معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛ وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.
- بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على قيام حركة "حماس" بشن هجومها "الإرهابي" و"الفتاك" على مستوطنات النقب الغربي، وفي الوقت الذي يسود التوتر الأمني الضفة الغربية والجبهة الشمالية، هناك استقرار نسبي للأوضاع الأمنية في نسيج العلاقات بين اليهود والعرب داخل الخط الأخضر، وخصوصاً في المدن المختلطة. إلى ذلك، يضاف انخفاض في منسوب الجريمة في الوسط العربي.
- أشاد المفوض العام للشرطة الإسرائيلية بالمجتمع العربي على سلوكه المثالي، وذلك خلال مثوله أمام لجنة الأمن القومي في الكنيست (بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر)، في أثناء مناقشة "الاستعدادات لعودة سيناريو ’حارس الأسوار‘"، وكان مسؤولون آخرون، منهم وزير الداخلية موشيه أربيل، هم أيضاً أثنوا على المجتمع العربي، وبيّنوا أن من بين ضحايا الهجمة "الإرهابية" التي نفّذتها حركة "حماس"، عدداً غير قليل من العرب الإسرائيليين، ونسبة كبيرة منهم من المسعفين والأطباء والممرضات. كما أيّد وزير الداخلية مطالبة جمعيات المقاولين وأرباب الصناعة بالسماح بدخول العرب إلى أماكن عملهم. وجرى توبيخ رؤساء بلديات قرروا، من تلقاء أنفسهم، منع دخول العمال العرب إلى أماكن عملهم في مواقع البناء، وقد أرسلت رسالة إلى أحد هؤلاء الرؤساء، عنوانها: "من واجب السلطات أن تتعامل بطريقة تستند إلى حفظ الكرامة والمساواة لجميع مواطني إسرائيل، يهوداً وعرباً على حد سواء". وجاء في الرسالة أن مثل هذه القرارات يدمر نسيج الحياة المشتركة في الدولة، ويمسّ برزق العمال العرب، كما يمسّ أيضاً "بصورة أساسية، بكرامتهم وحقهم الدستوري في المساواة".
- لقد أحسن صنعاً زعيم القائمة العربية الموحدة، عضو الكنيست منصور عباس، حين أصدر بياناً عاماً باللغتين العبرية والعربية في 30 تشرين الأول/أكتوبر، ورد فيه أن "الحكمة، والمسؤولية، والمصلحة العامة، والرؤيا المستقبلية، بالنسبة إلينا، بصفتنا مجتمعاً عربياً فلسطينياً، ومواطنين أيضاً، في دولة إسرائيل، تُلزمنا بقطع كل الطرق أمام الجهات المتطرفة والهامشية التي تحاول دفعنا إلى التصادم والنزاع مع الدولة ومؤسساتها الأمنية، ومع المواطنين اليهود عموماً. بدلاً من ذلك، فعلينا جميعاً، كمواطنين عرب ويهود، الالتزام بالتعاون من أجل حفظ الهدوء والسلام وتعزيز نسيج العلاقات، والتفهم، والتسامح، لكي نتمكن من التغلب على هذه الأزمة بالطرق السلمية."
- عموماً، تستمر الحياة اليومية كالمعتاد في معظم أيام العمل. وأقامت سلطة التطوير الاقتصادي التابعة لقطاع الأقليات في وزارة المساواة الاجتماعية مركز طوارئ فريداً في نوعه، لتقديم المعلومات والدعم للمجتمع العربي، بالتعاون مع اللجنة القُطرية لرؤساء السلطات المحلية، وبلدية كفر قاسم. كل ذلك بهدف تقديم العون للسلطات المحلية العربية في مواجهة حالة الطوارئ والأعمال القتالية المتواصلة. يعمل هذا المركز بالتنسيق مع قيادة الجبهة الداخلية، والشرطة الإسرائيلية، ووزارة التربية والتعليم، وخدمات الإطفاء والطوارئ، والوزارات الحكومية المختلفة، من أجل إتاحة وتوحيد المعلومات ذات الصلة، للسلطات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني التي تنشط في المجتمع العربي.
