الحرب في مواجهة "حماس". ماذا بعد؟
المصدر
معهد السياسات والاستراتيجيا – جامعة ريخمان، المنظّم لمؤتمر هرتسليا السنوي

من معاهد الدراسات الاستراتيجية المعروفة، ولا سيما المؤتمر السنوي الذي يعقده ويشارك فيه عدد من الساسة والباحثين المرموقين من إسرائيل والعالم. يُصدر المعهد عدداً من الأوراق والدراسات، بالإضافة إلى المداخلات في مؤتمر هرتسليا، التي تتضمن توصيات وخلاصات. ويمكن الاطّلاع على منشورات المعهد على موقعه الإلكتروني باللغتين العبرية والإنكليزية.

المؤلف
  • تقف إسرائيل على مفترق طرق قرارات مصيرية فيما يتعلق باستمرار المعركة في مواجهة حركة "حماس". وهناك هدفان أساسيان لهذه المعركة: القضاء على القدرات العسكرية والإدارية لحركة "حماس"، وإطلاق سراح المخطوفين. ظاهرياً، يبدو أن هناك تناقضاً بين الهدفين، لكن بات من الواضح اليوم أنه من الممكن جَسر الهوة بينهما، بالاستناد إلى مخطط منهجي يأخذ في عين الاعتبار الحاجة إلى مواصلة سحق "حماس" والتحضير للمناورة البرية. هذا، إلى جانب التنسيق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، والحفاظ على العلاقات مع الدول العربية، مع استنفاد العمل عبر قنوات التفاوض المختلفة إلى أقصى حد، بهدف إطلاق سراح المخطوفين.
  • القرارات الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية، يجب أن تأخذ في اعتبارها عدة عوامل مؤثرة، ستشكل الواقع، في مواجهة البيئة الإقليمية عموماً، والمنظومة الفلسطينية خصوصاً، خلال الحرب الدائرة، وفي اليوم التالي للحرب. 
  • أولاً وقبل كل شيء، يجب أن ندرك أن هذه الحرب لها آثار عالمية وإقليمية واسعة النطاق، تتجاوز كثيراً حدود الحرب بين إسرائيل و"حماس". فهذا الصراع هو بين المعسكر الديمقراطي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة، وبين المعسكر الراديكالي الذي يقوده كلٌّ من الصين وروسيا، والذي يضم في صفوفه أيضاً إيران، وحزب الله، وحركة "حماس". وليست صدفة أن ترى الإدارة الأميركية في مسألة وضع حد لروسيا، والقضاء على قدرات حركة "حماس" والمحور الراديكالي عموماً، جزءاً من المعركة الواسعة النطاق، الهادفة إلى الحفاظ على النظام العالمي، والنظام السائد في شرق المتوسط.
  • إن التغيير في نظرة دول الغرب إزاء حركة "حماس"، وتشبيه الحركة بـ"داعش"، كامن في أساس الشرعية الواسعة النطاق التي تتمتع بها إسرائيل. توفر هذه الحالة لإسرائيل حيز عمل عسكري غير مسبوق، بهدف القضاء على قدرات الحركة. ينبغي لإسرائيل، في هذه المعركة، تحقيق نصر حاسم وواضح. وسيكون للأمر تأثيرات مهمة في الواقع الذي سينشأ، لاحقاً، في قطاع غزة، وكذلك في قدرة إسرائيل على الدفع في اتجاه تسوية طويلة الأمد. علاوةً على ما تقدّم، فإن نتائج الحرب ستؤثر أيضاً في إمكان خلق شرق أوسط جديد، ومن شأنها، إلى جانب ذلك، أن تشق الطريق نحو الدفع في اتجاه معاهدة تطبيع مع السعودية، بعد الحرب. وهو ما قد يؤدي إلى إسقاطات أيضاً على قدرة إسرائيل على تركيز الاهتمام على التهديد الرئيسي الذي يواجهها من إيران وحزب الله.
  • في الوقت نفسه، وفي ظل التحديات العملياتية المتوقعة التي قد تعترض الجيش الإسرائيلي في غزة، يُنصح بتركيز أغلبية الجهود على الحرب مع حركة "حماس"، وإبداء اليقظة من الانجرار إلى معركة واسعة النطاق في مواجهة حزب الله. في الوقت الحالي، يبدو أن إيران وحزب الله غير معنيَين بحرب واسعة النطاق. إن قيام إيران باستخدام الميليشيات في كلٍّ من اليمن، والعراق، وسورية، لمهاجمة إسرائيل والقواعد الأميركية في الإقليم، يهدف إلى زيادة الضغوط الهادفة إلى منع، أو على الأقل، إلى تأجيل الاجتياح البري، مع المحافظة على بقاء الأمور من دون أن تصل إلى عتبة الحرب.
  • وبموازاة ذلك، يتعين على إسرائيل أن تضمن عدم فتح ساحة قتال ثالثة، وأن تواصل نشاطها المركّز والناجح في إحباط أحداث "الإرهاب" المنطلقة من الضفة الغربية، ومواصلة ضرب خلايا "حماس الإرهابية" في المنطقة، وخصوصاً في منطقة شمال الضفة. والقضاء على كافة مظاهر الجريمة القومية الموجهة ضد القرى العربية [هجمات المستوطنين في الضفة الغربية] والتي من شأنها أن تشعل النار.
