نتنياهو تجاهل التحذيرات بشأن الخطر الكامن في الحدود والضفة، هو المسؤول الأساسي عن الكارثة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • تشكل الوثائق التحذيرية التي أرسلها رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال تامير ساعر، خلال شهرَي آذار/مارس وتموز/يوليو، الدليل الأكثر حسماً بشأن مسؤولية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن الكارثة التي ضربت إسرائيل يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. ساعر يحذّر نتنياهو في الوثائق، التي نشر حاييم ليفنسون محتوياتها أول أمس في "هآرتس"، من أن أعداء إسرائيل - إيران، وحزب الله، و"حماس" والجهاد الإسلامي- يشخّصون ضعفاً إسرائيلياً وضرراً في الردع؛ وذلك بسبب الأزمة الداخلية العميقة التي تتعمق أكثر. ولذلك، هناك احتمال كبير لـ"عاصفة مثالية"، وتصعيد أمني.
  • ولأنه لا يزال يرتدي الملابس العسكرية، فإن ساعر لا يستطيع التطرق مباشرةً إلى الانقلاب الدستوري الذي بادر إليه نتنياهو ووزير القضاء ياريف ليفين - وأدى إلى أزمة داخلية عميقة في إسرائيل. لكنه تحدث بصراحة عن "الصورة السلبية الاستثنائية لبعض أعضاء الحكومة في الساحة الدولية"، وهي إشارة واضحة إلى الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير؛ وأشار أيضاً إلى "تآكل الديمقراطية والنظام القضائي الإسرائيلي"، كعوامل تُلحق الضرر بمكانة إسرائيل الدولية.
  • نتنياهو تجاهل التحذيرات الخطِرة التي أُرسلت إليه قبل التصويت على قوانين الانقلاب في الكنيست. وبدلاً من تجهيز الدولة لـ"العاصفة المثالية" التي حذّرت منها شعبة الاستخبارات المركزية، أعلن أنه قرر إقالة وزير الأمن يوآف غالانت في نهاية آذار/مارس، لأنه عبّر عن هذه التحذيرات علناً. حينها، تم تجميد الإقالة والمسار التشريعي بسبب الاحتجاجات في الشوارع، إلا إن نتنياهو لم يكن معنياً بمنع الخطر الذي حذّر منه غالانت. وبدلاً من ترك كل شيء والتأكد من أن الجيش جاهز لاستباق الأمور السيئة، فإن نتنياهو أذلّ قائد هيئة الأركان هرتسي هليفي، الذي طلب لقاءه قبل التصويت النهائي في الكنيست على "حجة المعقولية" في تموز/يوليو - ورفض مطالبة غالانت بتأجيل التصويت. الخطر القادم من الحدود والضفة لم يكن مهماً بالنسبة إلى نتنياهو. لقد ركز على تحطيم الديمقراطية الإسرائيلية، ومأسسة مكانته كحاكم أعلى، وتحويل الموارد للحريديم والمستوطنات.
  • نتنياهو يُنكر مسؤوليته عن الكارثة، بادّعاء أن شعبة الاستخبارات العسكرية و"الشاباك" لم يحذّراه من هجوم محدد تقوم به "حماس" في الوقت والمكان اللذين حدث فيهما. لا شك في أن الاستخبارات التي كانت دقيقة في تحذيراتها الاستراتيجية فشلت في فهم الإشارات التي تمت رؤيتها في غزة. ليس فقط أن وحدة المراقبة حذّرت مما يحدث وراء السياج، بل أيضاً تجاهلتها المستويات الأعلى، فمراسلا "الواشنطن بوست" ستيف هندريكس وحازم بلوشة، وصفا في تقرير لهما يوم 21 أيلول/سبتمبر، قبل أسبوعين من الهجوم، تدريبات "حماس" والجهاد الإسلامي على إطلاق قذائف، وخطف جنود، و"هجوم على البلدات". تدريبات تمت تغطيتها في الإعلام في غزة، إلا إن أحداً لم يقرأ عنها في إسرائيل.
  • يبدو من وثائق التحذير أن هناك أزمة في الرؤية الاستراتيجية لدى شعبة الاستخبارات - التي تركز على الأعداء الأقوياء، حزب الله وإيران، وتتطرق إلى الفلسطينيين في الضفة وغزة على أنهم يشكلون خطراً أقل بالنسبة إلى إسرائيل. لا شك في أن القوة العسكرية ومنظومات الصواريخ التابعة لـ"حماس" والجهاد الإسلامي كانت أضعف كثيراً مما لدى حزب الله، ولدى إسرائيل قدرة أكبر كثيراً على إلحاق الضرر بالفلسطينيين، نسبةً إلى عملية إسرائيلية ضد إيران البعيدة. إلا إن لدى الفلسطينيين ميولاً أكبر للمخاطرة - كما بات واضحاً بعد عشرات المواجهات معهم - وأكثر شرعيةً، داخلياً ودولياً، لضرب إسرائيل، مما لدى إيران أو لبنان.
  • شعبة الاستخبارات العسكرية أيضاً لم تولِ أهمية للاستفزازات التي تقوم بها حكومة "اليمين بالكامل" حيال الفلسطينيين. وهو ما انعكس في توسيع المستوطنات، والمقاطعة السياسية للسلطة الفلسطينية وارتفاع أعداد اليهود الذين يدخلون إلى حرم المسجد الأقصى - الذي يشكل منذ مئة عام، مبرراً للعنف الفلسطيني. وخلال الإحاطات منذ بداية الحرب، والتي تستند إلى التحقيقات مع أسرى "حماس"، قال رجال الاستخبارات في إسرائيل إن يحيى السنوار بدأ بالتخطيط "للمذبحة" بعد أحداث "حارس الأسوار" في ربيع 2021. حينها، اقتحم أفراد الشرطة البلدة القديمة والمسجد الأقصى. وليس اعتباطاً تمت تسمية الحملة التي قامت بها "حماس" بـ"طوفان الأقصى" - بالضبط مثل "انتفاضة الأقصى" التي اندلعت في صيف سنة 2000، بعد أن قام زعيم المعارضة، حينها، أريئيل شارون، بالدخول إلى حرم المسجد الأقصى. ووصل الاستفزاز والاستهتار إلى القمة عندما أكد نتنياهو نيته التوصل إلى سلام مع السعودية، من دون مفاوضات مع الفلسطينيين، وهو ما كان يبدو أنه دعوة إلى المواجهة.
  • لكن على الرغم من الفجوات في تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، وأخطاء الاستخبارات في تحليل خطة السنوار وتدريبات "حماس"، فإن نتنياهو هو المسؤول الأساسي عن سوء استعداد إسرائيل لمواجهة كارثة 7 تشرين الأول أكتوبر. لقد تجاهل التحذيرات بشأن التصعيد، ولم يفحص جاهزية الجيش - ودفع الفلسطينيين بكل قوة إلى المواجهة. هذه هي بنود الاتهام الموجهة إليه.
 

المزيد ضمن العدد