- إلى ذلك، يشهد الميدان سلوكيات مباركة يقوم بها مواطنون عرب يقدمون تبرعاتهم للحفاظ على الهدوء، والتكيّف مع حالة الطوارئ. ومن ضمن المشاريع المشار إليها، توجد مبادرات لإقامة شراكات بين يهود وعرب للتطوع والمساعدة المتبادلة، كما هي الحال في "غرفة القيادة الميدانية" المدنية، وهي غرفة قيادة يهودية عربية أقيمت بالاستناد إلى نموذج "غرفة القيادة" الذي تم عرضه في "إكسبو - تل أبيب" و"غرفة القيادة العربية" التي تعمل ضمن إطار لجنة المتابعة ولجنة رؤساء السلطات المحلية. هناك مثال آخر هو غرفة القيادة الميدانية التي أنشئت في مدينة رهط [أكبر التجمعات السكانية الفلسطينية في صحراء النقب]، والتي تدار بصورة مشتركة من يهود وعرب، من أجل توزيع التبرعات على سكان المضارب البدوية التي لا تحظى بالحماية، أو الغطاء الدفاعي الجوي، في وجه الصواريخ.
- ومع ذلك، فإن إطالة الحرب، ومعها حالة الطوارئ، يثيران احتمالاً خطِراً لتعمُّق حالة الشك، والعداء، والخوف المتبادلين بين المجتمعين. وهو ما قد يؤدي إلى تدهور الاستقرار الموصوف أعلاه، وتحوّله إلى اشتباكات وصدامات عنيفة. إن أي استفزاز من شأنه أن يؤدي إلى اندلاع اللهيب. وهذه هي الحال أيضاً فيما يتعلق بالقيود المفروضة على حرية التعبير والحق في التظاهر والاحتجاج في المجتمع العربي، رداً على ضرب المدنيين الأبرياء، إلى جانب إسقاطات تدهور الحالة الاقتصادية للمجتمع العربي. لقد أتمّت الشرطة استعداداتها لمواجهة مثل هذه السيناريوهات، إلا إن طريقة إدارة الأزمات في أثناء أحداث عنف محتملة، ستؤثر، هي بالذات، في اتجاهات تطوّر الأزمات نفسها.
الإسقاطات المترتبة على القيود المفروضة على حرية التعبير
- لا شك في أن الحق في حرية التعبير، بكل مشتقاتها، ليس حقاً مطلقاً، وخصوصاً في حالة الطوارئ. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب حماية هذا الحق، وبصورة خاصة في ساعات الطوارئ، في ضوء الخشية من اتجاه جهات حكومية إلى فرض قيود عليها. إن فرض القيود على حرية التعبير هو أمر يجب أن يكون من أجل دافع سليم، مثل الحاجة إلى حماية المصلحة العامة. إن الحق في التعبير هو أساس أي نظام ديمقراطي. وبناءً عليه، فإن التحريض على العنف، ودعم المنظمات "الإرهابية" من الظواهر المحظورة بموجب القانون. بناءً على ما تقدم، هناك فهم وتوافُق على إنفاذ القانون في هذا الشأن، وخصوصاً في شبكات التواصل الاجتماعي. أما فيما يتعلق بالضرر الذي يتسبب به الجيش الإسرائيلي للسكان المدنيين غير المتورطين في قطاع غزة، فإن الأمور تختلف، على صعيد ردات الفعل، سواء في شبكات التواصل الاجتماعي أو في الحيز العام الفعلي. في مثل هذه الحالات، يحق لأي إنسان، عربياً كان أم يهودياً، التعبير عن مواقفه، بأي طريقة ممكنة.
- يتوجب علينا أن نتذكر أن واجب ضمان المساواة (أو ضمان عدم التمييز) يقعان على عاتق الدولة، حتى من ناحية إنفاذها القانون. هذا يعني أن على الدولة تنفيذ القانون بشأن فرض القيود على الحق في حرية التعبير، في الحالات المناسبة، بصورة متساوية بين جميع الفئات الاجتماعية في إسرائيل، وكل أدوات التعبير. إن السياسة التي بموجبها، مَن يقوم بنشر منشور باللغة العربية على شبكات التواصل الاجتماعي يخضع للتحقيق لدى الشرطة، أو جهاز الشاباك، ، وقد يُعتقَل في بعض الأحيان ، تثير في أوساط الجمهور العربي شعوراً بالملاحقة السياسية، ومن شأن هذه السياسة أن تؤدي هي أيضاً إلى غليان ذي آثار وخيمة.
- تأتي التوضيحات المذكورة أعلاه، للتعليق على الحال، أيضاً في ظل محاولات الدفع قدماً في اتجاه سَن تعديلات قانونية متعلقة بتشديد العقوبة في المجالات المذكورة، أو إجراء تغييرات تتعلق بأوامر إطلاق النار، وفي ضوء التطبيق غير المستند إلى المساواة، وغير اللائق، للقوانين المذكورة، تجاه المواطنين العرب، مقارنةً بحال الإنفاذ في حالة المواطنين اليهود.
