العقبات في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران ـ ما هي الدلالات بالنسبة إلى إسرائيل؟
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

– مباط عال
  • تستمر المناوشات الكلامية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن التعهدات المتبادلة التي يمكن أن تتيح العودة إلى الاتفاق النووي، على قاعدة الوثيقة التي قدّمها الاتحاد الأوروبي إلى الطرفين قبل بضعة أسابيع. فقد أعلنت الإدارة الأميركية أن ردة الفعل الإيرانية لم تكن مشجعة، بينما ورد في بيان خاص أصدرته فرنسا وبريطانيا وألمانيا في العاشر من أيلول/سبتمبر الحالي أن "مطالب إيران تثير الشكوك الجدية في نياتها والتزامها بالاتفاق النووي الجديد."
  • في صلب الخلاف بين الطرفين، المطلب الإيراني بإغلاق ملفات التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل يوم البدء بتطبيق الاتفاق الجديد وسريان مفعوله (اليوم الـ120 بعد توقيع الاتفاق). وقد أكدت الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون في المفاوضات أنه من غير الممكن اشتراط العودة إلى الاتفاق النووي بوقف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي لا علاقة لها بالاتفاق النووي. في المقابل، أعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أنه "من دون حلّ قضية التحقيقات المفتوحة، فليست ثمة أي جدوى من العودة إلى الاتفاق النووي." من جانبه، أوضح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي أنه لن يُغلق ملفات التحقيق قبل أن تقدّم إيران توضيحات مقنعة للأدلة التي تم العثور عليها في ثلاث منشآت غير مُصرَّح عنها.
  • بالتزامن مع ذلك وفي موازاته، تواصل إيران دفع مشروعها النووي إلى الأمام. فخلال الأيام الأخيرة، شرعت في تخصيب اليورانيوم إلى درجة 5 بالمئة في المجموعة الثانية من أصل ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي المتطورة (IR-6) التي تم تركيبها في موقع تحت الأرض في نتانز. وتنضم هذه المجموعات إلى عمليات تخصيب بدأت في السنة الماضية، بواسطة أجهزة طرد مركزي متطورة إلى درجة 60 بالمئة في منشأة نتانز الفوقية، وخلال الشهر الماضي، تم تشغيل مجموعة ثانية من أجهزة الطرد المركزي من طراز IR-6 في منشأة تحت الأرض في فوردو. وقد أشار التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 7 أيلول/سبتمبر الحالي، عشية لقاء منتدى المحافظين الذي سيُعقد هذا الأسبوع، إلى أن إيران أصبحت تمتلك الآن 55.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب بدرجة 60 بالمئة، وهي كمية تكفي لتخصيب قنبلة نووية واحدة. وطبقاً لتقرير أصدره معهد العلوم والأمن الدولي (ISIS) الذي يرصد تقدُّم المشروع النووي الإيراني، فإن وضع المخزون الحالي في إيران يتيح لها، في غضون شهر واحد، تخصيب كمية من اليورانيوم المخصّب إلى الدرجة العسكرية، والتي تكفي لبناء ثلاث قنابل نووية، ولبناء خمس قنابل نووية في غضون أربعة أشهر. علاوة على ذلك، يشير التقرير نفسه إلى أن إيران تُراكم تجربة عملية مهمة وثيقة الصلة بقرار الانطلاق نحو القنبلة في كل ما يتعلق بالتخصيب المباشر إلى درجة عالية، وسط القفز عن المراحل البينية. كما أن تقلّص الرقابة الميدانية التي تمارسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بصورة حادة، إلى جانب عدم استعداد طهران للرد على أسئلة تتعلق بالقضايا العالقة بينها وبين الوكالة الدولية، يصعّبان مهمة مراقبة ورصد التحويل المحتمل للمواد المخصّبة. وقد شنّ الناطق بلسان اللجنة الإيرانية للطاقة الذرية هجوماً على تقرير الوكالة الدولية الأخير، بالقول إنه بمثابة تكرار لأحداث سابقة وتحركه مصالح سياسية، عقب ضغوط تمارسها دول مختلفة، في مقدمتها إسرائيل.
  • تشكل مسألة التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية محور الخلاف الجوهري. هذا إلى جانب الأصداء العلنية التي تثيرها وتجعل من الصعب جداً على الولايات المتحدة وإيران الاتفاق على صيغتها الغامضة كما ظهرت في المسودة الأوروبية الأولية، والتي ترمي إلى إتاحة توقيع الاتفاق والشروع في إخراجه إلى حيز التنفيذ، مع تأجيل الحل إلى وقت لاحق.
