هذا ليس "هجوماً على الهسبراه" أو خللاً في التسويق: حكومة إسرائيل هي منتوج فاسد
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

  • لنعد للحظة إلى أساسيات التسويق: الهدف هو البحث عن إيجابيات، وتغطية السلبيات، وخلق صورة معينة للمنتوج، قادرة على تحريك المستهلك. صحيح أن "الهسبراه" [الدعاية الإسرائيلية] باتت في إسرائيل أقرب إلى الإيمان بالله، إلاّ إنها في الحقيقة ليست إلا تسويقاً دبلوماسياً. الهدف هو تحريك الناس - دعم إسرائيل في الحرب على غزة وألّا يتحركوا من أجل فلسطين.
  • من أجل القيام بذلك، يتم أخذ ما تقوم به إسرائيل في غزة ومحاولة صوغه بطريقة حادة، وجذابة، ودقيقة. الهدف من "الهسبراه" هو نشر الحقيقة وكشف الكذب، عبر تقنيات التسويق التقليدية، والتأثير في الرأي العام في الدول الغربية.
  • "الهسبراه" الجيدة هي عندما يكون المنتوج جيداً. بما معناه، الحرب في غزة هي حرب مبرّرة، تسعى لإبادة تنظيم "إرهابي" هاجمنا، ولو كان الأمر يعود إليه لقتَل كل يهودي، أو عربي إسرائيلي، يقف في طريقه لتحقيق حلمه بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. إزاء هذا الواقع، لا خيار لدينا إلّا ضرب "حماس" ونزع قدراتها العسكرية بالقوة.  العاملون في مجال "الهسبراه" يأخذون ما يقوم به الجيش في غزة، ويقومون بشرحه على أفضل وجه في العالم، ويحاولون تكذيب فكرة الإبادة الجماعية والنضال ضد الكولونيالية والحديث عن النكبة الثانية.
  • حتى الآن، هذا مدخل للتسويق. عشية يوم السبت الماضي، استضاف برنامج "لقاء مع الصحافة" في القناة 12، وزير الزراعة ورئيس الشاباك سابقاً، آفي ديختر. وبصراحة، كنت ضيفاً في الاستوديو، لكنني لم أكن موجوداً خلال لقاء ديختر.
  • تطرّق ديختر إلى ما يجري في الجنوب على أنه "نكبة غزة 2023". هذه لم تكن زلة لسان، إنما رسالة جاء بها من المنزل. وقال "نحن ننفّذ نكبة غزة. هذه نكبة غزة.
  • للأجيال، والحافز وراء نجاح "حماس". عندما يقول ديختر إن ما يجري هو "عملياتياً، لا يوجد إمكان لإدارة الحرب كما يريد الجيش إدارتها، عندما يكون الناس موجودين بين الدبابات والجنود". وأضاف مرة أُخرى: هذه نكبة غزة 2023.
  • أقواله انتشرت كسيجارة حشيش تنتقل من يد إلى يد.  وانتقلت سريعاً من "لقاء مع الصحافة" إلى العالم برمته. ها هو عضو الكابينيت السياسي - الأمني الإسرائيلي يعترف بنية إسرائيل تهجير جميع سكان غزة وإنزال "الكارثة" عليهم. وبعكس بقية زملائه في الحكومة، وسنصل إليهم بعد قليل، ديختر ليس غبياً. هذه هي المأساة. لقد كان رئيساً لـ"الشاباك"، ويتحدث العربية بإتقان، ويعرف جيداً معنى كلمة "نكبة" ووقْعها على الأذن الفلسطينية؛ طرد مئات الآلاف من بيوتهم وإرسالهم إلى أماكن بعيدة. هذه هي الصدمة العابرة نكبة غزة"، فإن القارئ يفهم أن نية إسرائيل هي طرد سكان غزة إلى المجهول، ويمكن أخذ بيوتهم وإسكان اليهود مكانهم، كما يسكن اليهود اليوم على أنقاض القرى الفلسطينية التي دُمرت في سنة 1948 (واعترف أن منزلي مبنيّ على بساتين قرية أبو كبير التي غادرها سكانها خلال الحرب).
  • المغردون صرخوا فوراً، وقالوا إنها "هجوم مجال الهسبراه". "الهسبراه" ليست قضية مهنية، بالنسبة إلى الذات الإسرائيلية؛ إنها حالة انفصام قومية. قضية حساسة. جميعنا نريد "هسبراه" جيدة ونوعية، تتحدث مع قلوب الأوروبيين والمفكرين الأميركيين التقدميين، وتزرع فيهم بعض الصهيونية وصوابية الطريق. بنيامين نتنياهو برز في بداية طريقه السياسي كناشط في "الهسبراه". أما إيلا كينان، فوُلدت كنجمة في "تويتر" بصورة ناشطة في "الهسبراه". أحياناً "الهسبراه" هي شيء جيد وضروري، وأحياناً هي كذب مطلق.