تدهور الحالة الاقتصادية للمجتمع العربي، وعواقبه
- إن القرار التعسفي الصادر عن وزارة المالية، والذي صدر قبل شهور، بتجميد تحويل مبلغ 200 مليون شيكل من الميزانيات المخصصة للسلطات المحلية العربية التي تشملها الخطة الخمسية الحكومية، بموجب القرار رقم 550 للفترة 2022-2026، على الرغم من المصادقة عليها وإدراجها في أساس الميزانية، قد تسبب بإدخال السلطات المحلية المشار إليها في عجز كبير في الميزانية. لقد ضرب هذا القرار قدرة هذه المجالس المحلية على تقديم الخدمات الضرورية للسكان، كما تسبب بوقف إجراءات تطوير ضرورية، كانت تهدف إلى خلق فرصة للاستقرار الاجتماعي - الاقتصادي من خلال الدمج بين الفئات السكانية. وإلى جانب ذلك، فإن هذا التجميد يشكل مساساً بجهوزية المجالس المحلية العربية لحالات الطوارئ، والحماية والملاجئ، والنقص في خدمات إسعاف الطوارئ، ومراكز الطب العاجلة، وخدمات الإنقاذ الأساسية، وهي كلّها، أصلاً، في حالة يرثى لها في الوسط العربي.
- يُعتبر الارتفاع في البطالة (بما يشمل التوقيف الموقت عن العمل) إحدى نقاط الضعف الأساسية التي قد تحدث خلال هذه الفترة لدى السكان ككل، ولدى المجتمع العربي على وجه الخصوص. إن نحو 60% من العمال العرب هم من ضمن الأجراء الذين يعملون خارج مناطق سكناهم. وقد يصبح جزء كبير من هؤلاء عاطلاً من العمل لأسباب عديدة، من ضمنها تسريح العمال، واحتمالات انهيار المصالح التجارية الصغيرة نتيجة الحرب. وفي ظل غياب دخل ثابت، من المتوقع تفاقُم المصاعب في تغطية النفقات الشهرية لدى الأفراد والأُسر، وهذا التطور من شأنه أن يفرض تطبيق أمور عديدة، بينها تقليص الاستهلاك، لا بل التوجّه إلى طلب القروض من السوق السوداء.
- من المتوقع أن يتسبب استمرار تجميد الموازنات، في ظل حالة الطوارئ التي طال أمدها، بحدوث أزمة اقتصادية حادة في أوساط المجتمع العربي. وقد يؤدي ارتفاع معدلات البطالة، والأزمة الاقتصادية، إلى تفاقُم الفقر، وأن يساهم في رفع نسب الجريمة والعنف. كل ما تقدّم من شأنه أن يساهم في إذكاء الإحباط والتطرف القومي، وقد يخلق توترات ويضرّ بالنسيج الحسّاس للعلاقات ما بين اليهود والعرب.
توصيات للسياسات
- إن الحفاظ على الهدوء بين اليهود والعرب داخل الخط الأخضر هو مصلحة واضحة لكلٍّ من المجتمع اليهودي، والمجتمع العربي، ودولة إسرائيل، وخصوصاً في أوقات الحرب. يجب على جميع الأطراف المعنية العمل من أجل الحؤول دون تدهور الأوضاع وتفشّي العنف، أياً كان نوعه، وهذا يمكن أن يساعد أعداء الدولة، ويمسّ بالأمن القومي في الحاضر والمستقبل. ينبغي أن يمثّل هذا الأمر قاعدة راسخة، وقاعدة توجيهية عليا لدى اتخاذ أي قرار يتعلق بالأقلية العربية، أو العلاقات اليهودية العربية. وبشكل ملموس، فإننا ندعو إلى:
- المحافظة على وعي إيجابي وبنّاء بشأن أهمية وجود علاقات سليمة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية في البلد. هذا الأمر يدخل في نطاق المسؤولية الواضحة والمباشرة للساسة وصنّاع القرار والمجتمع المدني لدى كلٍّ من المجتمعين.
- الحؤول دون وقوع أعمال عنف من الجانبين، ورفع منسوب الجهوزية، بصورة مسبقة، في مواجهة أعمال الإخلال بالنظام العام والصدامات الخطِرة، وذلك من خلال نشر قوات الشرطة وسلاح حرس الحدود.
- تعزيز القدرات الدفاعية للبلدات العربية في مواجهة الصواريخ والقذائف، إلى جانب تعزيز استعداداتها لحالات الطوارئ بصورة مثلى.
- ضرورة الالتزام بجميع مكونات الخطة الخمسية المخصصة للمجتمع العربي، وضرورة تطبيقها.