  • من الصعب أن نرى كيف يمكن تجسير المواقف المستقطبة التي تتبناها كل من واشنطن وطهران فيما يتعلق بهذه المسألة، لكن يبدو أنه لا مصلحة، في المرحلة الحالية، لأيٍّ من الأطراف المعنية - الولايات المتحدة وإيران والدول الأوروبية - في إعلان انهيار المفاوضات. أما بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، فإن المصلحة تبقى كما كانت - تحقيق حل دبلوماسي يوقف تقدُّم إيران في البرنامج النووي. ومن الواضح للولايات المتحدة أيضاً، أن البدائل إشكالية للغاية. خلال الأشهر القريبة، ستكون الإدارة الأميركية، وعلى رأسها الرئيس جو بايدن، في خضم حملة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس (بداية تشرين الثاني/نوفمبر 2022)، وهو ما يعني أن هذه الإدارة قد تكون معنية جداً بتأجيل معالجة هذه المسألة إلى ما بعد الانتخابات، وخصوصاً أنها تواجه في هذا السياق، حالياً، معارضة متصاعدة من جانب نواب من الحزب الديمقراطي.
  • كذلك، تعتبر إيران أن الوضع الحالي هو الأفضل من بين كل الاحتمالات والبدائل، لأنه يتيح لها مواصلة التقدم في مشروعها النووي من دون ممارسة أيّ ضغوط جديدة عليها. ولهذا، جاء تصريح وزير الخارجية الإيراني بأن المفاوضات مستمرة، ثم أجرى محادثات مع نظيريْه في عُمان وقطر بشأن المسألة إياها، بل ومارس ضغوطاً غير مباشرة على الشركاء الأوروبيين، وسط التلميح إلى القدرة التي ستتوفر لإيران على تلبية حاجاتهم من الغاز في حال رفع العقوبات المفروضة عليها. هؤلاء الشركاء غارقون، أساساً، في الأزمة الأوكرانية، وفي قضايا اقتصادية داخلية، وهم ليسوا معنيين بإعلان نهاية المفاوضات، الأمر الذي سيضعهم أمام تدهور إضافي محتمل. أما الشريكتان في الاتفاق النووي ـ روسيا والصين ـ اللتان تعيشان ما يشبه "شهر العسل" في علاقاتهما مع إيران، فليستا منزعجتين من تقدُّم إيران في البرنامج النووي، وليستا معنيتين بتحقيق الرئيس بايدن أيّ مكسب، بل إن روسيا غير معنية أيضاً بضخ المزيد من النفط والغاز إلى الأسواق.
  • على هذه الخلفية، ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة:
  • حل الأزمة وتوقيع الاتفاق.
  • استمرار القفز الموضعي ـ اتصالات بوتيرة متدنية.
  • انهيار المفاوضات وإعلان فشل الجهود الرامية إلى العودة إلى الاتفاق النووي.
  • يبدو احتمال التوصل إلى اتفاق إشكالياً جداً في هذه المرحلة، إلا إن الأطراف تواصل التصريح برغبتها في تحقيقه. وإذا ما تم تجديد الاتفاق وتطبيقه، على الرغم من كل شيء، فستتمثل الإنجازات المركزية في تقليص كميات اليورانيوم المخصّب التي في حيازة إيران، وخفض مستوى التخصيب وتجميد عملية تركيب أجهزة الطرد المركزي المتطورة، أي - فعلياً - إبعاد إيران نحو نصف سنة عن القدرة على تحقيق اختراق نحو امتلاك سلاح نووي. هذا بالإضافة إلى استعادة الرقابة الشاملة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المشروع النووي الإيراني. في المقابل، ليس بالإمكان محو المعرفة الواسعة جداً التي تراكمت لدى إيران، وستبقى أجهزة الطرد المركزي المتطورة في إيران، وهو ما سيجعلها قادرة في المستقبل على العودة إلى التخصيب خلال وقت قصير في الوقت الذي تتمتع بتحرير مئات ملايين الدولارات التي تمتلكها في الخارج، ومن عائدات تصدير النفط والغاز.
  • استمرار القفز الموضعي، وإن كان تحت ستار المفاوضات التي قد تفضي إلى اتفاق، فهو الأشدّ خطورة من وجهة النظر الإسرائيلية. ففي هذا السيناريو، تتواصل العقوبات المفروضة على إيران حقاً، إلا إن إيران ستواصل، بل ستسرّع إذا استطاعت، دفع مشروعها النووي إلى الأمام في الوقت الذي تواصل التصريح بأن الاتفاق إذا ما تحقق، فسيكون بمقدورها وقف تقدُّم برنامجها النووي. في مثل هذا السيناريو، قد تنجح إيران خلال وقت غير طويل في تكديس ما يكفي من المواد الانشطارية للتخصيب إلى المستوى العسكري في عدة منشآت نووية، ومن هناك، من المرجح أن يزداد إغراء الاختراق نحو امتلاك سلاح نووي.
