منسّق شؤون الأسرى الإسرائيليين السابق حجاي هداس: "نتنياهو يخشى من النتيجة السياسية المترتبة على إطلاق سراح المخطوفين"
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • يقول حجاي هداس، الذي شغل في السابق، ولمدة عامين، منصب المنسّق لشؤون الأسرى والمفقودين، والذي تم تعيينه في سنة 2009 على يد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، "إن تحرير المخطوفين هو مهمة عليا، هذه هي رايتنا، وهذا هو الهدف الأسمى بالنسبة إلينا، ويُحظر على الساسة أن يتلاعبوا سياسياً بهذا الموضوع".
  • على مدار أيام هذه الحرب، قابلت أغلبية الذين شغلوا منصب منسّق شؤون الأسرى والمفقودين، منذ الثمانينيات، وقد عبّر هؤلاء عن آرائهم، أما هداس، فقد التزم الصمت طوال الفترة السابقة، وما ننشره هنا، هو التصريح العلني الأول له في هذا الشأن.

*  بحسب الأخبار التي ينشرها القطريون، وكذلك قادة حركة "حماس" في الخارج، لقد اقترب جداً موعد المرحلة الأولى من الصفقة، فهل هذا صحيح؟

- "في تقديري، أصدر يحيى السنوار أمره بتنفيذ العملية ضد إسرائيل من أجل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. هذه هي المهمة العليا التي يضعها الرجل لنفسه، وهذا هو هدفه الأسمى. تتلقى حركة "حماس" الآن ضربات شديدة عبر عمليات الجيش الإسرائيلي، وقد بات السنوار يدرك أن عليه أن يدفع قُدماً بشيء من أجل تنفيذ أجندته السياسية، ولذا، فإن فرص تحقيق الصفقة كبيرة جداً. فالهدف السياسي الأساسي للسنوار، والمتمثل في تحرير أسرى حركة "حماس"، قد ظلّ على حاله، لم يتغير".

*   أنت تتحدث عن أسرى حركة "حماس"، فماذا عن بقية الأسرى؟

- "حسبما أعلم، هناك نحو أربعة آلاف أسير تابعين لحركة ’حماس’ في السجون. يُحتمل أن يطلب السنوار أيضاً تحرير أسرى حركة الجهاد الإسلامي، لكنني لست متأكداً من أن لديه المطالب نفسها بشأن أسرى حركة ’فتح’".

  • تسلّم هداس منصب المنسق، بعد خدمة طويلة أمضاها في مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة (الموساد). وهو من مواليد كيبوتس "بيت ألفا"، تطوع للخدمة في وحدة النخبة التابعة للمظليين، وكان نائب قائد الوحدة. تم تسريحه من الخدمة العسكرية برتبة نقيب. بعد إنهائه خدمته العسكرية، تم تقصّي مكانه والعثور عليه، ثم تجنيده للموساد، حيث عمل نحو 30 عاماً في مناصب قتالية وقيادية وإدارية في الجهاز. وقد ترأس وحدة "كيدون"، رأس حربة الجهاز [وحدة الاغتيالات التابعة للموساد]، ثم شغل منصب رئيس قسم "قيسارية"، وهو قسم العمليات في الموساد، ثم منصب رئيس قسم اللواء. وفي سنة 2005، انسحب لكي يتفرغ لمصالحه التجارية الخاصة، إلى أن حلّت سنة 2009، حين استجاب لطلب نتنياهو بالعمل في منصب المنسق. ولاحقاً، قام نتنياهو بتعيينه أيضاً في منصب المسؤول عن معالجة قضية لاجئي العمل والمتسللين غير القانونيين في إسرائيل.
  • تحدثتُ طوال الأسابيع الماضية مع معظم المنسّقين السابقين لشؤون الأسرى والمفقودين، الذين شغلوا هذا المنصب طوال الأربعين عاماً الماضية، فتركوا لديّ انطباعاً أنهم يفترضون (مع وجود فروق ضئيلة في المواقف) أنه يجب منح الأولوية القصوى لمسألة تحرير المخطوفين، سواء أكان ذلك بصورة جزئية، أم يشملهم جميعاً. هذا ما قاله لي كلٌّ من أوري سالونيم (الذي شغل المنصب بعد أن عيّنه وزير الأمن منذ سنة 1989 حتى سنة 2006)، ويعقوب بيري (الذي شغل المنصب في الفترة 1995- 2000)، ودافيد ميدان (الذي شغل المنصب من سنة 2011 حتى إطلاق سراح جلعاد شاليط)، ويارون بلوم (الذي كان منسّق جهاز الشاباك في مكتب تنسيق شؤون الأسرى والمفقودين، وظل يعمل تحت إمرة كلٍّ من هداس وميدان، إلى أن تم تعيينه على رأس الهيئة سنة 2017). يتفق هؤلاء جميعاً على أن الوقت ليس في مصلحة إسرائيل، وأن مَن يحدد هوية الذين يتم إطلاق سراحهم، ومتى يُسرَّحون، وبأي وتيرة يجري ذلك، هو يحيى السنوار، ولذا، فلا خيار أمام إسرائيل سوى الدفع قدماً في اتجاه المفاوضات والعمل على إطلاق سراح المخطوفين على مراحل.
  • الاستثناء الوحيد، الذي اختلف موقفه عن كل مَن سبق ذكرهم، هو رامي إيجرا، الذي شغل منصباً بارزاً في الموساد، ومنسّقاً لشؤون الأسرى والمفقودين حتى تقاعُده في سنة 1999. "يجب إطلاق سراح المخطوفين، إما عبر صفقة، وإما بالقوة، المسألة تتعلق بالفرص السانحة أمامنا"، قال الرجل، ومع ذلك، فهو يفترض أن الصفقة المقترحة لإطلاق سراح المخطوفين على مراحل، هي خطوة خاطئة، "تهدف إلى إنقاذ حركة ’حماس’". هذه صفقة استبدال مخطوفين في مقابل بقاء حركة "حماس"، التي تسعى جاهدةً لخلق ضغوط دولية، والعودة إلى تنظيم صفوفها من أجل العودة إلى ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وإلى نموذج الجولات القتالية، ويجب على إسرائيل ألا توافق على ذلك".

