوضوح، على ما يُنشَر في مواقع التواصل الاجتماعي، وبصورة خاصة في أوساط الشباب (جيل الـ20-35عاماً)، وهم في أغلبيتهم، "متمدنون" و"متعلمون". هناك حالة من القلق. ويتميز الحديث بالمخاوف من قوانين عنصرية ضد العرب، واستهداف حقوقهم الفردية والجماعية. هناك تخوّف من تعميق الفجوة في توزيع الموارد، وضمن ذلك وقف تطبيق "الخطة الخماسية" لتطوير المجتمع العربي ومحاربة الجريمة، وتحويل هذه الموارد إلى مشاريع في "المدن المختلطة"، أو في الاستيطان اليهودي في النقب والجليل. كما تُسمع أصوات تشير إلى تخوّف من عملية عدم التساوي في تقديم الخدمات للعرب، إلى جانب تخوّف من تقليص حرية التعبير في الحيز العام، وفي هذا الإطار منع رفع العلم الفلسطيني.
  • على الصعيد السياسي، هناك تخوّف من تراجُع الاعتراف بشرعية الصوت العربي واندماج العرب في ائتلافات حكومية، وتقديم مشاركة "القائمة الموحدة" في الحكومة السابقة كتجربة فاشلة. ويزداد التخوف أيضاً من اتهام الأحزاب العربية وأعضاء الكنيست العرب بالخروج على القانون، من خلال تعريفهم بأنهم "داعمون للإرهاب". وبصورة خاصة في حال حدوث تصعيد أمني بسبب قضايا حساسة، كالقدس والأماكن المقدسة. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إخلال بالأمن العام واحتجاجات من كلا الطرفين، تتضمن أعمال عنف تقوم بها جهات "متطرفة من الطرفين".

التخوف من المس بنسيج الحياة وتطوُّر توجهات انفصالية

  • أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز أبحاث الأمن القومي في كانون الأول/ ديسمبر 2022، أن 63% من العرب يعتقدون أن المكون الإسرائيلي في هويتهم أكثر أهمية من المكون الفلسطيني، والمستطلعون، في أغلبيتهم، عبّروا عن رغبة في الاندماج في المجتمع والدولة. نحو 80% من المستطلعين العرب يدعمون الاندماج السياسي في الحكومة وإقامة حكومات يشاركون فيها، وعلى الرغم من هذا التمسك بالاندماج الذي تشاركهم فيه أغلبية اليهود، 61% من المستطلعين عبّروا عن شعورهم بالاغتراب، وقالوا إن اليهود يرونهم مواطنين غير متساوين في الحقوق، أو أعداء في حالة خمول. نحو 73.5% من المجتمع العربي عبّر عن ثقة متدنية، وحتى متوسطة، بالحكومة. كما أشار الاستطلاع إلى أن الموضوع الأكثر أهمية في سلّم الأولويات، وعلى الحكومة أن تباشر العمل فيه، هو محاربة الجريمة والعنف داخل المجتمع العربي، إذ قال أكثر من نصف المستطلعين العرب إن شعورهم بالأمان الشخصي تراجع في الفترة الأخيرة.
  • في الاستطلاع ذاته، قال نحو 73% من الإسرائيليين، اليهود والعرب، أنه يتوجب على دولة إسرائيل أن تستثمر في مواطنيها العرب بطريقة أو بأُخرى. وهذه النتيجة يجب أن توجه الحكومة الجديدة. توزيع غير متساوٍ للموارد والميزانيات، إلى جانب تمييز ممنهج، يمكن أن يؤدي إلى ميول انفصالية في أوساط المجتمع العربي، ومن ضمنها تراجُع الرغبة في الامتثال لقوانين الدولة والواجبات المدنية، وصولاً إلى الامتناع من المشاركة في انتخابات الكنيست. هذه الاتجاهات يمكنها أيضاً تعزيز مكانة الجهات المتطرفة في المجتمع العربي، التي لا تزال اليوم صغيرة نسبياً.
  • في هذه المرحلة، لا تزال سياسة الحكومة الجديدة تجاه المجتمع العربي غير واضحة. والتجربة تعلمنا أن العلاقات ما بين المجتمع العربي والدولة والأغلبية اليهودية فيها ذات دينامية، وتتأثر بالأساس بالسياسات التي يمكن أن تؤدي إلى تحسين، أو تراجُع، في رفاهية المجتمع العربي ووضعه الاقتصادي، وبدرجة اندماج هذا المجتمع في المجتمع والسياسة. الخطوة الوحيدة التي تم اتخاذها حتى الآن هي نقل سلطة تطوير المجتمع العربي من وزارة الرفاه الاجتماعي إلى مكتب رئيس الحكومة. نأمل أن يساهم هذا بتطبيق "الخطة الخماسية". ويجب التذكير بأن حكومة نتنياهو هي التي بادرت وفعّلت "الخطة الخماسية" لتطوير المجتمع العربي في كانون الأول/ ديسمبر 2015، بميزانية 10 مليارات شيكل. لاحقاً، جرى توسيع الخطة خلال ولاية الحكومة السابقة (تشرين الأول/أكتوبر 2021). وغير ذلك، في حال تم تبنّي سياسة تقليصات، أو سياسة يبدو أنها تهمّش المجتمع العربي، فإن النتيجة يمكن أن تكون تراجُع المسارات الإيجابية التي ذُكرت، وإلحاق الضرر بطبيعة حياة العرب واليهود في الدولة: ازدياد التطرف في أوساط كلا المجتمعين، وتعميق الشعور بالاغتراب لدى العرب عن الدولة والأغلبية اليهودية.