  • انهيار المفاوضات واعتراف واشنطن والدول الأوروبية الشريكة بذلك سيشكلان، من دون شك، إنجازاً كبيراً في نظر معارضي الاتفاق، لكن من المشكوك فيه أن يكون لدى أيٍّ منهم رد فعل على استمرار تقدُّم إيران في تجميع اليورانيوم المخصّب بدرجة عالية، ناهيك باستمرار تطوير وتحسين القدرات الأُخرى في إطار المشروع النووي. وقد أعلنت الإدارة الأميركية أنها تستعد أيضاً لاحتمال أن يكون هنالك حاجة إلى تنفيذ بدائل من عدم العودة إلى الاتفاق النووي، لكن يبدو أنه خلافاً للتصريحات العامة، ليس لديها أي خطة منظمة ومتكاملة لكيفية التعامل مع إيران في حال انهيار الاتصالات الحالية وفشلها. علاوة على ذلك، حتى بعد الانتخابات النصفية، ستواصل إدارة بايدن مواجهة الحاجة إلى الاستجابة وتوفير حلول لسلسلة طويلة من المشاكل الداخلية (الوضع الاقتصادي، وتعمُّق الاستقطاب الاجتماعي، وما إلى ذلك) ومواجهة التحديات الخارجية التي تهدد المصالح الأميركية، وعلى رأسها المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا.
  • هذا الواقع الخطِر بالنسبة إلى إسرائيل، يفرض وضع استراتيجيا جديدة حيال إيران بصورة فورية. صحيح أن إسرائيل تشجع عدم العودة إلى الاتفاق، إلا أنها لم تطرح حتى الآن أي بديل استراتيجي قابل للتطبيق لمواجهة هذا الوضع. من المشكوك فيه ما إذا كانت ردة فعل النظام الدولي على انهيار الاتفاقية، ولا سيما الولايات المتحدة بصورة خاصة، ستنسجم مع طموحات إسرائيل، وفي صلبها تشديد العقوبات بصورة حادة وبناء "خيار عسكري ذي صدقية" من أجل فرض "اتفاقية أقوى وأطول أمداً" على إيران. في الولايات المتحدة، هناك اتفاق شامل من جانب الحزبين على أنه يجب تجنُّب التورط في حروب "غير ضرورية"، وخصوصاً في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تستثمر مواردها في مواجهة عواقب الحرب في أوكرانيا والتقديرات إزاء الصين. في ظل هذه الظروف، إن احتمال بناء تحالُف فعّال ضد إيران ضعيف، ما دام يركز بشكل أساسي على تطوير التخصيب، ولن يكون هنالك دليل قاطع على أنها تتجه نحو إنتاج القنبلة.
  • افتراض أن سيناريو التوصل إلى اتفاق في المرحلة القريبة هو أقل احتمالية من السيناريوهين الآخرين، سيكون من الأفضل أن تواصل الحكومة الإسرائيلية إجراء حوار استراتيجي سرّي مع الإدارة الأميركية، وأن تركز تحركاتها على ترويج مقترحات لا تهدف إلى تقويض الفرص الضئيلة لتحقيق التقدم نحو الاتفاق، وإنما تخدم مصالحها وحاجاتها العسكرية والاستراتيجية، بما في ذلك ترسيخ وتعزيز منظومة التعاون السرّي والفعال مع دول المنطقة، تحت رعاية الولايات المتحدة. وما يستدعي هذا بالأساس، هو الاحتمال الجدي بأن يؤدي الفشل في التوصل إلى اتفاق إلى تشجيع إيران على الشروع في تحركات عدوانية ضد جيرانها، مع التشديد على الوجود الأميركي في المنطقة، والذي تهاجمه طهران بشدة. يجب على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار أنه حتى لو لم تفُز الإدارة الأميركية في انتخابات التجديد النصفي بأغلبية في كلا المجلسين التشريعيين، فلا يزال هناك عامان متبقيان لولايتها، وثمة أهمية كبيرة لقدرة إسرائيل على الحفاظ على علاقة جيدة معها بشأن مجمل القضايا السياسية والأمنية المطروحة على جدول الأعمال.

 

 

المزيد ضمن العدد