الانتباه العالمي موجّه إلى الشفاء وأي تعقيد يمكن أن يضرّ بصفقة المخطوفين
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • دخول القوات الإسرائيلية إلى مجمّع الشفاء الطبي في غزة، أمس، يمثل إحدى الخطوات الدراماتيكية في الحرب ضد "حماس"، منذ بدء العملية البرية في شمالي القطاع في أواخر تشرين الأول/أكتوبر. لقد خاطرت إسرائيل، وقامت بخطوة معقدة اشتبكت بصورة متزايدة مع قلب منظومة "حماس" في عمق مدينة غزة. ولهذه الخطوة أهداف محددة، منها كشف استخدام "حماس" المنشآت الطبية لأغراض عسكرية، بالإضافة إلى العثور على معلومات عن المخطوفين الإسرائيليين. لكن هذه الخطوة تنطوي أيضاً على أهمية رمزية.
  • يريد الجيش التلميح إلى أنه على الرغم من أن المقصود عملية توغُّل محدودة الأهداف، فإن قواته لا تخاف من الدخول إلى أي مكان كانت "حماس" تعتقد أنه آمن. وهذا ينطبق على شمالي غزة، حيث انهارت سلطة الحركة بصورة كبيرة. أما في الجنوب، الذي لا تتحرك فيه إسرائيل كثيراً، فيختبىء رجال "حماس" خلف دروع بشرية، أكثر من مليونَي نسمة، نصفهم من النازحين الذي فروا من الشمال، بطلب من الجيش الإسرائيلي. وهذه الورطة من نوع آخر تماماً.
  • سبق عملية اقتحام مجمّع الشفاء تفاهمات مع الإدارة الأميركية التي أعلنت حصولها على معلومات استخباراتية إسرائيلية بشأن استخدام "حماس" المستشفى ومنشآت طبية أُخرى لأغراض عسكرية. ومع ذلك، طلبت الإدارة من إسرائيل أن تكون العملية محدودة، والحفاظ على حياة المرضى والأطباء، والامتناع من القيام بهجمات جوية مسبقة على المجمّع. وهذا ما حدث. من أجل المحافظة على حرية العمل العسكري، توصلت إسرائيل إلى هذه التفاهمات، وكانت في المقابل، حريصة على الاستماع إلى مطالب المجتمع الدولي بشأن تزويد سكان جنوبي القطاع بالغذاء والحاجيات، عبر ممرات إنسانية.
  • قرار الدخول إلى مجمّع الشفاء، له علاقة بالمحاولات العملانية التي تراكمت في الأسابيع الأخيرة من القتال. لقد عمل الجيش بنجاح في داخل المستشفيات، وفي معسكرات "حماس" ومؤسساتها الحكومية. مع ذلك، كانت عملية مجمّع الشفاء أكثر تعقيداً بسبب وجود مئات المرضى فيه، ولأنه يستقطب الاهتمام الدولي. أيّ تعقيد يقع هنا يمكن أن يؤثر سلباً في صفقة تحرير المجموعة الأولى من المخطوفين، التي يبدو أنها وصلت إلى مرحلة حاسمة، وربما قد يؤثر أيضاً في ردات فعل حزب الله في لبنان.
  • عموماً، يجب التعامل بحذر مع تصريحات الوزراء والقادة العسكريين بشأن واجب إعادة المخطوفين. عملياً، جزء كبير من هؤلاء يركز على الجهد العسكري فقط، ويقنع نفسه بأنها وحدها زيادة الضغط على "حماس" ستؤدي إلى الصفقة المطلوبة، وهم لا يريدون صفقات موقتة، إذا كانت ستؤدي إلى وقف إطلاق النار، وتعرقل تقدُّم القوات في الميدان.
  • أمس، وزّع الجيش الإسرائيلي مناشير في خانيونس، طلب فيها من سكان الأحياء الشرقية المغادرة. وهذه ستكون، كما في السابق، عملية إعداد لعملية برية، من غير الواضح كيفية خوضها بالتزامن مع محاولة التوصل إلى صفقة. القرار النهائي بشأن صفقة المخطوفين، يجب أن يتخذه رئيس الحكومة. لكن لنتنياهو أيضاً اعتباراته الخاصة التي تتعلق ببقاء ائتلافه وإمكان استقالة كتلة اليمين المتطرف، احتجاجاً...
