صفقة تبادُل الأسرى إنجاز أميركي، وبعدها ستكون المعضلة الصعبة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • لا يزال من المبكر التقدير ما إذا كان 7 تشرين الأول/أكتوبر حدثاً استراتيجياً، في نظر الولايات المتحدة، أم مجرد تحوُّل تكتيكي يستوجب الحسم الدبلوماسي وتغيير سلّم الأولويات. لكن ليس من المبكر الاستنتاج أن الولايات المتحدة لا ترى في الحرب على غزة جولة أُخرى محلية، عنيفة وتراجيدية أكثر من سابقاتها.
  • حتى 6 تشرين الأول/أكتوبر، كانت الولايات المتحدة في مسار انسحاب مقصود ومخطَّط له من الشرق الأوسط. هذا المسار التدريجي بدأ منذ نحو 30 عاماً، ويستند إلى 4 أساسات استراتيجية تطورت: تفكُّك الاتحاد السوفياتي الذي كان وقفه هو المصلحة العليا للولايات المتحدة منذ سنة 1945؛ استقلال في مجال الطاقة، بما معناه عدم الاعتماد على نفط الشرق الأوسط؛ تعب ودموية كبيرة وإحباط دبلوماسي جرّاء التدخلات العسكرية في المنطقة، مثل أفغانستان والعراق؛ ونقل استراتيجية مركز ثقل المصالح الخاصة بالولايات المتحدة إلى منطقة المحيط الهادي- الهندي، وما رافق ذلك من إسقاطات سياسية- عسكرية، بما معناه أن الولايات المتحدة تنظر إلى التحدي على أنه تعاظُم للقوة الاقتصادية والجيو - سياسية للصين.
  • إذا أضفنا إلى ذلك الإحباط والتعب جرّاء التعامل مع القضية الإسرائيلية - الفلسطينية، والقبول العملي لإيران كدولة عتبة نووية، فإنه يمكن القول إن الشرق الأوسط توقف عن كونه مركز المصالح الضرورية، في نظر الولايات المتحدة. الهدف الوحيد الذي تبقى هو الحفاظ على الاستقرار. يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، تزعزع الاستقرار من أساسه، وفي نظر مَن يصوغ السياسات الخارجية للولايات المتحدة، فإن الإسقاطات هي احتمالات واسعة أكبر كثيراً من الحرب في غزة.
  • يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، تحولت غزة إلى نقطة تحوُّل تربط ما بين إيران والتنظيمات "الإرهابية والفوضوية" التي تعمل لمصلحتها، وبين روسيا. الأميركيون رأوا أن هناك محوراً متناغماً ضد أميركا، يهدد المصالح في أوكرانيا، وينشر السلاح النووي و"الإرهاب"، ويهدد الاستقرار. لم يتم صوغ الخطوط العامة بعد، لكن في نظر الأميركيين، فإن هجوم "حماس" أشار إلى محورين متناقضَين: "محور المقاومة/الإرهاب"، ويتضمن إيران وسورية وحزب الله و"حماس" والحوثيين في اليمن وروسيا؛ وفي مقابله، هناك "محور الاستقرار"، ويتضمن الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية والإمارات العربية والبحرين والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية، وبعض دول الناتو (في الأساس فرنسا وبريطانيا وألمانيا واليونان).
  • وفي الوقت الذي يمكن القول إن المحور الأول متناغم، فإن الهدف السياسي الأساسي للولايات المتحدة هو صوغ المحور المقابل. وفي هذا السياق، يجب فحص المعضلات الأميركية إزاء صفقة تبادُل الأسرى ووقف إطلاق النار المرافق لها. بما معناه، صفقة تبادُل، وإلى جانبها وقف إطلاق النار - حتى لو كان محدوداً من حيث الوقت- هما إنجاز في نظر الولايات المتحدة. وفي حال صمدت الهدنة أربعة أيام فقط، بحسب الاتفاق، فإن الولايات المتحدة ستعتبر أنها لم تحقق شيئاً. وفي حال تطور بعدها نمط متكرر من حالات وقف إطلاق النار التي يجري خلالها التفاوض، فإن المعنى الجيو - سياسي هو تعادُل - عدم وجود انتصار سياسي أو عسكري إسرائيلي واضح.
  • الولايات المتحدة تتحدث عن عدم جدوى العودة إلى "الوضع القائم الذي سبق" - بما معناه واقع 6 تشرين الأول/أكتوبر. لكنها، طبعاً، تفهم أن العودة إلى الوضع السياسي القائم، عبر سلسلة من الهدن، تعني العودة بالضبط إلى الوضع السياسي القائم، حتى لو كانت إسرائيل قد ألحقت الضرر الكبير بقدرات "حماس" العسكرية. الواقع مركّب كثيراً، وهذا الإنجاز تكتيكي فقط. وبعد 4 أو 5 أيام، ستعود الولايات المتحدة إلى ذات المعضلات والإحباطات التي كانت موجودة خلال الشهر ونصف الشهر الماضيَين.
