احتمالات للتصعيد: هجوم الميليشيات الداعمة لإيران على القوات الأميركية
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • منذ بداية الحرب بين إسرائيل و"حماس"، وفي أعقاب الدعم الأميركي الكبير لإسرائيل، ازدادت ضربات الميليشيات الداعمة لإيران ضد أهداف أميركية في سورية والعراق بصورة كبيرة. وفي الوقت نفسه، أطلق الحوثيون، الذين تدعمهم إيران، يوم 18 و27 تشرين الأول/أكتوبر، صواريخ أرض - أرض ومسيّرات من الأراضي اليمنية في اتجاه إسرائيل ومصر، والتي اعترضتها القوات الأميركية والإسرائيلية. تأتي هذه الضربات بعد هدنة منذ بضعة أشهر جاءت نتيجة تفاهمات بين الولايات المتحدة وإيران، وفي إطار اتفاق تبادُل أسرى وتحرير أموال إيرانية مجمدة.
  • وكردٍّ على الهجمات، ضربت القوات الأميركية هدفين يُستعملان كمخازن أسلحة تابعة للحرس الثوري الإيراني وحلفائه في العراق وسورية. وزير الدفاع الأميركي شدد في بيان نُشر، على أن "الضربات الدقيقة" تهدف إلى إرسال رسالة إلى إيران، مفادها أن الولايات المتحدة لن تتحمل هكذا ضربات، وأنها ستدافع عن نفسها، وعن جنودها ومصالحها؛ وأيضاً إشارة إلى أن الإدارة لا تبحث عن مواجهة، ولا نية لديها، أو رغبة في تنفيذ عمليات إضافية، وأن عملياتها منفصلة عن القتال الذي يدور بين إسرائيل و"حماس". الميليشيات، من جهتها، أوضحت العكس، وشددت على أن الوقوف الأميركي إلى جانب إسرائيل في القتال ضد "حماس" هو الدافع إلى هذه الضربات التي تم تنفيذها.
  • حتى إن البيت الأبيض أوضح أن الرئيس بايدن أرسل رسالة مباشرة إلى القيادة الإيرانية، وحذّرها من الاستمرار في مهاجمة مواقع أميركية في الشرق الأوسط، ومن استغلال حزب الله الفرصة لتوسيع الحرب ضد إسرائيل. وإلى جانب الرسائل الدبلوماسية، حذّرت مجموعة من المسؤولين الأميركيين، وعلى رأسهم الرئيس بايدن نفسه ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، الإيرانيين من أن استمرار ضرباتهم ضد الأهداف الأميركية سيدفع الولايات المتحدة إلى الرد. بلينكن أشار خلال خطاب ألقاه في اجتماع خاص لمجلس الأمن القومي، إلى أن الولايات المتحدة لا تبحث عن نزاع مع إيران. لكن في حال استمرت إيران أو أذرعها بضرب أهداف أميركية، فإن الإدارة ستعمل "بقوة وسرعة". تضاف إلى هذا أيضاً التحذيرات التي كررها الرئيس بايدن، وضمنها خلال زيارته لإسرائيل، والموجهة إلى إيران وحزب الله، بعدم استغلال الفرصة للعمل ضد إسرائيل. وفعلاً، ومباشرةً بعد هجوم "حماس" في النقب الغربي، وبسبب قوة الضربة التي تعرضت لها إسرائيل وعدد المخطوفين، اعترفت الإدارة الأميركية باحتمال خروج الحدث من مجرد جولة قتال إضافية بين إسرائيل و"حماس"، وأن يتدحرج إلى ساحات أُخرى. وبهدف ردع حزب الله وإيران، قامت بتعزيز رسائل الردع الحاسمة وزيادة القوات بشكل كبير في البحر المتوسط. من جهته، أوضح زعيم إيران أنه بحسب المعلومات التي لديه، فإن سياسة إسرائيل العدوانية في قطاع غزة صاغتها واشنطن، وهي التي تتحمل المسؤولية عن أفعال إسرائيل.
