الجيش الإسرائيلي يضيّق الخناق، على أمل تحسين شروط التفاوض الهادفة إلى إطلاق سراح المخطوفين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • بعد ما يزيد عن ثلاثة أسابيع على الصدمة والارتباك، جاءت بالأمس لحظة ورود الأخبار الطيبة. ففي عملية ظل معظم تفاصيلها في طيّ الكتمان، نجحت وحدة العمليات التابعة لجهاز الشاباك، بمساندة من الجيش الإسرائيلي، في إنقاذ الجندية المخطوفة أوري مجيديش من أسر حركة "حماس". كانت مجيديش تخدم في غرفة الرقابة القيادية في قاعدة ناحل عوز. قُتلت أغلبية زميلات الجندية، أو تم خطفهن، خلال الهجمة "الإرهابية" التي جرى تنفيذها في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. أما النجاح الاستخباراتي والعملياتي، فإنه فتح أمس طاقة أمل على ما سيأتي لاحقاً.
  • ما سيأتي لاحقاً سيكون أصعب، لكن هذا الإنجاز المبهر يشيع بارقة أمل في نفوس عائلات المختطفين، مفادها أن الدولة لم تنسَهم، على الرغم من إخفاقها الذريع. الآن، ستندمج الجهود في العملية البرية التي سينفّذها الجيش الإسرائيلي، والتي تتسع إلى آماد واسعة في شمالي قطاع غزة. يمكننا أن نأمل بأن مواصلة الضغط على حركة "حماس" سيخلق فرصاً عملياتية تتيح إنقاذ مختطفين آخرين. وبموازاة ذلك، تُبذَل جهود مكثفة لإطلاق سراح المزيد من المخطوفين بواسطة المفاوضات غير المباشرة مع حركة "حماس"، بمساعدة قطرية.
  • هناك أمور لم يعد في إمكان غبار المعركة إخفاءها، إذ يقوم الجيش الإسرائيلي بتشديد قبضته على شمالي قطاع غزة. ظهيرة الأمس، وردت تقارير عن تحرُّك قوات مؤللة تابعة للجيش الإسرائيلي. وقبل ذلك، أعلن الناطق بلسان الجيش كشف قوة برية إسرائيلية لخلية تابعة لحركة "حماس"، تحمل مضادات للدروع، وأن الجيش الإسرائيلي ضرب هذه الخلية في جامعة الأزهر. حدث هذا في الجزء الشمالي من مدينة غزة، وهو يشير إلى تحرُّك إسرائيلي في العمق الغزي.
  • تذكّرنا حركة القوات الإسرائيلية بالعمليات البرية التي نفّذها الجيش الإسرائيلي في حملة "الرصاص المصبوب" في القطاع سنة 2009. على الرغم من بروز فارقين واضحين لدى قيامنا بالمقارنة ما بين الحملة التي تم شنّها قبل 14 عاماً والحرب الدائرة الآن. فأولاً، لقد راكمت حركة "حماس" قوتها منذ ذلك الحين، كما حسّنت في منظوماتها الدفاعية، وبالذات في شبكة الأنفاق. وثانياً، لقد حدد كلٌّ من الجيش والحكومة الإسرائيليَين هدفاً بعيد المدى، يتمثل في القضاء على سلطة حركة "حماس" وقدراتها العسكرية. وكما أشار الضباط الأميركيون في حوار مع زملائهم الإسرائيليين، لا يزال من غير الواضح حتى الآن كيف ستتسّق هذه الخطوات مع الهدف، الذي رسم سقفاً عالياً من التوقعات أمام أنظار الجمهور الإسرائيلي. لقد أطلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعده بالأمس، والذي قال فيه إن حركة "حماس" ستتلقى ضربة تؤدي إلى تركيعها، وستُهزَم. ربما ينطوي تصريحه الأخير على نوع من الاعتدال الطفيف، مقارنةً بتصريحاته السابقة.
  • أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت، وكبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي إفساح حيز غير محدود من الوقت للقوات الإسرائيلية، لكي تتمكن من تنفيذ مهمتها. يستند هذا الفهم إلى الشرعية الشعبية الإسرائيلية الواسعة الداعمة، في ضوء "الفظائع" التي ارتكبتها حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والرسائل المشجعة التي وصلت من كلٍّ من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية. ومع ذلك، فإن الدعم الغربي هو دعم محدود