  • إن إسرائيل مطالَبة، حتى قبل بدء العملية البرية، ببلورة استراتيجيا بعيدة المدى، تنطوي، في جوهرها، على الإدراك القائل إنه لا يمكن العودة إلى مرحلة الحكم الإسرائيلي للقطاع. مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى انزلاق الجيش إلى تمركز طويل الأمد في القطاع بصورة تؤثر في جهوزيته وقدرته على مواجهة التهديدات القادمة من جهة إيران وحزب الله، وهو أيضاً ما سيتطلب كثيراً من الموارد الاقتصادية، ويزعزع العلاقات مع دول السلام والتطبيع في العالم العربي، ويثير انتقادات دولية واسعة النطاق تجاه إسرائيل.
  • أما فيما يتعلق بمسألة تحقيق الاستقرار في قطاع غزة في اليوم الذي يتلو الحرب، فيجب على الحكومة الإسرائيلية أن تدرك أن أي جهة إقليمية أو دولية لن تكون مستعدة لإرسال قواتها من أجل حفظ الاستقرار في القطاع. وعلاوةً على ذلك، ستطمح الولايات المتحدة والدول الغربية المعتدلة إلى إعادة إحياء العملية السياسية مع السلطة الفلسطينية وحلّ الدولتين، كونه الحل الضروري اللازم لضمان استقرار النظام الفلسطيني، وكشرط لتقديم المساعدة الاقتصادية الكبيرة. 
  • إلى جانب ذلك، يجب على إسرائيل التعامل مع مسألة إعادة المخطوفين على أنها قيمة عليا، والاعتراف بأن واجبها الأخلاقي والقيمي يتمثل في إعادتهم جميعاً. وعليه، فإن على إسرائيل أن تفسح المجال للمفاوضات التي يتوسط فيها كلٌّ من قطر، ومصر، وجهات أُخرى... فالقدرة على إدارة المفاوضات الحقيقية في ظل الأعمال القتالية الدائرة على أراضي القطاع هي قدرة محدودة جداً. وستواصل حركة "حماس" استغلال الأسرى بصورة "وحشية وانتهازية"، وتشن حرب "إرهاب" نفسي على كلٍّ من المجتمع الإسرائيلي والدولي، بهدف تأجيل العملية البرية بقدر الإمكان.
  • إن الدعم والمشاركة الأميركيَين وغير المسبوقَين يؤكدان مجدداً أن لا بديل من التحالف الاستراتيجي، والمساعدات المتعددة الأشكال التي تقدمها الولايات المتحدة. يجب أن يستمر التعاون السياسي والعسكري بين البلدين، وعلى إسرائيل أن تردّ بالإيجاب على الطلبات الأميركية في كل ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية لقطاع غزة وقضايا أُخرى، كشرط للحفاظ على الشرعية، وردع كلٍّ من إيران وحزب الله. ونتيجة ذلك، فمن المهم التوصل إلى حالة تنسيق قصوى مع الولايات المتحدة بشأن الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية فيما يتعلق بالقطاع، وطرق تحقيقها.
  • يجب على إسرائيل العمل على حفظ العلاقات مع كلٍّ من الأردن، ومصر، والدول الخليجية، إذ لا بديل من العلاقات الاستراتيجية والأمنية مع هذه الدول. يمثل الأردن عمقاً استراتيجياً، وهو يؤدي دوراً حاسماً في حماية الحدود الشرقية. وفي ضوء الحساسية الفائقة في الأردن تجاه ما يحدث للفلسطينيين، على إسرائيل الامتناع من إطلاق التصريحات والقيام بالخطوات التي قد تمثل تحدياً لاستقرار نظام الملك عبد الله. بموازاة ذلك، إن معاهدة السلام مع مصر تتيح لإسرائيل تركيز جهودها على التهديدات الرئيسية المتمثلة في إيران والتنظيمات الدائرة في فلكها في الإقليم. وبناءً عليه، يجب على إسرائيل الامتناع من طرح أفكار تتحدث عن توطين سكان غزة في سيناء. علينا أن ندرك أن الأمر يمثل خطاً أحمر لدى مصر، ويمكن أن يُلحق ضرراً كبيراً في العلاقات الثنائية بين البلدين.
  • على المستوى الداخلي، وعلى الرغم من أن إسرائيل منخرطة في الحرب في هذه الأيام، فإن عليها البدء باستعداداتها منذ الآن للأيام التالية للحرب. لقد دخلت إسرائيل في الحرب وهي تعاني جرّاء الاستقطاب والانقسام الاجتماعي والمدني، لكن مواطني إسرائيل أثبتوا في عز الأزمة عظمتهم وقدرتهم على التوحد والتجند من أجل تحقيق الهدف. يتعين على كل الجهات الرسمية في الحكومة، والجهات القيادية، العمل على توحيد الشعب، وتغيير الأولويات الوطنية، واستعادة الوحدة المجتمعية. هذا شرط ضروري لتعزيز الصمود القومي الذي يمثل ركيزة رئيسية في الأمن القومي لـ "دولة إسرائيل".
 

المزيد ضمن العدد