الموت الاستثنائي للأسير المضرب عن الطعام يمكن أن يؤدي إلى موجة جديدة من العمليات الانتقامية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • كما كان متوقعاً، لقد أدت وفاة خضر عدنان، الناشط في الجهاد الإسلامي من منطقة جنين، والذي كان مضرباً عن الطعام في السجن الإسرائيلي، إلى رد فلسطيني عنيف؛ فقد أُطلِقت قذائف بلغ عددها نحو 30 قذيفة من قطاع غزة يوم الثلاثاء. وفي جولة القصف الحادة نسبياً في ساعات الظهيرة، أُصيب شخص واحد بجروح متوسطة، واثنان آخران بجروح طفيفة في سديروت. والمسؤول عن إطلاق هذه القذائف هو الجهاد الإسلامي، بالتنسيق مع "حماس". أمّا في الضفة الغربية، فتم إطلاق النار صباح أمس الثلاثاء أيضاً على مركبة إسرائيلية بمحاذاة طولكرم، أُصيب على إثرها راكب واحد بإصابة طفيفة، وكان هذا ضمن حدث، ليس واضحاً إن كان مرتبطاً، ولو بصورة غير مباشرة، بالأخبار التي خرجت من السجن.
  • ليست جولات التصعيد في قطاع غزة بالأمر الجديد، وقد تعاملت الحكومات كافة خلال السنوات العشر الماضية مع معضلات كهذه، لكن الفرق الوحيد هو أن الحكومة الحالية متطرفة جداً، والطرف الأكثر صقرية فيها هو الطرف الذي يطالب دائماً بردود أقوى ضد الفلسطينيين. عملياً، وخلال التصعيد الأخير قبل نحو شهر، تبنّت حكومة نتنياهو، بعد إطلاق النار من غزة كرد على اقتحام المسجد الأقصى، نهجاً أكثر اعتدالاً، في الوقت الذي بقيت محافظة على نبرة عدوانية وقتالية.
  • ستزداد الآن الانتقادات التي صدرت سابقاً عن المعارضة، ومع ذلك، سيترتب على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن يدرس جيداً إن كان معنياً بدخول جولة تبادل للضربات طويلة أكثر مع الجهاد الإسلامي، بينما جرت المحافظة على الهدوء النسبي مع "حماس" منذ عامين تقريباً، بعد حملة "حارس الأسوار". ويبدو أنه في هذه المرة أيضاً، ستظهر فجوة بين الخطابات الطافحة بالوطنية وبين الخطوات العملية في الميدان.
  • هناك جهود غير بسيطة تُبذل في الكواليس لمنع موت عدنان من أن يتحول إلى شهيد فلسطيني، وألاّ يؤدي إلى اشتعال الأجواء لوقت طويل في الضفة وقطاع غزة. صباح أمس الثلاثاء، طالبت أرملته في تصريح استثنائي، بالامتناع عن إطلاق القذائف. كما أن الاستخبارات المصرية، التي لها علاقات واسعة مع قيادة "حماس"، وقيادة الجهاد الإسلامي أيضاً في غزة، مشغولة الآن بمحاولة تهدئة الأمور. وفي حال لم تنجرّ إسرائيل إلى خطوات عبثية، ولم تعلن أنها ستبقي على جثّة الأسير محتجزة لديها - كجزء من ورقة ضغط من أجل المخطوفين والجثث في قطاع غزة - فيمكن أن يتم إنهاء التوتر الحالي بأقرب وقت.
  • لكن على المدى البعيد، فإن الخطر الأكبر الذي سيعزّزه هذا الموت الدراماتيكي في السجن كامن في الضفة؛ ففي جنين - التي كان يعيش عدنان في البلدة المقابِلة لها - الأوضاع أصلاً معقدة؛ فسيطرة السلطة الفلسطينية في المدينة ضعيفة جداً، والتوتر هناك عالٍ، وبالتالي، فإن كلّ دخول لقوة إسرائيلية للقيام باعتقالات في جنين، ونابلس إلى حد ما، تواجه مقاومة عنيفة من طرف مسلَحين فلسطينيين. يبدو أنه في الفترة القريبة ستكون هناك محاولات للانتقام لموت عدنان، عبر عمليات إطلاق نار في الطرقات التي تتشاركها المركبات الفلسطينية والإسرائيلية في محيط المدن شمال الضفة.
  • كان عدنان معروفاً في الضفة بسبب نشاطه في الجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى فترات سجنه الكثيرة والإضرابات المستمرة عن الطعام التي قام بها، ففي سنة 2012 تقريباً، كان سيموت خلال إضراب سابق عن الطعام، كان قد احتج خلاله على اعتقاله الإداري المستمر، لكن تم تحريره من السجن في اللحظة الأخيرة، ونجح بطريقة ما في أن يتعافى جزئياً. في هذه المرة، عاد إلى الإضراب بعد أن تم اعتقاله في شباط/فبراير الماضي. وقد ادّعى الشاباك، لسنوات طويلة، أن عدنان يستغل عمله السياسي - المدني كغطاء لدعم "الإرهاب" الذي يقوم به تنظيمه. لكن عدنان أنكر هذه الادّعاءات، ووصف نفسه بأنه سياسي، يقاتل الاحتلال الإسرائيلي. كان الإضراب الأخير عن الطعام هو الإضراب الخامس الذي يقوم به، إلاّ إنها كانت المرة الأولى التي يحتج فيها على لائحة اتّهام جنائية تم تقديمها ضده، بذريعة أنه ألقى خطابات للتحريض على العنف في إطار عمله الحزبي.