*  هل تظن أن الموافقة على هدنة إنسانية تستمر بضعة أيام في قطاع غزة ستُعتبر كارثة كبرى؟ أليس من الممكن العودة إلى القتال بعدها؟

-  إيجرا: "نعم. الهدنة خطوة جنونية لن تؤدي إلا إلى زيادة تكبيدنا المزيد من الخسائر. لقد صدق غالانت. فكلما تفاقم الضغط، كلما تم تجريد حركة ’حماس’ من قدراتها، وهو ما سيؤدي، بالضرورة، إلى تقريبنا من هدف إطلاق سراح المخطوفين. لا يمكن لي أن أتفق مع الوزيرة أوريت ستروك على أي مسألة في هذا العالم، لكنها على حق في هذه المسألة بالذات. هناك معضلة ذات حدّين: إسرائيل، أم المخطوفون؟ إذا ظلت حركة "حماس" موجودة، فإن بلدات ’غلاف غزة’ لن تكون قادرة على البقاء، وأنا شخصياً، كنت سأبدأ بالقلق على مصير "يافنيه" [بلدة يبنا الواقعة إلى الجنوب من تل أبيب، بما يتجاوز كثيراً بلدات ’غلاف غزة’]. يُحظر علينا بناء سياساتنا، استناداً إلى العواطف".

  • بحسب عمليات التشخيص التي نفّذتها الوحدة الخاصة العاملة في القضية، بقيادة اللواء احتياط نيتسان ألون، لقد خُطف 242 إسرائيلياً إلى قطاع غزة، منهم الرضّع، والأطفال، والنساء، والرجال من جميع الأعمار، ويشمل ذلك مسنّين في العقد الثامن، وأيضاً مجندات ومجندين. قامت حركة "حماس"بإطلاق أربع مخطوفات، بالإضافة إلى جثتين تم العثور عليهما في أثناء غارة نفّذها الجيش الإسرائيلي على مستشفى الشفاء، وتم نقلهما للدفن في داخل إسرائيل. وهكذا، فإن الجيش الإسرائيلي يقدّر الآن عدد المخطوفين بـ 236 شخصاً. ومع ذلك، ليس من الواضح مَن بقيَ منهم في قيد الحياة، وما هي حالة هؤلاء الصحية والنفسية.
  • يارون بلوم، الذي كان آخر مَن شغل هذا المنصب، وخدم فيه حتى سنة 2022 (بعد خروجه من منصبه بعام، لم يعيّن نتنياهو بديلاً منه، إلى أن نشبت الحرب)، يريد التأكيد أنه يُحظر علينا أن ننسى الجنديَين أورون شاؤول وهدار غولدن، اللذين تحتفظ حركة "حماس" بجثتيهما منذ حملة "الجرف الصامد" سنة 2014، ولا أن ننسى هشام سعيد وأبراه منغيستو، اللذين يعانيان جرّاء مشاكل نفسية، وقطعا سنة 2015 الحدود إلى قطاع غزة، وبحسب علمنا، هما في قيد الحياة. يقول بلوم إنه يعرف السنوار معرفة ممتازة، بعد قراءة ملفاته، ويعتبره "مختلاً عقلياً، ونرجسياً"، ولا يمكن توقُّع تصرفاته، لكن على الرغم من ذلك، فإنه يجب الدفع في اتجاه عقد صفقة، حتى لو تمت على مراحل، لأن من واجب إسرائيل الأخلاقي الاهتمام بمواطنيها المخطوفين والأسرى.
  • يعرّف حجاي هداس السنوار، الذي كان لا يزال في السجن الإسرائيلي في فترة ولاية هداس، بصورة مختلفة قليلة. يقول هداس "لقد تعرفت إلى الرجل من ملفاته التي قرأتها، بعد الاستعانة بخدمات بجهاز الشاباك وضابط الاستخبارات في مصلحة السجون، د. يوفال بيطون، وما من شك لديّ في أن السنوار لن يستسلم قط، وأنه سيقاتل حتى الرصاصة الأخيرة. ولو وافق السنوار، أو غيره، على تسوية ما، يستسلمون بموجبها، فما من أحد سيجرؤ على مخالفة محمد الضيف، الذي يعدّ هو بوصلة القتال، والذي تُعقد لديه راية "حماس"، والذي سيرفض الاستسلام. ولو مات الرجل، فسيرغب في أن يترك خلفه مثالاً حياً، شخصية تشبه شخصية المخلّص في تاريخ الفلسطينيين، وإرثاً يتمثل في كونه هو مَن تسبب بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين".
  • بحسب هداس، يمكن تقسيم المخطوفين إلى ثلاث فئات: المواطنون المدنيون، والجنود، والعمال الأجانب. [عمّال الزراعة الذين تم استقدامهم للعمل في الكيبوتسات من تايلاند والنيبال]. وفيما يتعلق بالفئة الأخيرة، فضلاً عن طالب الزراعة التنزاني الذي خُطف أيضاً في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يقول هداس إنه في الإمكان إخراج هؤلاء من معادلة الصفقة. ويضيف "حسبما أرى، فإن حكومتَي تايلاند والنيبال لا تمارسان ضغوطاً على إسرائيل، بل على حركة ’حماس’، لإطلاق سراح مواطنيها".
  • يقول هداس: "يُعتبر إطلاق سراح المواطنين الإسرائيليين [في مقابل إطلاق سراح دفعة عشوائية من السجناء الفلسطينيين] دفعة أولى في صفقة، يمكن للسنوار تقديمها أمام شعبه على أنها إنجاز، وستظل في قبضته أوراق ضغط لكي يواصل المطالبة بتحقيق هدفه، الذي بقي على حاله، في رأيي، وهو إطلاق سراح الأسرى الأمنيين التابعين له. يمكن القول إن الرجل يمسك في يده ورقة رابحة، وهي جنودنا وجندياتنا".
  • ومع ذلك، يضيف هداس قائلاً: "لست متأكداً أصلاً مما إذا كان السنوار نفسه هو الذي يتحكم في مصائر جميع المخطوفين، وإن كان يعلم بأماكن وجودهم. كما أن هؤلاء ليسوا جميعاً أحياء بالضرورة. يعرف السنوار الحقيقة بشأن حالة معظم المخطوفين، بينما نحن لا نعلم ذلك. وهو لن يقدم لنا أي معلومات من دون مقابل".

