تتعزّز قوّتها وتُغيّر قواعد اللعبة: "حماس" هي الرابح الأكبر من الوضع الحالي
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • كان من المفترض أن تبشرنا نهاية شهر رمضان وفترة الأعياد بانخفاض التوتر الأمني الذي كان سائداً خلال الأسابيع الأخيرة. عملياً - كما انعكس في التصعيد الحالي - لا يزال التوتر الحالي مستمراً، وفي إطاره يبرُز الدور المركزي الذي تقوم به "حماس" لتأجيج الأمور والدفع بخطوات عنيفة ضد إسرائيل.
  • ونظرة واسعة إلى السنوات الماضية الأخيرة تظهر مساراً استراتيجياً، يحاول في إطاره أعداء إسرائيل القيام بإنجازات استراتيجية بسبب انشغال إسرائيل بالأزمة الداخلية التي لا تنتهي؛ إذ تبدو حركة "حماس" المحلل الأسرع والأكثر فاعلية للواقع، وتغدو الرابحة الأكبر منه.
  • كان شهر رمضان الأخير أحد أشهر رمضان في السنوات الـ3 الأخيرة التي استغلّتها "حماس" جيداً منذ سنة 2021 بهدف إلحاق الضرر بإسرائيل، ومعاظمة قوتها الجماهيرية والعسكرية، بالإضافة إلى فرض قواعد اللعبة وتنفيذ المبادئ الأيديولوجية للتنظيم، وعلى رأسها المقاومة. وهذا كلّه يحدث من دون أن تدفع "حماس" ثمناً كبيراً على هيئة معركة صعبة مع إسرائيل. خلال حملة "حراس الأسوار"، بادرت "حماس" إلى إطلاق الصواريخ من غزة عقب التوتر في القدس، وفي الوقت نفسه، نجحت الحركة في تحريض المجتمع العربي في إسرائيل (من دون أن يكون مخططاً له). وبعد عام من ذلك، قرّرت "حماس" - بعد أن حصلت على "تسهيلات" مدنية واسعة ومهمة بالنسبة لها - أن تُبقي على غزة خارج المواجهة، لكنها في المقابل ساهمت في تحريض جبهات القدس والضفة والمجتمع العربي في إسرائيل. في هذه السنة، افتتحت "حماس" جبهة جديدة من جنوب لبنان. هذا بالإضافة إلى جهود دفع "الإرهاب" والتحريض في الضفة، والسماح بإطلاق صواريخ متقطّعة من غزة. كما قرّرت أمس المشاركة في إطلاق النار عقب موت الناشط في الجهاد الإسلامي خضر عدنان.
  • إذن، فإن "حماس" تُدير معركة متعددة الأبعاد ضد إسرائيل، الموجودة في أزمة داخلية متصاعدة وتُدار على يد حكومات عمرها قصير، ولا تستطيع صوغ استراتيجيا بعيدة المدى، لذلك تُدير الصراع بصورة تكتيكية بالأساس. في صُلب السياسة الإسرائيلية، هُناك طموح للمحافظة على الهدوء في الجبهات المتعددة، ولقتال كلّ واحدة من أذرع "حماس" منفردة، من دون التعامل مع التحدي التنظيمي الذي يفرضه التنظيم. تبدو "حماس" كلاعب شطرنج مركّب، في الوقت الذي تبدو فيه إسرائيل فيه كلاعب "سكواش" منشغل بالرد على الكرات التي تُطلق في اتجاهه.