  • إن موت معتقل أمني أضرب عن الطعام أمر نادر جداً في السجون الإسرائيلية. لكن بصورة ما، وربما بسبب الانشغال الواسع بالأزمة السياسية، لم يتم مناقشة سؤال هل كان من الممكن منع هذا الموت، الذي يمكن أن يؤدي الآن إلى تصعيد أمني إضافي. إن مصلحة السجون تقع ضمن مسؤولية وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وفي حالات استثنائية في المصلحة، يجب أن يتدخّل رئيس الحكومة أيضاً. والمعروف حتى الآن أن كلَيهما لم ينشغلا بالموضوع، باستثناء تحديثات روتينية تلقّاها الوزير خلال تقدير الوضع مع الجهات التي تقع تحت مسؤوليته.
  • منذ تولّيه المنصب، قبل نحو أربعة أشهر، لم ينشغل بن غفير في مصلحة السجون إلاّ بأمور تافهة؛ وقف عملية خبز الأرغفة داخل الأقسام الأمنية، وفكرة تحديد مدة الحمّام للأسرى (التي تراجع عنها في صمت، كجزء من تسوية بعد تهديد بإضراب أسرى واسع)، ووصولاً إلى تأجيل موعد إطلاق سراح الأسرى العرب من المواطنين في إسرائيل، لمنع احتفالات استقبالهم. أمّا إضراب عدنان، فلم يهمه بصورة خاصة، على الرغم من أنه وضع كلاسيكي يمكن أن يتحول حدث تكتيكي، مركزه شخص واحد، إلى أزمة استراتيجية.
  • وهناك سؤال إضافي يُطرح، وهو بشأن دور أجهزة الأمن ذاتها، وعلى رأسها "مصلحة السجون" و"الشاباك"؛ هل حذّروا من أن عدنان على وشك أن يموت؟ وهل تم ذكر التداعيات في المناقشات مع المستوى السياسي المسؤول؟ في الأجواء الحالية، من غير الواضح مدى الانتباه الذي يحصل عليه المستوى المهني، وإن كان يقوم برفع أعلام التحذير أمام حكومة، التي يتفاخر جزء من كبار المسؤولين فيها بتوجّهه الحاد تجاه الفلسطينيين.
  • يجب الآن أن نرى إن كان موت عدنان في هذه الظروف الصعبة، سيحوله إلى بطل شعبي في الضفة، أم سيكون فقط شخصية رمزية لدى تنظيمه، فالنضال الفلسطيني ضد إسرائيل في حاجة إلى أبطال جُدد، لكن ما يميّز العنف في الأعوام الأخيرة - في فترة العمليات سنة 2015 ولاحقاً في فترة "الإرهاب" الحالية التي بدأت قبل نحو عام ونصف - هو غياب العلاقة بالفصائل الفلسطينية؛ فالأغلبية العظمى من منفذي العمليات هم شبّان من دون انتماء فصائلي، ولا يحتاجون إلى أوامر من الأعلى من أجل التحرك، بل إلى مساعدة بالمال والسلاح، والذي يأتي جزء منه خلال الأشهر الأخيرة من إيران وحزب الله.

نهاية فترة

  • يبدو أن إسرائيل مستمرة في معركتها ضد إيران وحزب الله في سورية، ضمن إطار يحصد اهتماماً أقل من جانب المجتمع الإسرائيلي؛ فقد تم فجر أمس قصف جوي، مرة أُخرى، على أهداف في محيط مطار حلب، شمال سورية، وهذا هو الهجوم الثاني خلال 4 أيام، أمّا الأول، فقد تركّز في مدينة حمص.
  • ومن المتوقع أن يصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في زيارة استثنائية غداً إلى دمشق. وعلى الرغم من إغراء رؤية الضربات المتتالية على أنها رسالة سياسية إسرائيلية، يبدو في الحقيقة أن هناك استغلالاً لفرصة عملياتية. ومن المرجّح أن إسرائيل - التي لا تتطرّق إلى هذه الضربات رسمياً - تحاول عرقلة استمرار تهريب السلاح، عبر البر أو الجو، من إيران إلى حزب الله في لبنان. خلال الأشهر الأخيرة، هناك ارتفاع ملحوظ في عدد الضربات في سورية، وعلى الرغم من ذلك، ربما نشهد نهاية المرحلة.
  • عزّزت إيران في السنة الماضية علاقاتها بروسيا، بعد أن بدأت تزويدها بمئات المسيّرات الهجومية لاستعمالها في الحرب الأوكرانية. وإذا قرّرت موسكو تزويد دمشق بأنظمة الدفاع الجوي المتطورة أكثر، أو عزّزت تأثيرها على ما يحدث هناك، يمكن أن تجد إسرائيل نفسها في وضع جديد. إن المعركة بين الحروب مستمرة منذ نحو 10 أعوام، وقد أبطأت من تعاظم قوة حزب الله ومن تَزَوُّدِه بأسلحة دقيقة بحسب المسؤولين في وزارة الدفاع. لكن في الأوضاع الاستراتيجية الجديدة، وعلى رأسها مكانة إيران المتصاعدة، أشك فيما إذا كانت الخطوات الإسرائيلية يمكن أن تستمر لوقت طويل من دون أن يكون لها ثمن كبير.