انشقاق القائمة المشتركة: صراع على الكراسي، وليس على الأيديولوجيا
تاريخ المقال
المصدر
- انشقاق القائمة المشتركة خلق جدلاً سياسياً وإعلامياً عاصفاً في المجتمعيْن اليهودي والعربي. ويُظهر فحص وجهتيْ النظر هاتين وجود فجوة بينهما، سواء فيما يتعلق بجذور الحدث، أو إزاء تداعياته المستقبلية.
- في المجتمع اليهودي، سُمعت أصوات مختلفة: بدءاً من الادعاء أن أساس الانشقاق هو خلاف أيديولوجي عميق بين حداش [الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة[ وتعل [الحركة العربية للتغيير] اللتين طالبتا بتعميق التعاون مع الحكومة المستقبلية وبين بلد [التجمع الوطني الديمقراطيٍ] الذي يعارض ذلك بشدة، مروراً بالدعاية القائلة إن رئيس الحكومة يائير لبيد تدخّل في التحركات السياسية التي سبقت الانشقاق، على أن تؤدي إلى تقريب أيمن عودة وأحمد الطيبي من معسكر الوسط - اليسار؛ وصولاً إلى الحجة القائلة إن "الكنيست سيكون مكاناً أفضل من دون بلد"، سواء من زاوية اليهود أو العرب.
- في الخطاب العربي، تبرز تأويلات تميل إلى الكآبة. والاعتقاد السائد وسط الجمهور العربي هو أن سبب الانشقاق هو الجدل في مسألة توزيع أسماء المرشحين على المراكز في قائمة الانتخابات، وأن ما يجري هو انعكاس للتدهور الحاصل في السياسة العربية. وبالنسبة إلى كثيرين في المجتمع العربي، ما يجري هو سبب إضافي لعدم الجدوى من المشاركة في الانتخابات.
- هذه الفجوة بين الخطابين تعكس مرة أُخرى كيف أن كل حدث - داخلياً كان أو خارجياً - يُترجم فوراً في إسرائيل اليوم إلى منافسة بين كتلتين متنافستين، ويُقرأ من منظور ذاتي للغاية.
- تفكُّك القائمة المشتركة هو، قبل كل شيء، صراع داخلي في المجتمع العربي، تليه قضية منظومة العلاقات مع مؤسسة الحكم، ومع المجتمع اليهودي. السؤال الفوري: هل هذا التفكك سيساعد أحد المعسكرات السياسية في الحصول على أغلبية 61 مقعداً، ويفوّت الفرصة لفهم مشكلات أساسية في المجتمع العربي؟
- الجدل الذي أدى إلى انشقاق القائمة المشتركة لا يشبه الجدل الذي أدى إلى خروج راعام [القائمة العربية الموحدة] قبل عامين. منصور عباس طرح منذ البداية خطاً ثورياً واستفزازياً بشأن كل ما له علاقة بالاندماج بالحكم وبعملية اتخاذ القرارات. وتخلى عن موقف المتفرج التقليدي للسياسيين العرب، وخلق شرخاً ميّز من خلاله بين السياسة العربية الماضية والسياسة الجديدة. أيمن عودة وأحمد الطيبي، على الأقل حتى الآن، لا يلمّحان إلى أنهما يسيران على خطى عباس، واتخاذ خطوات جريئة، مثل التوصية بمرشح لرئاسة الحكومة، أو العمل كـ "كتلة مانعة"، ولا يُتوقع أن يتراجعا عن أعمالهما، وعن الكلام الذي قالاه في الأشهر الماضية وأثار غضباً كبيراً: زعيم بلد سامي أبو شحادة لم يغادر القائمة المشتركة بسبب خلاف أيديولوجي، بل لأسباب مادية للغاية.
- النقاش الضيق الأفق بشأن كيفية تأثير تفكُّك القائمة المشتركة في نتائج الانتخابات، يجب أن يكون أكثر عمقاً بكثير، وألّا يقتصر التعامل مع هذه المسألة المصيرية من النواحي السياسية السطحية، مثلما يجري التعامل مع المسألة النووية الإيرانية والتصعيد في الساحة الفلسطينية.
- إن تفكُّك القائمة المشتركة هو دليل آخر على الانقسام وفقدان البوصلة اللذين يعاني جرّاءهما المجتمع العربي، ومن المتوقع أن يتجلى ذلك في انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات. والسؤال الذي يجب أن يثير قلق القيادة والجمهور اليهودي هو: كيف سيؤثر انخفاض تمثيل العرب وتدخُّلهم وتأثيرهم في استراتيجيا العلاقات بينهم وبين مؤسسة الحكم، وفي العلاقات بين الجمهورين العربي واليهودي. ومثل هذا السيناريو هو بمثابة أخبار سيئة لليهود والعرب على حد سواء: فهو سيعمّق الاغتراب والمسافة بينهما، ويؤجج الإقصاء والتطرف، وسيؤدي إلى وقوع احتكاكات لا تقلّ أهمية عن تلك التي حدثت في أيار/مايو سنة 2021، وربما ستكون أقوى منها.
- يتعين على أي حكومة مستقبلية أن تدرك ذلك، مع الاعتراف بأن ما يحدث في الساحة الداخلية له تأثير في المناعة القومية لإسرائيل في مواجهة التحديات الخارجية.