ثمن السلام الاقتصادي
المصدر
يسرائيل هيوم

صحيفة يومية توزَّع مجاناً وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية. صدرت للمرة الأولى في سنة 2007، مالكها شيلدون أدلسون، وهو من الأصدقاء المقرّبين من بنيامين نتنياهو، وتنتهج خطاً مؤيداً له. ونظراً إلى توزيعها المجاني، فقد تحولت إلى الصحيفة الأكثر توزيعاً في إسرائيل.

المؤلف
  • إن الحديث العام في إسرائيل مشغول بظاهرة الجريمة في الشارع العربي، وبـ"الإرهاب" الفلسطيني، من دون فهم القاسم المشترك الموجود بينهما، والذي يسمى "السلام الاقتصادي".
  • خلال العقد ونصف العقد الأخيرَين، اعتمدت إسرائيل على وجهة نظر تقول إنه يجب استخدام الاقتصاد لتحقيق أهداف أمنية واجتماعية، واعتبار الرفاه الاقتصادي ونوعية الحياة والمستوى المرتفع للعيش أدوات يمكنها قمع الاضطرابات السياسية والحد من التطرف القومي والديني.
  • ومنذ سنة 2014، صُرفت أموال كثيرة في القطاع العربي ضمن إطار الخطة الخمسية وتوجهات الدمج الاقتصادي للعرب في الدولة، بما في ذلك مهن الهاي - تك، وعبر تشجيع عمل النساء العربيات. وجرى انتهاج هذه المقاربة أيضاً إزاء العرب في الضفة الغربية، وحتى في قطاع غزة، من أجل إنشاء واقع حياة اقتصادية مريحة نسبياً على الأرض، تعوض عدم الرضا الناجم عن عدم تحقيق الرؤى الوطنية أو الدينية للفلسطينيين.
  • فكرة "السلام الاقتصادي" بسيطة، وفحواها جعل الاقتصاد بديلاً من الأيديولوجيا، وهي تعتمد على الاعتراف بأن العالم كله استبدل الحديث عن الحريات السياسية المستقاة من قيم الثورة الفرنسية بالحديث عن الحريات الاقتصادية والقيم الاستهلاكية ومُتَع العيش، وهذا يعني أن نوعية الحياة ومستواها يتقدمان على أي شيء آخر، وهما سبب نجاح هذا النموذج في إسرائيل، وحقيقة أنهما وراء الهدوء الأمني النسبي الذي تتمتع به.
  • لكن هذا النموذج حمل معه بذور الكارثة، لأن "السلام الاقتصادي" تبنّى جزءاً من الافتراضات الأساسية للرأسمالية المتعلقة بمنح "القوى الاقتصادية" حرية العمل، وإزالة الحواجز التي يمكن أن تضر بفاعلية العملية الاقتصادية. وباسم هذا "المنطق"، قلّصت إسرائيل وجودها إلى الحد الأدنى، وانتهجت سياسة تقديم تسهيلات كبيرة للفلسطينيين، وأزالت الحواجز، وخفضت الاحتكاكَ بالسكان، ومنحت شريك الدرب أبو مازن حرية العمل المطلقة في المجال الأمني.
  • وبرز توجُّه كهذا في العلاقة بالمجتمع العربي، إذ تدفقت الأموال الحكومية من دون رقابة، وتقلّص تدخُّل الحكومة فيما يحدث هناك بصورة كبيرة. وكان الافتراض أن الاقتصاد سيحل كل شيء، لكن هذا لم يحدث حقاً؛ إذ رافقت أسلوب "السلام الاقتصادي" ظواهر غير جيدة، واتضح أنه أدى إلى تشكيل جماعات استطاعت الاستفادة منه، بينما لم تنجح أطراف أُخرى في الاندماج والحصول على الثروة والرفاه. والمقصود بصورة خاصة الجماعات الفلسطينية المهمشة، سواء في الضفة الغربية، أو وسط العرب في إسرائيل، والتي اختارت تفكيك هذا الأسلوب والوقوف ضده.
  • هذه كانت خلفية الأحداث التي اندلعت في المدن المختلطة خلال عملية "حارس الأسوار" (أيار/مايو 2012) و"الإرهاب" الفلسطيني في الضفة الغربية، وخصوصاً في ضواحي شمالي السامرة. واتضح أن ثمار السلام الاقتصادي جذبت عناصر هامشية أُخرى، كعصابات الجريمة في جنوب البلد وشماله، التي لها مصلحة في السيطرة على المال الكثير الموظف في القطاع العربي.
  • هذا الترابط بين الظواهر المرافقة لأسلوب "السلام الاقتصادي" وبين حقيقة أن إسرائيل التي وضعت هذا النظام سمحت له بالعمل من تلقاء نفسه، ولم تستخدم عمليات رقابة على تداعياته الأمنية والتدقيق فيها، هو الذي سمح له بهذا النمو المجنون وبلوغه الأحجام الحالية، والتي تجلّت خلال العامين الأخيرين في ظواهر الجريمة و"الإرهاب" على جانبيْ الخط الأخضر. وهكذا، تحول "السلام الاقتصادي"، الذي وُلد كأداة سياسية - اجتماعية لقمع التمرد والتطرف، إلى مسخ تفوّق على صانعه.
  • إذا كانت إسرائيل لا تزال تريد الاستفادة من الميزات الاستراتيجية لهذا الأسلوب، فمن الأفضل لها استرجاع مكانها وسط المنصة. هذا لا يعني أنه يجب عليها القضاء على الموجِّه الاقتصادي، لأنه سيؤدي إلى انهيار النظام بأكمله، والمستفيدون من هذا النظام سينضمون إلى دائرة العنف. لكن المطلوب هو ما يسميه الاقتصاديون "إعادة ضبط"، المطلوب تدخُّل الدولة ووكلائها (الجيش والشرطة والشاباك) من جديد، من أجل إعادة السيطرة على الوضع.
 

المزيد ضمن العدد