  • الرئيس بايدن والمقربون منه يدفعون ويضغطون منذ 5 أسابيع للتوصل إلى صفقة كهذه، ومن الواضح للولايات المتحدة أن هناك فجوة كبيرة بين إسرائيل و"حماس" إزاء كل ما يخص تعريف مصطلح "الانتصار". ففي نظر إسرائيل، الانتصار معناه "تفكيك"، أو "إبادة" "حماس"؛ أما في نظر "حماس"، فإن الانتصار معناه القدرة على الوقوف على الأقدام، ورفع العلم، وإدارة مفاوضات مستمرة حقيقية، أو "كاذبة ومتوحشة"، بشأن الرهائن الذين لم يتم تحريرهم هذه المرة.
  • وقف إطلاق النار في إطار صفقة تبادُل بين إسرائيل و"حماس"، سيسلط الضوء على معضلة عميقة في سياسة الولايات المتحدة، تضعها أمام معضلات سياسية واستراتيجية.
  • أولاً، الولايات المتحدة هي مَن دفعت - أكثر من إسرائيل - إلى صفقة تحرير رهائن مع "حماس"، على الرغم من أن الولايات المتحدة قالت، علناً، إنها تعارض "وقف إطلاق نار شامل"، بادّعاء أن وقف إطلاق للنار كهذا سيترك "حماس" ولديها قدرات عسكرية وسلطوية غير مقبولة، وطالبت فقط بـ"هدن إنسانية"، وسيكون من الصعب عليها تبرير تجديد القتال إذا كان أمامها إمكان لصفقة إضافية.
  • ثانياً، قضية التصعيد. منذ بداية الحرب، عرّفت الولايات المتحدة أهدافها الاستراتيجية، كمنع التصعيد الأفقي - بما معناه، توسيع الحرب إلى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وحزب الله وخلفه إيران. وفي نظر الولايات المتحدة، فإن وقف إطلاق النار لا يُعتبر تحقيقاً لهذا الهدف، لأن خطر التصعيد لم يمر بعد. وعموماً، فإن تجديد القتال بعد 4 أو 5 أيام، حيث الهدف واضح، ويتم التعامل مع الولايات المتحدة على أنها تدعم ذلك، يمكن أن يرفع من احتمالات التصعيد، في الوقت الذي سيتم التعامل معها على أنها شريكة كاملة للخطوة. هذا الدعم من الولايات المتحدة يمكن أيضاً أن يزيد في الضغوط السياسية على الرئيس بايدن من الحلفاء في العالم العربي وأوروبا وآسيا، وأيضاً في الساحة الداخلية.
  • في حالة كهذه، فإن السؤال سيتحول إلى "ما الهدف؟"، وسيكون نقدياً، وأيضاً من دون ثقة، ليس فقط بإسرائيل، بل في الولايات المتحدة أيضاً. تجديد الحرب بشكل رسمي بعد 96 ساعة، سيتعامل معه حزب الله وإيران على أنه إثبات واضح أن الولايات المتحدة شريكة كاملة في تفكيك "حماس"، عسكرياً وسياسياً. وهو ما يمكن أن يدفع إلى تصعيد يتماشى مع الهجمات ضد الولايات المتحدة من ميليشيات وتنظيمات تابعة لإيران في سورية والعراق خلال الأيام الماضية.
  • ثانياً، إذا عارضت الولايات المتحدة تجديد الحرب، فكيف سيتماشى هذا مع موقفها أنه لا يجب السماح باستمرار حُكم "حماس" في غزة؟ وثالثاً، إذا كانت الولايات المتحدة تحاول صوغ محور استقرار، فكيف يمكنها الاستمرار في دعم إسرائيل، في مقابل مصر والأردن والسعودية؟
  • المعضلة المركزية الموجودة أمام الأميركيين تتطرق إلى مجرد وجود الحرب في القطاع، وتتطلب الحسم بين استمرار القتال - وهو المطلوب لنزع القدرات السلطوية والعسكرية - وبين زيادة احتمالات التصعيد الواسع الذي يمكن أن يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل المباشر.
  • إلا إن المعضلة الاستراتيجية تتطرق إلى "اليوم التالي" وصوغ "محور الاستقرار" هذا. في هذه المرحلة، فإن وقف القتال، أو تجديده خلال وجود إسرائيل في غزة، لا يساهم في توضيح الأمور، كما أن إمكانات المناورة لدى الولايات المتحدة قليلة جداً.
 

المزيد ضمن العدد