معضلة الجمهور العربي بشأن طرق العمل والرد

  • تتابع الأقلية العربية وقياداتها التصريحات والقرارات التي تتخذها الحكومة الجديدة، وهم يتبنّون نهج الانتظار في حالة تأهُّب. ويبدو أنهم مترددون، ويميلون إلى عدم المشاركة في "النضال" الجماهيري للحفاظ على النظام القضائي والديمقراطية، الذي يجري في هذه الأثناء. فمن جهة، من الواضح لهم أن التغييرات المتوقعة في النظام القضائي ستُلحق الضرر بهم، ولذلك، سيكون من الصواب الانضمام إلى الاحتجاجات؛ ومن جهة أُخرى، فإن الإدراك أن النضال يهدف إلى الحفاظ على الديمقراطية اليهودية التي تهمشهم كأقلية قومية، يطرح أسئلة عن مشاركتهم. وفي هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أنه يوجد غضب في وسائل التواصل الاجتماعي على الحراك اليهودي، الذي يحاول جزء منه إقصاء العرب عن التظاهرات. كما أن الشباب العربي يرى في منعه من رفع العلم الفلسطيني محاولة لإلغاء هويته القومية. ويشير الحديث الذي يدور في وسائل التواصل الاجتماعي إلى شعور بالاغتراب لدى الشباب العرب، إذ يراهم اليمين "مخربين" أو "داعمين للإرهاب"؛ أما اليسار، فيريدهم بشرط التنازل عن هويتهم القومية الفلسطينية، إنه شرط غير مقبول وغير ممكن أيضاً.
  • أعضاء لجنة رؤساء السلطات المحلية اكتفوا بإرسال رسالة إلى رئيس الحكومة، حذروا فيها من إسقاطات الخطوات التي تنوي الحكومة اتخاذها وسياسات وزير الأمن القومي، وطلبوا لقاءه. هذا الطلب بحد ذاته يشير إلى نهج براغماتي. أما قيادات الأحزاب العربية، فصحيح أنها طالبت بالانضمام إلى الاحتجاجات ضد نية الحكومة إجراء تغييرات في النظام القضائي، وحتى أنها شاركت شخصياً في التظاهرات، لكنها امتنعت من تنظيم وتجنيد المواطنين العرب للاحتجاجات. وهذا شبيه بما قامت به مؤسسات المجتمع المدني العربية.
  • رئيس "الجبهة"، عضو الكنيست أيمن عودة طالب بتصعيد النضال ضد خطة الحكومة الجديدة وإدارته على كافة الصعد، الشعبية والسياسية والقضائية والبرلمانية، وصولاً إلى الدولية. وفي نظره، إن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لإنهاء الاحتلال هو جزء من الصراع على الديمقراطية، والمهم فيه العمل مع أحزاب "اليسار" والوسط اليهودية. أما رئيس القائمة الموحدة، عضو الكنيست منصور عباس، فيعتقد أن هناك اتفاقاً واسعاً في المجتمع العربي ضد خطة الحكومة، ويقترح صوغ استراتيجيا نضال جديدة ضدها. واقترح على أحزاب المعارضة السماح لمنظمات المجتمع المدني من كلا الطرفين بالصعود إلى المنصة.
  • هناك مطالبة في المجتمع العربي من الأحزاب العربية بفهم حجم التحديات والمخاطر، وأن تحل الإشكاليات فيما بينها، وتبني معارضة مشتركة مع أحزاب "اليسار" والوسط اليهودية. يبدو أن هذه المطالبات لا تؤدي إلى أي تغيير في المرحلة الحالية في العلاقات المتوترة القائمة بين "الجبهة" وشركائها في القائمة المشتركة و"الموحدة". ولكن، لا يجب إلغاء احتمال أن يحدث هذا مستقبلاً.