  • الإدارة لا تكتفي بالتصريحات، ومنذ أسبوعين، تقوم بتعزيز قواتها بصورة كبيرة في البحر المتوسط والخليج الفارسي. حاملة الطائرات "جيرالد فورد" ومجموعتها الهجومية تبحر في مقابل شواطئ إسرائيل، وحاملة الطائرات "آيزنهاور" والمجموعة المرافقة لها، ستصل إلى الخليج وتنضم إلى القوة البحرية التابعة للأسطول الخامس، الموجود في حالة جاهزية هناك. وبالإضافة إلى هذه القوة، يوجد في المنطقة سفينتان تابعتان للأسطول الأميركي، وتبحران إلى البحر الأحمر. تجمُّع السفن هذا هو الأكبر منذ عشرات الأعوام. سلاح الجو الأميركي أرسل أيضاً إلى المنطقة عدة أسراب من الطائرات، وأيضاً منظومات الدفاع الجوي (THAAD) التي ستُنشر في السعودية، بالإضافة إلى منظومة "باتريوت" التي ستُنشر في السعودية والكويت والعراق وقطر والإمارات؛ فضلاً عن إرسال "قبة حديدية" من الولايات المتحدة إلى إسرائيل. وأعلن البنتاغون أن قيادة المركز الأميركية ستُعزَّز بـ900 جندي إضافي.
  • الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، اعترف بأن الولايات المتحدة أرسلت رسائل إلى طهران، وشدد على أن الرد الذي حصلت عليه كان "رداً عملياً في الميدان"، وأنها "تطالبنا بعدم التدخل في الوقت الذي تمنح الدعم الواسع للكيان الصهيوني، وهذا الطلب مرفوض." متحدثون إيرانيون كبار، وعلى رأسهم وزير الخارجية عبد اللهيان، الذي شارك يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر في اجتماع الهيئة العامة للأمم المتحدة، يديرون جهوداً دعائية مكثفة. وفي أساس الحملة، هناك رسالتان مركزيتان: محاولة ردع الولايات المتحدة، عبر إشارات إلى احتمالات الضرر الذي سيحدث بسبب استمرار الضربات على مواقعها في الشرق الأوسط، وتهدئة حلفاء إيران في المنطقة، بالقول إنها ملتزمة حيالهم. وفي هذا الإطار، حذّر عبد اللهيان الولايات المتحدة من أن استمرار دعمها لإسرائيل، سيؤدي إلى فتح جبهات جديدة ضدها. حتى إن متحدثاً باسم الحرس الثوري حذّر بالقول إن "مَن لا يستطيع الوصول إلى إسرائيل (في المعركة)، يمكن أن يصل إلى الولايات المتحدة التي تدير هذه الحرب. وبحسب أقواله، فإن إيران تراقب قواعد الولايات المتحدة في المنطقة.
  • حرب إسرائيل - "حماس"، قطعت الجهود التي كانت تجري خلال الأسابيع الماضية بين الولايات المتحدة وإيران، بهدف تهدئة العلاقات فيما بينهما. أمِلت الإدارة بالنجاح في الانتخابات القريبة من دون الحاجة إلى استثمار مواردها في الموضوع الإيراني، وإيران استفادت من الأموال التي حُرِّرت، ومن أن الضغوط بشأن خطتها النووية ستهدأ. وعلى الرغم من ذلك، فإن ما يُفهم من هذا الكلام هو أن الولايات المتحدة وإيران أيضاً غير معنيتين بالانجرار إلى مواجهة مباشرة فيما بينهما. إلا إن التوتر المرتفع في الوقت الحالي في المنطقة يخفض كثيراً سقف انجرارها إلى مواجهة أوسع. يبدو أن كل طرف يبحث في حدود حساسية الطرف الآخر. الإدارة الأميركية تشدد على أنها لن تمر مرور الكرام في حال استمر الهجوم على مواقعها، وخصوصاً إذا وقعت إصابات في الأرواح. إيران، من جهتها، تدّعي أنها لا تسيطر على التنظيمات في العراق وسورية، لكن الإدارة شددت على أنها تعلم بأن طهران هي التي منحت هذه التنظيمات الضوء الأخضر للاستمرار في الهجوم.
  • بدء الهجوم البري للجيش في الأيام الماضية يمكن أن يزيد في الضغط على حزب الله والمنظمات الأُخرى المدعومة من إيران في المنطقة للرد، وبذلك، يمكن أن يزداد التوتر بين إيران وبين الولايات المتحدة. حقيقة أن الإدارة تتعامل مع إيران كمسؤولة عن الضربات ضد المواقع الأميركية، تضعها كهدف ممكن للرد. وفي هذا السياق، فإن تحذير مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يوم 29 تشرين الأول/أكتوبر، بأن بلاده سترد، في حال هاجمت إيران جنوداً أميركيين، مهم جداً.