  • في المؤسسة الأمنية، يشككون في أن زعيم "حماس" يحيى السنوار يماطل، ويريد وقف إطلاق النار من أجل السماح لرجاله، الذين يتعرضون للهجوم، باستعادة قوتهم، ويراهن على صفقات تبادُل إضافية، يستغرق تحقيقها وقتاً طويلاً، لمنع الجيش الإسرائيلي من مهاجمة القطاع.
  • لكن في المقابل، ثمة تخوف من أن تضيّع إسرائيل مثل هذه الفرصة.  تسود القطاع فوضى عارمة، ومن غير الواضح إلى متى تقدر "حماس" والتنظيمات الأُخرى التي تحتفظ بالمخطوفين الحفاظ على أمنها. التركيز على الإنجازات العملانية يمكن أن يعرقل إعادة المخطوفين الذين تلقوا صدمة قاسية، ويعيشون في ظروف صعبة، مع الخوف على حياتهم. وهذه النقطة يطرحها الأميركيون في أحاديثهم مع نظرائهم الإسرائيليين. والتدخل الأميركي في المفاوضات مكثّف جداً، والمسؤول عنها رئيس السي آي إي، وليام بيرنز، الذي يضع الرئيس الأميركي في صورة المستجدات باستمرار...
  • وبينما لا تزال "حماس" تشغل قوات عسكرية في شمالي القطاع، وخصوصاً من داخل الأنفاق، فإنها تخلت بصورة كاملة عن صلاحياتها المدنية. يتحدث نتنياهو في وسائل الإعلام الأميركية عن تعارُض بشأن رؤيته لمستقبل القطاع. لقد صرّح بأن إسرائيل لن تحتل غزة، لكنه من جهة أُخرى، قال إن السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع ستستمر.
  • الفراغ الناشىء جرّاء انهيار حُكم "حماس" في شمالي القطاع، لا يمكن أن يستمر طويلاً. بعد الهجوم "الإرهابي" على "غلاف غزة"، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت قطع كل البنى التحتية المدنية التي تربط إسرائيل بالقطاع. والتوجه لاحقاً، هو المنع المطلق لانتقال البضائع والأشخاص، وإجبار السلطة التي ستحكم غزة على الاعتماد على المعبر مع مصر فقط، مثلما جرى في أيام الحرب.
  • لكن إذا سيطرت إسرائيل على القطاع، أو على أجزاء منه، لوقت طويل، سيكون هناك حاجة إلى إدارة الشؤون المدنية في القطاع، ولو بالحد الأدنى. في الأسابيع الماضية، جرى استدعاء العشرات من أعضاء وحدة الحكم العسكري التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في الماضي، بعد الحروب في لبنان والمناطق المحتلة، إلى الخدمة. وكانت هذه الوحدة أُهملت أعواماً كثيرة ولم تخصَّص لها ميزانيات، ولم يجرِ إعداد القوة البشرية فيها. الآن، يستعدون لتشغليها بصورة محدودة.
  • اللواء في الاحتياط يعقوب أور، الذي كان منسقاً لعمليات الحكومة في المناطق في بداية الانتفاضة الثانية، قال لنا: "كلما مرّ الزمن، سيكون الجيش الإسرائيلي هو المسؤول عن المدنيين الموجودين في الأراضي الواقعة تحت سيطرته، أي الأراضي المحتلة. وهذا يمكن أن يشمل واجب التعامل مع المدنيين، ومع حاجاتهم في الحد الأدنى. والمغزى العملي من ذلك، العودة إلى حُكم عسكري جزئي، ولو من الباب الخلفي". وفي رأيه، هذه وصفة مضمونة للغرق في وحول غزة من جديد، إذا لم تنجح إسرائيل في العثور على طريقة لإشراك السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، بافتراض أنها ستتمكن فعلاً من هزيمة "حماس" عسكرياً.
 

المزيد ضمن العدد