الساحة الدولية في مواجهة التصدعات في الديمقراطية الإسرائيلية
تاريخ المقال
المصدر
- التطورات الدراماتيكية في إسرائيل، والتي أعقبت تأليف الحكومة الجديدة، خلّفت صمتاً وارتباكاً في الساحتين الدولية والإقليمية. إذ يتساءل كثيرون: إلى أين تتوجه إسرائيل، وإلى أي حد تشكّل التغييرات في المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً التركيبة غير المسبوقة للحكومة الحالية، دليلاً على تغيير في توجُّه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
- في الساحة الدولية، من المهم التفريق، بوضوح، بين معسكرين أساسيين من الدول. هناك أولاً الدول والأنظمة التي شهدت صعود الموجة المحافظة– القومية - الشعبوية التي ألحقت ضرراً واضحاً بالديمقراطية ومؤسساتها، مثل بولندا وهنغاريا والبرازيل (خلال فترة حكم بولسونارو)، وحتى الولايات المتحدة (خلال فترة حُكم ترامب). بالنسبة إلى هذه الساحات، فإن التطورات التي تشهدها إسرائيل ليست بالضرورة تغيراً سلبياً.
- لكن هذا لا ينطبق على الدول الغربية الليبرالية. فالدهشة والارتباك واضحان، وخصوصاً في ضوء معرفتها الجيدة برئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو. إذ على الرغم من الخلافات السياسية معه، وخصوصاً فيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، فإن هذه لم تكن هي الحال فيما يتعلق بموضوع الديمقراطية - التعددية. في الوقت الحالي، فإن تراجُع الديمقراطية والخلاف بشأن النزاع مع الفلسطينيين يجتمعان معاً ليشكّلا وضعاً سياسياً لم نشهد له مثيلاً في الماضي.
- وتزداد الصورة ارتباكاً، وخصوصاً أن أغلبية الأنظمة الليبرالية تحرص عموماً على الامتناع من النقد المباشر. وهي ترغب في إبقاء قنوات العمل والتواصل مفتوحة مع الحكومة الإسرائيلية، انطلاقاً من احترامها لقواعد اللعبة الديمقراطية التي أدت إلى انتخاب هذه الحكومة وتأليفها. علاوةً على ذلك، هناك مصالح مشتركة بين هذه الدول وبين إسرائيل، مثل كبح إيران عن الحصول على قدرة نووية عسكرية، وتعزيز التعاون والاستقرار في المنطقة، والتركيز على الحرب في أوكرانيا.
- هذا الصمت النسبي، الذي يشمل الدول العربية، يمكن أن يفسَّر بصورة غير صحيحة في إسرائيل. فهو ليس دليلاً على اللامبالاة، بل يدل على قلق وارتباك. وفي العالم العربي، يدل على تساؤلات تُطرح عن ماهية وجهة إسرائيل، وكيف يمكن أن ينعكس هذا على الالتقاء في المصالح معها، والذي توطد في الأعوام الأخيرة. كما تتخوف هذه الدول من تداعيات السياسة الجديدة على الساحة الفلسطينية وانزلاقها إلى ساحاتهم الداخلية. وفي طليعة هؤلاء الأردن الذي عبّر عن ذلك، ومصر (التي تواجه أزمة اقتصادية حادة ومقلقة)، كما برزت أصوات من السعودية، التي يبني نتنياهو آمالاً على حدوث انعطافة معها، شددت على الزاوية الفلسطينية.
- التحدي الدائم الموجود في أساس تطورات من هذا النوع يتركز على المسألة الاستراتيجية: أين يمرّ الخط أو نقطة التحول التي تفصل دولة تُعتبر ديمقراطية ليبرالية، لديها مصالح وقيم مشتركة مع الغرب، وانزلاقها إلى الجانب الآخر في المعسكر المضاد القومي - الشعبوي و"الأقل ديمقراطية".
- في الأعوام الأخيرة، شددت إسرائيل بصورة محقة على الالتقاء في المصالح بينها وبين عدد كبير من الدول الغربية. وهذا يتمحور حول السياسة إزاء إيران (على الرغم من الاختلافات في الرأي بشأن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي)، وحول الخطوات التي حدثت في المنطقة وشاركت فيها إسرائيل (اتفاقات أبراهام)، وحول السياسات المسؤولة التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية في تلك الأعوام. الاختلافات في الرأي في الشأن الفلسطيني بقيت على حالها، لكن جرى طمسها مع تغيُّر الأولويات في المنطقة وخارجها.
- لكن اليوم التساؤل والقلق بشأن اتجاه الديمقراطية في إسرائيل يمتزجان مع القلق العميق من مسألة الاحتلال الإسرائيلي للمناطق، وما يبدو أنه تغيير دراماتيكي في توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة. في هذا الإطار، يجب عدم الاستخفاف بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، طلب الرأي القانوني لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن الاحتلال الإسرائيلي.
- الالتقاء في المصالح له أهمية استراتيجية في العلاقات الدولية، وأيضاً بالنسبة إلى القيم المشتركة، ولا سيما بالنسبة إلى دولة صغيرة مثل إسرائيل، اعتمدت طوال 75 عاماً من وجودها على "القيم الليبرالية".
- صمت الدول الغربية لا يدل على موافقة أو لامبالاة حيال الضرر اللاحق بقيم ديمقراطية مركزية، بل هو دليل حذر ورغبة في إبقاء القنوات مفتوحة، والتي يمكن من خلالها التأثير في إسرائيل.
- مسار التصدعات أو التآكل يكون في البداية طفيفاً وصغيراً، ويمكن أن نخطىء في تقدير شدة ضرره في المدَيين المتوسط والبعيد. وقد ندرك عواقبه لاحقاً، لكن بعد فوات الأوان.