عادت إسرائيل أمس إلى مواجهة المعضلة المعقدة "كيف ترد على إطلاق الصواريخ من غزة من دون الانجرار إلى تصعيد لا ترغب فيه؟"، وأساس المعضلة واضح؛ إن هدف الإطلاق الاستفزازي للصواريخ عند الظهيرة من جانب الجهاد الإسلامي هو الإيذاء والقتل. ومن جهة ثانية، فقد استهدف إطلاق الصواريخ غلاف غزة فقط، وقد أتى كرد على وفاة الأسير المضرب عن الطعام خضر عدنان، ناقلاً رسائل من "حماس"، فحواها أنها ليست المسؤولة عن إطلاق الصواريخ لكنها على علم به، وأنها ليست معنية بالتصعيد.
في القيادتَين، السياسية والأمنية في إسرائيل، لم يكن هناك خلاف بشأن ضرورة الرد، لكن الجدل كان بشأن قوة هذا الرد، فالرد الضعيف يعكس ضعفاً، ويشجع الجهاد الإسلامي والتنظيمات الأُخرى على الاستمرار في إقلاق سكان مستوطنات غلاف غزة وتعكير صفوهم. أمّا الرد الحاد جداً، فيمكن أن يؤدي إلى سقوط إصابات في الجانب الفلسطيني، وبالتالي، سيتسبب برد مضاد، يتبعه انضمام "حماس" إلى المعركة. ويمكن لتبادل كهذا للضربات أن يخرج بسرعة عن السيطرة، في الوقت الذي يقوم فيه فرع "حماس" في لبنان بتوتير الأجواء، والميليشيات الشيعية في سورية تتنظر الفرصة المناسبة لضرب إسرائيل.
لقد سبق أن واجهت إسرائيل معضلة مشابهة الشهر الماضي، وذلك عندما تعرضت خلال عيد الفصح للقصف من الشمال ومن غزة. وكان القرار حينها الرد بصورة معتدلة نسبياً، بحيث لا تتسبب هجمات سلاح الجو بسقوط قتلى، وهذا ناجم عن عدد من الأوضاع؛ عدم سقوط قتلى في حوادث إطلاق النار، والشرخ الداخلي في إسرائيل بسبب التشريعات القضائية، ومعلومات استخباراتية قوية بشأن نية إيران توحيد الساحات، وتضافر شهر رمضان الحساس مع عيد الفصح اليهودي. كما أن رغبة الفلسطينيين في التصعيد في حرم المسجد الأقصى أدى إلى ضبط النفس من جانب إسرائيل. الآن، يبدو الوضع مختلفاً كلياً؛ صحيح أن الشرخ الداخلي لا يزال على حاله، وأن الضغط الإيراني موجود على الدوام، لكن أُضيف إلى المعادلة عنصر آخر لم يكن موجوداً في الشهر الماضي، هو عنصر الأسرى الفلسطينيين الأمنيين الذين سارعوا إلى تحويل خضر عدنان إلى رمز، ومن الممكن أن يستغلّوا المناسبة من أجل إثارة أعمال الشغب. لم تحاول حركة "حماس" - الحساسة جداً لموضوع الأسرى - لجم الجهاد الإسلامي ومنعه من الرد على إسرائيل. والذي سيحدد خطوات الحركة هو الضغط الذي سيمارَس عليها من داخل سجون الاعتقال.
يتعين على إسرائيل أن تقرّر "ماذا تريد من غزة ومن نفسها؟". إن بنيامين نتنياهو شخص محافظ جداً عندما تكون المغامرات الأمنية هي المطروحة على جدول الأعمال، ويمكن تقدير أنه سيمتنع من القيام بعملية تؤدي إلى التصعيد وتعقيد الوضع. من جهة أُخرى، فإن الأصوات داخل حكومته التي تطالب بالرد بشدة أكبر تتزايد، لاسيما في ضوء تردي الوضع الأمني في غلاف غزة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة عما كان عليه في فترة ولاية الحكومة السابقة.
لكن إسرائيل سترد الآن باعتدال من أجل الوصول إلى هدوء لوقت قصير. وسيؤدي عدم النجاح في التفريق بين الضفة الغربية وغزة إلى ردود تلقائية من القطاع على كلّ حدث عنيف في الضفة، وهذا واقع لا تستطيع إسرائيل القبول به.