  • منذ الآن فصاعداً، ستعتمد التطورات على مدى تصميم الإدارة الأميركية على ترجمة الخط الأحمر إلى خطوات هجومية تنفّذها. والأهم من ذلك، ستعتمد على تقديرات القيادة الإيرانية، وبصورة خاصة المرشد الأعلى خامنئي، الذي يعبّر دائماً عن تجنُّبه الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وأنه يأخذ تهديدات الإدارة بجدية.
  • هناك عدة أمور تؤخذ بعين الاعتبار خلال اتخاذ الرئيس بايدن القرارات، وإلى جانب الحاجة إلى حماية الجنود الأميركيين، هناك أيضاً صورة الولايات المتحدة بين حلفائها في المنطقة. حساب آخر هو مكانة الرئيس الشخصية الذي يفتتح سنة انتخابية للرئاسة، والرغبة في استخلاص العبر السلبية التي لحقت بمكانة الولايات المتحدة والثقة بها، بعد تراجُع الرئيس أوباما عن استخدام التهديد العسكري الذي وجّهه إلى سورية، في أعقاب تخطّيها الخط الأحمر بشأن استعمال السلاح الكيميائي.
  • لذلك، وبسبب الإصرار، الذي يُظهره بايدن، على ضرورة قتال "قوى الشر"، بحسب تعريفه، وعلى الرغم من الرغبة في منع التدهور، يمكن التقدير (بحذر) أن استمرار تحدّي الأهداف الأميركية، سيؤدي إلى ردّ جدّي أكبر، وضمنه ضد إيران. لا يزال من المبكر التقدير ما إذا كانت التطورات في الشرق الأوسط ستدفع بواشنطن إلى إعادة البحث في مجمل العلاقات مع إيران، وضمنها في سياق البرنامج النووي. وعلى الرغم من ذلك، فإننا نشك في أن تتعامل الإدارة مع الملف النووي كعامل معرقل، إذا قدّرت أن إيران تخطت الخط الأحمر، بشكل يستوجب رداً قاسياً، وضمنه الرد العسكري.
  • فيما يتعلق بإيران، الحديث يدور عن الامتحان الأول الجدي لـ"محور المقاومة" الذي بنته وطوّرته. نجاح "حماس" في فتح حرب، يُطرح على أنه إنجاز كبير وبداية "مسار انهيار إسرائيل". لذلك، فإنها ترى أنه من المهم منع الفشل الكامل، وإثبات فاعلية الجبهة. وفي المقابل، فإن إيران غير معنية بضربة كبيرة لحزب الله، ولذلك، هي تدعم السياسة التي يتبناها التنظيم، من دون الدخول في معركة شاملة، وتحاول فصل نفسها عمّا تقوم به الميليشيات في العراق وسورية. الهدف المركزي لإيران، من دون علاقة لهجوم "حماس"، كان وسيبقى طرد الوجود الأميركي من الشرق الأوسط، وخصوصاً من العراق وسورية. الهجمات ضد المواقع الأميركية في هذه الأيام، تخدم هذا الهدف الطويل المدى، وفي الوقت نفسه، تجعل مركّبات محور المقاومة تساهم في الحرب التي تخوضها "حماس". وفي إطار الجهود لردع واشنطن عن الرد، تلمّح إيران إلى إمكان مهاجمة القواعد الأميركية في الخليج، وهو ما يتعارض مع السياسة التي قادتها طهران خلال العامين الماضيين - التقارُب مع الإمارات والسعودية. صحيح أن إيران غير معنية بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لكننا نشك في أنها ترى هذا الاحتمال وشيكاً، وهو ما يمكن أن يشجعها على اتخاذ خطوات تدفع بالإدارة إلى الرد.
  • بعكس المصلحة الأساسية للولايات المتحدة وإيران، فإن للواقع الحالي احتمالات حقيقية بأن يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين إيران وحلفائها وبين الولايات المتحدة. إذا فشل الردع الأميركي، فسيكون هناك حاجة إلى ترجمة التهديدات التي ترسلها الإدارة إلى أفعال، وضمنها ضربات مباشرة ضد أهداف إيرانية. وكلما كانت الرسائل الأميركية أوضح، كلما ارتفع احتمال أن تعمل إيران لمنع الانجرار إلى مواجهة، هي غير معنية بها، ولم تخطّط لها.
 

المزيد ضمن العدد