خلاصة وتوصيات

  • تغيير محتمل في شكل النظام الديمقراطي في الدولة يمكن أن يؤدي إلى تراجُع في العلاقات مع الأقلية العربية. هناك مخاوف كبيرة في أوساط المجتمع العربي وقياداته من تغييرات سلبية بسبب سياسات الحكومة الجديدة تجاههم، ومن حالة إقصاء لهم. هذه التطورات يمكن أن تشجع الاتجاهات المتطرفة، بمرور الوقت، حتى أنها يمكن أن تؤدي إلى توجهات انفصالية في أوساط الأقلية العربية.
  • لكن تغيير الحكومات لا يغيّر في الحقيقة التي اعترفت بها حكومات اليمين والوسط - يسار سابقاً، وهي أن الدفع بالعرب إلى الاندماج في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للدولة، هو مصلحة قومية عليا للحصانة الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية الإسرائيلية.
  • وفي هذا السياق، نوصي بالتالي:
  • الامتناع من التمييز، على خلفية إثنية، والامتناع من اتخاذ مبادرات تشريعية تهدف إلى الإقصاء السياسي والاجتماعي، ومنح مساواة في الوصول إلى الموارد والمساواة في فرص سوق العمل.
  • تطبيق الخطة الخماسية لتطوير المجتمع العربي ومحاربة الجريمة، بالتعاون مع القيادات العربية وممثلي المجتمع المدني العربي.
  • الامتناع من إطلاق تصريحات تحريضية وعنصرية تبث الشك في ولاء العرب للدولة.
  • تشجيع دمج المجتمع العربي، الذي يشكل نحو 20% من السكان، في المجتمع والدولة، والتعامل معه بمساواة وشراكة في الأوقات العادية وحالات الطوارئ.
  • هذه التوصيات هي التزام أساسي من دولة ديمقراطية تجاه مواطنيها. تبنّيها سيحسّن العلاقات بين الأقلية العربية والأغلبية اليهودية، ويساعد على إضعاف الجهات المتطرفة الموجودة في أوساط العرب. ولهذه التوصيات أهمية من وجهة نظر إسرائيل كدولة "ديمقراطية ومتنورة"، والتي تحاول تحسين مكانتها في أوساط المجتمع الدولي، وفي عيون الإدارة الأميركية.

 

 

المزيد ضمن العدد