مشروع المستوطنات يحتفل بنجاحه المذهل وسط العزاء والحزن
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- تحت غطاء حالة الصدمة والرعب الجماعي بسبب "مذبحة" "حماس" يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتحت غطاء حالة العزاء، والألم والخوف على مصير المخطوفين، تقوم ميليشيات المستوطنين بتسريع وتوسيع هجماتها على تجمعات رعاة الأغنام الفلسطينيين في مناطق واسعة من الضفة الغربية، وتدفع بالمزارعين إلى ترك أراضيهم ومزارعهم، وهو ما جرى أكثر من مرة، وبدعم من الجيش. مسار تدريجي مستمر منذ 30 عاماً تقريباً، يُكثَّف في هذا الوقت: تهجير في وضح النهار، بهدف "تنظيف" كامل لنحو 60% من أراضي الضفة الغربية من سكانها الأصليين.
- يصل المستوطنون "الأفراد" إلى كلّ منزل وخيمة وطريق لم تنجح بيروقراطية "الإدارة المدنية" التمييزية في هدمها، وإلى كل مكان لم تنجح أوامر الجيش في منع الناس من البقاء فيه، حيث قراهم قائمة قبل سنة 1948، ويحققون هذا الهدف الرسمي: توسيع مناطق حياة اليهود على حساب الفلسطينيين.
- صباح يوم السبت، أطلق مستوطن (جندي في إجازة) النار على بلال صالح (40 عاماً)، وهو ما أدى إلى مقتله، في أثناء خروجه مع أولاده لقطف الزيتون في أراضيهم في قرية الساوية، جنوبي نابلس. قبل ذلك بساعتين، قام المستوطنون بطرد الفلسطينيين الذين خرجوا لقطف الزيتون في قرى جالود وقصرة، شرقي الساوية، واعتدوا بالضرب على أحدهم. وعندما بدأتُ بكتابة المقال يوم السبت في ساعات ما بعد الظهيرة، جمع سكان القرية القديمة زانوتا أغراضهم وغادروا المغر التي يعيشون فيها في جنوب غربي جبال الخليل. الإزعاجات والتهديدات ومنعهم من الوصول إلى أراضي الرعي الخاصة بهم، فضلاً عن تضاؤل قطعان ماشيتهم، وصلت إلى الذروة خلال الأسابيع الماضية. الآن، باتت التهديدات مباشرة أكثر من اللزوم.
- خلال يوم السبت الماضي، وصلت إليّ أخبار إضافية: اقتحم المستوطنون ومواشيهم قرية القواويس في الجنوب في ساعات الصباح، فهربت النساء والأطفال الخائفون. وفي ساعات الظهيرة، اقتحم المستوطنون والجنود قرية جنبة في مسافر يطا، وصعدوا إلى سطح المسجد، وحطموا مكبرات الصوت. كما هاجم المستوطنون عائلات تعيش في مناطق بين حاجز "متسودات يهودا" و"الخط الأخضر"، وصادروا هواتفهم النقالة، وهو ما أدى إلى كسر يد شابة تبلغ من العمر 16 عاماً. وبعدها، جرى اعتقال ثلاثة ممن تم الاعتداء عليهم. هل اعتقلهم الجيش؟ أو المستوطنون؟ لم يُعرف بعد.
- حوالي الساعة العاشرة مساءً، لوحظ أن المستوطنين يقومون بقطع أشجار الزيتون في جنوبي نابلس. وفي الوقت نفسه، صادر الجنود والمستوطنون كاميرات مراقبة من داخل مزرعة للدجاج في قصرة. أما في جالود القريبة، فإن مجموعة من الإسرائيليين - اليهود، بعضهم مسلح، رقصوا وغنوا بالقرب من المنازل. وفي الساعة 11 تقريباً من ليلة السبت، اقتحموا سوسيا، واعتدوا على العائلات، وأمهلوها 24 ساعة لترك منازلها. وفي قرية طوبا، اقتحم مستوطنون، بعضهم مسلح، بيوت السكان، وخربوا ما في داخلها، بعد أن قلبوا الأثاث، واختفت أغراض خاصة. وحوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، قام الإسرائيليون - اليهود بتحميل 6 أغنام تعود إلى سيدة أرملة في قرية جنوبية، بالإضافة إلى غاز وهاتف، وسرقوها. هذه ليست إلا قائمة جزئية، لأنه لا يوجد توثيق دقيق.
- الحديث لا يدور عن "انتقام طبيعي"، أو عن دفاع في مواجهة "مثيري الشغب المتضامين مع حماس"، كما يريد محامي المستوطنين أن تصدقوا: هذه خطة منظمة، مدروسة، وممولة بشكل جيد جداً، لديها نمط يكشف وجودها. الشرطة لم تبحث عن المعتدين، أو أغلقت الملفات، أو قامت بالتحقيقات. الجيش وقف جانباً في البداية، وبعدها، بدأ جنوده بالمشاركة. النيابة العامة لم تهتم، والوزراء قاموا بزيارة مع ابتسامة. هذا هو سلوك السلطات منذ سبعينيات القرن الماضي، ولا يوجد أي سبب لتغييره اليوم.
- الآلاف من سكان المنطقة مكشوفون وحدهم أمام عنف هذه المؤامرة. أعضاء الميليشيات يغلقون الطرقات التي تؤدي إلى التجمعات، ويخرّبون خزانات الماء باستعمال المركبات الرباعية الدفع، ويقتحمون، ويهددون في ساعات الليل سكان الخيام والمغر، ويطالبونهم بالرحيل بكل وضوح. فضلاً عن أنهم يعتدون بالضرب، ويتلفون الأملاك، حتى إنهم يعتقلون بمبادرات منهم، كما يخربون الألواح الشمسية والمباني الزراعية، المرة تلو الأُخرى، في حال لم تصل الرسالة الأولى.
- كل ما قاموا به، بالتدريج، وفي السر، بات علنياً، أكثر فأكثر، ومن دون إزعاج، طوال عشرات الأعوام، تتم مضاعفته الآن بـ100. تم إرسال جيشنا للدفاع عن المستوطنين، لذلك، تُركت بلدات "غلاف غزة"، فجنوده يرافقون المستوطنين في الأسابيع الأخيرة خلال هجماتهم، وفي بعض الأحيان، يكملون المهمة: هم أيضاً يغلقون الطرقات، ويهدمون المباني ويتلفون المحاصيل، ويهددون، ويطلقون النار، ويصيبون ويقتلون. مشروع المستوطنات - الذي أُسِّس منذ البداية على إلحاق الضرر الممنهج بحقوق الإنسان والفلسطينيين، والتعامل معهم على أنهم أقل شأناً وغير ضروريين- يحتفل الآن بنجاحه المذهل، وسط أيام العزاء والحزن.
- هل ستنزلق عملية توسيع المستوطنات التي جرت تحت غطاء اتفاق "أوسلو" وعملية التهجير من المناطق (ج) إلى قلب المناطق (أ) و(ب)؟ أم أن السؤال الصحيح هو متى؟ متى ستبدأ ميليشيات المستوطنين المسلحة باختراق القرى والأحياء البلدية (وليس فقط نابلس، أو عورتا، أو أطراف البيرة) وتهديد السكان؟