نقاش حاد بشأن التفاهمات في غزة

  • إن التفاهمات في غزة موجودة في صُلب المصيدة الاستراتيجية التي تعيشها إسرائيل، ففي إطارها، يتم منح تسهيلات مدنية، وعلى رأسها خروج العمال، في مقابل هدوء وبفضله تتعاظم قوة "حماس"، وذلك في الوقت نفسه الذي تدفع فيه الحركة بعمليات ضد إسرائيل في جبهات غير غزة. لقد عاش القطاع حالة هدوء غير مسبوقة حتى يوم أمس، لكن في الوقت ذاته، يتم تصدير تصعيد غير مسبوق إلى الضفة والجبهة الشمالية من القطاع. تتحرك "حماس" استناداً إلى تقديرات تبدو صحيحة، وبحسبها، فإن إسرائيل لن تضع محدِدات على "التسهيلات" المدنية تجاه غزة، على الرغم من الاستفزازات المستمرة الصادرة عنها. وبهذه الطريقة تطبق "حماس" مفهوم "التمايز" وهو المصطلح الذي بلورته إسرائيل من أجل التعامل مع الحركة.
  • بسبب الأزمة الداخلية، تستصعب إسرائيل صوغ استراتيجيا منظمة ضد "حماس"، والأصعب من ذلك هو الاعتراف بأن السياسة المتّبعة خلال الأعوام الماضية تتضمّن كثيراً من التحديات والفجوات الحادة. هذه الفجوات تنكشف بين الحين والآخر حين تقرّر "حماس" تحدّي إسرائيل، لكن يتم تغليفها أكثر من مرة بتفسيرات، فحواها أن قيادات "حماس" فقدت علاقتها بالواقع، أو منشغلة بخلافات داخلية، أو أنها تتبنى نهجاً مستقلاً، كما قيل بشأن سلوك "حماس" إزاء حزب الله بعد إطلاق القذائف من لبنان.
  • بات الصراع ضد "حماس" أيضاً، كقضايا كثيرة أُخرى، ضحية النقاش الداخلي المحتدم في إسرائيل، الذي يمنع إيجاد تحليل استراتيجي واضح، ويضع كلّ حدث تلقائياً في إطار الإنجاز أو الفشل للمعسكرات المتنافسة. إن النظرة الواعية تشير إلى أنه لا يوجد اختلاف حقيقي في الواقع الأمني الذي شهدناه خلال حكم الحكومات السابقة كافة، كما أنه لا يوجد اختلاف حقيقي في السياسة التي تبنّتها هذه الحكومات، بل هي تعكس استمرارية. لم تكن "حماس" في وضعية ردع أكبر خلال رمضان الماضي، ولم يكن رمضان الماضي أكثر هدوءاً من الحالي كما يدّعي رؤساء الحكومة السابقون، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحكومة الحالية وما سبقها قبل صيف 2021.
  • إن الحقيقة بالنسبة إلى "حماس" تختلف عن الرواية الإسرائيلية؛ فـ"حماس" أقوى في سنة 2023 منها قبل عدّة أعوام، فقد سمحت التفاهمات للتنظيم بأن يؤسس سيطرته على غزة، وعودة أبو مازن إلى هناك غير منطقية الآن. وبسبب الضعف الذي تعيشه السلطة، وفقدانها السيطرة على مواقع متعددة في الضفة، تبدو "حماس" تنظيماً متماسكاً، وملتزماً بمبادئه، وموجوداً مع الطرف الصحيح في الصراعات الجيوسياسية الإقليمية، وعلى رأسها إيران التي ارتفعت قوّتها في مقابل قوة الولايات المتحدة وحلفائها التي ضعفت. وهذا كلّه في الوقت الذي يقود فيه التنظيمَ الثنائي: يحيى السنوار وصالح العاروري، اللذَان لديهما الخبرة العسكرية الوفيرة، والمعرفة العميقة بإسرائيل (منذ وجودهما في السجن)، والمكانة الداخلية الثابتة، وهو ما لا تتمتع به القيادات القديمة كإسماعيل هنية أو خالد مشعل.

التهديد المركزي: طموح "حماس" بـ"احتلال" الضفة

  • من الصعب إقناع صنّاع القرار في إسرائيل بوضع الأزمة الداخلية جانباً والتعامل مع التحديات الخارجية المتصاعدة كالنووي الإيراني، لكن يجب كشف الواقع بصورة حادة، وإجراء حوار بشأنه. في الوقت الذي تعيش فيه إسرائيل أزمة حادة بشأن "الإصلاحات القضائية"، تتعزّز قوة "حماس" ومكانتها في النظام السياسي الفلسطيني، وتنظر إلى الضفة الغربية وإلى كيفية تمكنها من السيطرة عليها في "يوم ما بعد" أبو مازن.
  • يتوجب على إسرائيل أن تتعامل مع "حماس" بصورة منظّمة؛ أولاً، يجب إعادة بحث التفاهمات في غزة وفحص مدى صلابتها. لا يجب وقف التسهيلات الاقتصادية مرة واحدة، بل فرْض قيد عليها بسبب استفزازات "حماس" المستمرة، وخصوصاً إطلاق القذائف والدفع قدماً بالـ"إرهاب" في الضفة. ومستقبلاً، يجب فحص الإعلان القائل "ما كان لن يكون"، الذي سُمع بعد حملة "حارس الأسوار" حين قيل إن كلّ "تسهيل" مدني لغزة سيكون مشروطاً بموضوع الأسرى والمختطَفين.
  • وفي المقابل، على إسرائيل أن تفتح أعينها جيداً على خطوات "حماس" في الضفة، فبالإضافة إلى محاولة التنظيم وتقوية مكانته في المنطقة وزعزعة مكانة السلطة الفلسطينية، فإن الحركة تطمح للقيام بانقلاب استراتيجي بـ"طرق سلمية" كما يبدو، وعلى رأسها انتخابات أو مصالحة وطنية، وهو ما سيسمح لها بالتمركز في الحيّز الجماهيري والحكم. لقد انهارت التقديرات التي تشير إلى أن الجلوس على كرسي الحكم سيدفع التنظيم الأيديولوجي إلى مزيد من الاعتدال بعد سيطرته على غزة، ومن المتوقع أنه في حال حدث الأمر نفسه في الضفة، فإن "حماس" ستحصل على موارد كثيرة لتحقيق طموحاتها، ولن تتحول إلى طرف "معتدل" ومستعد لتسوية مع إسرائيل.
  • إن الاستمرار في "إخماد النار" والاستمتاع بالهدوء المؤقت كإنجاز استراتيجي يمكن أن يدفع إسرائيل في المستقبل غير البعيد إلى أن تجد نفسها أمام جبهة تقف على رأسها جهة تعتبر الصراع المستمر ضد إسرائيل حتى إبادتها هو الهدف الأسمى.
  •