* في رأيك، هل يجب إطلاق سراح جميع المخطوفين فوراً، وبأي ثمن؟

-  هداس: "نعم. لو كان الأمر بيدي، لفعلت ذلك اليوم. كل المخطوفين، في مقابل كل الأسرى الفلسطينيين".

  • يفترض هداس أن في إسرائيل، وفي الحكومة، مَن هم غير معنيين بالتقدم في اتجاه صفقة. "صحيح توجد كتلة كبرى من أتباع تيارَي الوسط واليسار، ستقوم بكل ما يمكن القيام به من أجل تنفيذ مطلبها لإطلاق سراح كل المخطوفين في مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الأمنيين، لكنني لست متأكداً من أن نتنياهو، بالنظر إلى مزاج قاعدته الانتخابية، قادر على اتخاذ خطوة كهذه. لم ألحظ أن نتنياهو منشغل حقاً بالبحث مع طاقم عمل يناقش بصورة معمقة ما إذا كان مع هذه الصفقة أم لا".

*   هل لك أن توضح ذلك؟

- هداس: "لن يكون الأمر سهلاً على نتنياهو في يوم الصفقة. فجميع ذكريات صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر ستثار، وستتم مناقشتها في وسائل الإعلام، وفي أوساط الناس، حين يتم إطلاق سراح المخطوفين. سيكون الأمر بمثابة عودة إلى صدمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر من جديد. وسنسمع بكاءً مريراً، وغضباً لا يلوى على شيء، ومن شأن الأمر أن يضر نتنياهو جداً، من الناحية السياسية. تقديراتي تقول إنه يخشى من النتيجة السياسية المترتبة على إطلاق سراح المخطوفين".

*   هناك ادعاءات تقول إن إطلاق سراح المخطوفين، وعقد هدنة إنسانية تستمر بضعة أيام، سيضران بقدرة الجيش الإسرائيلي على مواصلة القتال، فما رأيك؟

- هداس: "بل العكس تماماً. إن إطلاق سراح المخطوفين يمثل خطوة تحمل معنى عملانياً. إذ إنه سيساعد على إزالة هذا الموضوع، هذا الاعتبار الثقيل الذي يضع قيوداً على أداء الجيش الإسرائيلي في القتال داخل قطاع غزة. بعدها، سيكون في إمكان الجيش العمل بعدوانية أكثر. وحتى لو استمرت الهدنة على مدار شهرين، وحتى لو خرجنا من قطاع غزة، فسيكون في إمكاننا دائماً العودة إلى هناك، ومواصلة القتال".

 

المزيد ضمن العدد