الصلاحية، ومشروط بالامتناع الإسرائيلي من خرق الحدود التي رسمها بايدن: الالتزام بالقانون الدولي، الحفاظ على الممرات الإنسانية المفتوحة من أجل حماية المدنيين الفلسطينيين، والامتناع من احتلال قطاع غزة. وعند نقطة ما، سينفذ صبر الغرب، في ضوء التقارير الإخبارية التي تتحدث عن معاناة السكان المدنيين في قطاع غزة (من دون علاقة للأمر بمساندتها للنشاط المضاد لجرائم حركة "حماس"). لا يزال من الضروري معرفة ما إذا كانت الفسحة الزمنية الواقعية المخصصة للعملية ستكون شهوراً، أم مجرد بضعة أسابيع.
  • في بداية العملية، كان الاحتكاك العسكري منخفضاً نسبياً. وقد يكون مرد ذلك إلى اختيار حركة "حماس" عدم المواجهة في الأماكن المكشوفة بالنسبة إليها. إن طبيعة التحركات الإسرائيلية تتكشف بالتدريج. يتمتع الجيش الإسرائيلي بميزة واضحة فوق الأرض، وقوة نارية وقدرة على تشغيل وسائل المراقبة. وحين تتحرك مجموعات مقاتلي حركة "حماس" هناك، فإنها تعرّض نفسها للخطر. وفي المقابل، فإن قوات حرب العصابات التي تتخذ مواقع دفاعية، تملك نقاطاً يمكنها استغلالها، من خلال تحضير حقول العبوات الناسفة، والتفجير المقصود للأنفاق، واستخدام الصواريخ المضادة للدروع.
  • من شأن تحريك القوات في الميدان، في المناطق التي تم هدمها سابقاً بواسطة الطلعات الجوية، المساعدة في العثور على مزيد من الأنفاق الدفاعية. لقد ارتكب الجيش خطأً كبيراً سنة 2021، في حملة "حارس الأسوار"، عندما بدّد قدرة عملياتية ممتازة قام بصوغها - خطة "البرق الأزرق" الهادفة إلى هدم جزء من شبكة الأنفاق التي يطلق عليها اسم "المترو" وضرب آلاف المخربين - وتبديد ذلك في حركة بهلوانية تشبه حملات العلاقات العامة الفائضة عن الحاجة، وهو ما أدى فقط إلى قتل بضعة "مخربين". وعلى الرغم من ذلك، فإن سلاح الجو، بواسطة المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، قادر على التسبب بدمار هائل في الأنفاق، وقتل "المخربين". وهذا ما يؤمل أن يتحقق الآن، خلال العملية البرية.
  • في هذه الأثناء، تجري في خلفية الأحداث اتصالات بشأن صفقة تحرير المخطوفين. إن فرص التوصل إلى صفقة كاملة، تفضي إلى إطلاق سراح جميع المخطوفين في مقابل تحرير جميع الأسرى الفلسطينيين، ليست فرصاً كبيرة في هذه المرحلة. تفترض حركة "حماس" أن احتجازها بعض المخطوفين يُعتبر رصيداً، تحضيراً للاستمرار في الدخول البري الإسرائيلي، في حين سيؤدي تحرير جميع المخطوفين إلى تحوُّل الهجمة الإسرائيلية على القطاع إلى أكثر عدوانيةً. يبدو أن حركة "حماس" مستعدة لخوض مفاوضات تتعلق بتحرير النساء والأطفال والمسنين، لكنها تسعى للمماطلة بقدر الإمكان، من أجل تعطيل العملية البرية. ومن المرجح أن تكون قيادة التنظيم في قطاع غزة هي التي توجّه هذه السياسة، أما القيادة الموجودة خارج القطاع، فهي مؤثرة، لكنها ليست هي مَن يُصدر الأوامر.
  • يوم أمس، قبل ساعات قليلة من بدء ورود الأخبار المتعلقة بإطلاق سراح المجندة أوري مجيديش، أصدرت حركة "حماس" مقطع فيديو قصيراً، ظهرت فيه 3 مخطوفات، هاجمت إحداهن نتنياهو، ودعته إلى التوصل إلى صفقة من أجل إطلاق سراح جميع المخطوفين. أمّا في البلد، فإن عائلات المخطوفين تصعّد مطلب التوصل إلى صفقة، في حين انتشرت لافتات إعلانية في المدن، طُبعت عليها صور المخطوفين. تخوض حركة "حماس" حرباً نفسية بواسطة المخطوفات، لكي ترعب الجمهور الإسرائيلي، وتحاول وقف التحرك البري. من المرجح أن تتكثف هذه العمليات الدعائية، ما دامت الحملة البرية تتسبب بتكبيد "حماس" أثماناً باهظة أكثر.