  • المشكلة فيما قاله ديختر ليست في "الضرر الذي لحِق بالهسبراه" - التي هي في النهاية  طريقة تسويق للمنتوج. المشكلة أن ما قاله ديختر هو المشكلة. هذا هو المنتوج. ببساطة، يجب سماع ما قال. إنه يتحدث عن نكبة غزة بوضوح، لأنه يعرف إسقاطات ما يحدث على العالم العربي. إنه يقوم أصلاً "بهسبراه". هو يشرح ما يراه السياسة المطلوبة من الحكومة.
  • أول مَن ألحقَ الضرر "بالهسبراه" هو عميحاي إلياهو، وزير اللا شيء، عندما فشل وتورط في مقابلة لراديو "كول براما"، وأجاب بأن إلقاء قنبلة نووية على غزة يمثل إحدى الفرضيات المطروحة. التصريح أدى إلى "ضرر في الهسبراه"، ودانته مجموعة من أصدقاء إسرائيل، واستخدمه كثيرون من كارهي إسرائيل أداةً للمناكفة.
  • إلياهو تراجع عن تصريحه، على نمط التراجع البن غفيري - أن تقول أنك تتراجع، وفي الحقيقة، أنت لا تتراجع. هل هناك شك لدى أحد في أنه لو كان لدى إلياهو قنبلة من دون انتشار إشعاعات نووية، يمكنها إبادة سكان غزة - بدءاً من "مخرّبي حماس" حتى آخر رضيع وُلد - لم يكن ليفكر ويستمتع بالتفكير في إلقائها؟ إنه عضو في حزب "قوة يهودية"، الذي علّق زعيمه في منزله صورة قاتل المصلّين المسلمين في ظهورهم؛ والقائد الروحاني لهذا الحزب دعم تهجير جميع العرب. إنه لم يفشل في "الهسبراه"، ولم تكن زلة لسان؛ ببساطة، لقد تحدث في الوقت الذي كان الجميع يسمع.
  • هذه هي الأمور التي حدثت. وخلال كتابة هذه السطور، نعيش في عاصفة ضرر "هسبراه" إضافية: دانييلا فايس [من زعماء المستوطنين] أجرت مقابلة مع صحيفة "نيويوركر"، حيث قامت بعرض رؤيتها بشأن "أرض إسرائيل الكاملة. أنتم تعرفون هذا الجنون. الـ"نيويوركر" هي صحيفة محترمة، وما يقال فيها ينتشر بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي. نحن اعتدنا أقوال المسيانيين، لكن بالنسبة إلى العالم، هذه لا تزال أرضاً بكراً. صديقي نداف إيال لفت أنظار المتابعين إلى الضرر الذي تسببت به السيدة، وشارك تغريدة كتبها شخص آخر، وأضاف "الكاتب هو اقتصادي مقروء جداً - عبّر عن مواقف داعمة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها. ويطالب في هذه التغريدة بفرض عقوبات على إسرائيل. لماذا؟ لأنه قرأ المقابلة مع دانييلا فايس، التي اطّلع عليها حتى الآن 10 ملايين إنسان، في تويتر فقط".
  • فايس ليست ضرراً في "الهسبراه". إنها تتكلم بصراحة. وللأسف - علينا أن نتوقف عن دفن رؤوسنا في الرمال - إنها لا تمثل نفسها فقط، حتى لو كانت تقوم بصوغ أقوالها بطريقة متطرفة. إنها تمثل فئات واسعة في اليمين، وفي الحكومة، وفي الائتلاف. السياسة الرسمية للحكومة ليست العودة إلى "غوش قطيف"، وليست تهجير سكان غزة، لكن مَن يدعم هذه السياسة هم أعضاء الكنيست من حزبَي "قوة يهودية" و"الصهيونية الدينية"، وكثيرون من نواب "الليكود". وبتعداد سريع، يوجد 30 نائباً في الكنيست يدعمون هذه الأفكار، ربع الكنيست، ونصف الائتلاف.
  • لا يمكن تسويق حذاء من صنع جيمي شو [ماركة فاخرة للأحذية] كحذاء ركض، من دون علاقة بكمية المال التي تنفقها. ولا يمكن تسويق إسرائيل على أنها تخوض حرباً وجودية، عندما يفرح ربع الكنيست بالحرب وخراب غزة، يفركون أيديهم، تحضيراً للعودة إلى "غوش قطيف"، ويتوقعون اختفاء سكان غزة في الهواء، أو في مخيم لاجئين في سيناء. هذا هو المنتوج، وهذا ما لدينا.
 

المزيد ضمن العدد