المفارقة الشمالية

  • إلى ذلك، لا تزال الأوضاع في الشمال معقدة. إذ أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أنه سيُلقي خطاباً بشأن الحرب للمرة الأولى، يوم الجمعة المقبل. يفيد الانطباع السائد حالياً بأن الطرفين، أي حزب الله وإسرائيل، يفهمان بعضهما جيداً. وهما يدركان انعدام الرغبة لدى الخصم في الانجرار خلف حركة "حماس" إلى حرب شاملة في لبنان، لكن، وللمفارقة، فإن هذا الاستنتاج بالذات هو ما يؤدي إلى إجراءات أكثر هجوميةً في عمق الخصم (بالاستناد إلى تفكير مفاده أنه في الإمكان إدارة المواجهة من دون أن تتخطى العتبة نحو الحرب). لقد تمكنت إسرائيل من تسجيل إنجازات عملياتية، وقتلت 50 عنصراً من حزب الله، ومزيداً من "المخربين" الفلسطينيين، لكن حزب الله وحركة "حماس"، في المقابل، شرعا في توسيع مدى نيرانهما في اتجاه التجمعات السكنية الواقعة جنوبي خط رأس الناقورة - نهاريا.
  • هذه النقطة تُعتبر خطِرة في المواجهة الدائرة، على خلفية اتساع نشاط الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، من الممكن أن تخرج الأمور في الشمال أيضاً عن نطاق السيطرة. ينبغي الانتباه أيضاً إلى وجود حزب الله في الجانب السوري من الجولان، حيث يحرّك ميليشيات شيعية لخدمة أهدافه.
  • في هذه الأثناء، تجلس إيران متفرجة. حاول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في مقابلة أجرتها معه قناة الجزيرة هذا الأسبوع، أن يسير على خيط رفيع جداً. فهو من جهة، اعترف بأن إيران تقوم بتسليح وتدريب منظمات المحور الراديكالي (حزب الله، وحركة "حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي). ومن جهة ثانية، ادّعى أن إيران لم تكن مطّلعة على قرار "حماس" بشأن الهجوم، وأنها غير شريكة في عمليات "حماس". يبدو الأمر محاولة إيرانية للحفاظ على مسافة آمنة معينة من الحرب، وبصورة أساسية، الحفاظ على مسافة آمنة تحول دون تورُّطها العسكري في مواجهة مع الولايات المتحدة، التي تقوم بصورة مطّردة بتعزيز قواتها في الإقليم.

 الخطوة الأخلاقية الصحيحة

  • في عز الفوضى التي تخلقها الحرب، يصعب أحياناً الانتباه إلى أضرار إضافية طويلة الأمد. إذ أرسلت المحكمة الدولية في لاهاي مدعياً عاماً إلى مصر، للنظر فيما إذا كان طرَفا الحرب في قطاع غزة يرتكبان جرائم حرب. يُعتبر هذا تغييراً قضائياً تواجهه إسرائيل منذ أيام حملة "الرصاص المصبوب"، وتقرير لجنة غولدستون الصادر عن الأمم المتحدة. إلا إن الوضع الآن أكثر تعقيداً: فعلى الرغم من التحذيرات التي جرى توجيهها إلى نتنياهو، فإنه أصرّ على تمرير القانون القاضي بتقليص سبب المعقولية في شهر آب/أغسطس الماضي. ونتيجة ذلك، ستجد إسرائيل صعوبات أكبر في الادعاء أن لديها منظومتَي تحقيق وقضاء مستقلتين، على النمط الغربي، والاستناد إلى هذا في الادعاء بانعدام وجود سبب للتدخل الخارجي في أفعالها.
  • الصور الواصلة من داغستان، الجمهورية الإسلامية القوقازية الصغيرة، ليلة الأحد، مثيرة للقلق الشديد. إذ قام حشد من الغوغائيين في المطار الرئيسي في الدولة، بالبحث عن يهود وإسرائيليين حطّت طائرتهم من تل أبيب، من أجل الاعتداء عليهم جماعياً. لقد أثارت هذه المجموعة الغوغائية الفوضى في المطار على مدار ساعات طويلة، فبقي المسافرون في الطائرة محاصرين. جرى قمع الفوضى بالقوة، وأسفرت عن وقوع إصابات كثيرة.
  • إن مثل هذه الأمور لا يحدث بالصدفة، ولا من فراغ، فهو نتيجة التحريض المباشر، ليس فقط في جمهوريات القوقاز المتأثرة بروسيا، بل داخل روسيا نفسها. إن نظام الرئيس فلاديمير بوتين يقوم بنشر دعاية سياسية سامة، لمصلحة حركة "حماس"، بدءاً من اليوم الأول للحرب، كما قام باستضافة وفد من كبار قيادات التنظيم في موسكو خلال الأسبوع الماضي.
  • لقد صار بوتين الآن عضواً فخرياً في تحالُف عالمي يشمل أيضاً إيران (التي تقوم بتزويده بالطائرات المسيّرة في حربه على أوكرانيا)، وحزب الله، وحركة "حماس". إن الصمت الإسرائيلي حيال تصرفاته هو صمت مشين. وأقل ما يمكن لنتنياهو أن يفعله هو الامتثال أخيراً لطلب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، والسماح له بإجراء زيارة تضامنية للبلد. لقد طلب زيلنسكي القدوم في الأسبوع الأول، وتم رد طلبه. وحين عادت إسرائيل إلى رشدها، لم يعد من المؤكد أنه ظل معنياً بالأمر. لقد آن الأوان لإعادة تجديد التوجه إليه، ودعوته للقدوم. هذه هي الخطوة الأخلاقية الصحيحة، لكنها ستحمل في الوقت ذاته رسالة مهمة إلى العالم: إسرائيل تقف مع الجانب العاقل من الصراع العالمي، وبينما انبثق في ساحتها الخلفية الشر بكل خطورته.
 

المزيد ضمن العدد