• الأحداث خلال الأسبوع الماضي: ما طُرح على أنه صفقة تمت، وصولاً إلى الصعوبات التي تم الكشف عنها في الدقيقة الـ90 في الميدان، يشيران إلى أن غير المتوقع هو المتوقع في قطاع غزة. ما كان يبدو أنه تم في التفاهمات المركزية بين إسرائيل و"حماس" - حتى حين كان القطريون والمصريون والأميركيون متفائلين جداً- لم يكن كذلك، فلا شيء متفق عليه بشكل تام حتى يُتفق عليه بشكل تام.
• كما يقال، تكمن الأهمية في التفاصيل الصغيرة، وبصورة خاصة عندما تريد "حماس" إدارة معركة نفسية صعبة على حساب الأطفال والنساء الرهائن في غزة وعائلاتهم، وذلك نابع من فهم تأثير النقاش الداخلي في داخل إسرائيل.

• التوقع أن إدارة وتحقيق صفقة تحرير الرهائن خلال الحرب، ستتم عبر جدول زمني محدد، كساعة سويسرية، يشبه التجاهل المطلق لطبيعة العدو "الحمساوي" في الطرف الآخر، الذي يعتبر أن الأطفال والنساء الذين سيتحررون سلاح نفسي وأداة مركزية لكسب الوقت، إذ يمكن أن تتوسع الحرب إلى جنوب وادي غزة.
• يجب تقسيم المؤتمر الصحافي الذي شارك فيه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت والوزير بني غانتس إلى جزأين. في الجزء الأول، تقف قيادات الحرب السياسية، بشكل طبيعي، وتنظر إلى الكاميرا، وإلى الجمهور في إسرائيل، وعائلات المخطوفين. هؤلاء الذين سيعودون في إطار الاتفاق، وأولئك الذين لا تزال الطريق طويلة لتحريرهم. ثم الالتزام باستمرار القتال بعد الهدنة، والمعضلات الصعبة التي كانت أمامهم في الحسم وقبول الاتفاق، وطرح الإشكاليات ونقاط الضعف التي تظهر، والتعامل مع المعضلات الأخلاقية والعملياتية الصعبة التي تستحق النقاش، وخصوصاً أن هذا الموضوع موجود في صلب النقاش الشرعي الداخلي في المجتمع الإسرائيلي.
• أما الجزء الثاني فهو الأقل وضوحاً والأكثر إشكاليةً في المؤتمر الصحافي، وبصورة خاصة بسبب خبرة القيادات الثلاث في المجالَين العملياتي والسياسي، فهو درجة الوضوح التي طُرحت بها الصفقة كحقيقة منتهية، وهو ما وصل إلى حد قيام جهات سياسية بتزويد الإعلام بالجدول الزمني والمواعيد الدقيقة ليوم الخميس صباحاً.

• لا أعلم في الحقيقة، ما إذا كانت "حماس" تراجعت خطوة واحدة إلى الوراء، وقررت إبراز عضلاتها، بعد تهديد رئيس الحكومة لقياداتها في الخارج. في جميع الأحوال، فإن الحديث يدور حول تهديد غير ضروري في مؤتمر كهذا، الهدف منه أساساً هو جمهور المشاهدين الإسرائيلي، أكثر مما هو قيادات "حماس" التي تعلم حجم التهديدات لها، بطبيعة الحال.
• وأكثر من هذا التهديد، يمكن الافتراض أن هناك سبباً أكثر أهمية، وهو أنه فعلاً كانت لا تزال هناك تفاصيل مهمة ترتبط بقائمة المحرّرين، أو تفاصيل تبدو صغيرة، لكنها مهمة جداً إزاء كل ما يتعلق بالتفاهمات التقنية والشكل الذي سيتم في إطاره تطبيق وقف إطلاق النار، تكتيكياً، في الميدان. في هذه القضية، كان هناك فجوات بين كيفية تحليل "حماس" للإسقاطات العملياتية لوقف إطلاق النار، وبين تحليل القيادات لدينا، وترجمته إلى توجيهات تُصدرها قيادة الأركان إلى الجنود في الميدان.
• في المؤتمر ذاته، كان سيكون من الأفضل للمسؤولين أن يتركوا مكاناً للشك، وأن يحذّروا من أن الأمور لم تتم بعد، حتى يتم فحصها على أرض الواقع، وبذلك لا يُترك لـ"حماس" ملعب مفتوح لتستمر في الحرب النفسية التي تديرها.

أيام صعبة

• صباح اليوم، الجمعة، ستتضح الصورة، ونعرف هذه المرة جدول المواعيد الذي طرحه القطريون، وسيُفحص على أرض الواقع، وما إذا كانت "حماس" ستوقف القتال. وبعد اعتقال مدير مستشفى الشفاء وأخذه إلى التحقيق لدى "الشاباك"، يمكن الافتراض أن إسرائيل ستطالب بإغلاق ملف مستشفى الشفاء، بعد تفكيك الأنفاق التي تم الكشف عنها، حيث المستشفى ذاته ليس هدفاً للهدم.

• تم الكشف عن كثير من الأدوات القتالية في المستشفى، وفتحات الأنفاق، وعن جثتَي الجنديتين نوعا مرتسيانو ويهوديت فايس، اللتين قُتلتا في منطقة المستشفى، وتم إيجادهما إلى جانب أدوات أُخرى تابعة للمخطوفين الإسرائيليين الذين تم جلبهم إلى هنا - بدءاً من الأدوات القتالية التابعة للجنود، ووصولاً إلى الملابس المدنية، كالصندل وحقيبة شخصية صغيرة كُتب عليها "60 عاماً على كيبوتس بئيري".
• لا يترك النفق المحفور تحت المستشفى والغرف الموجودة فيه، مكاناً للشك في أن "حماس" استعملت المستشفى كـ"قاعدة عسكرية"، والمرضى كدروع بشرية. طواقم الإعلام الدولية جاءت إلى المكان، ورأت كل شيء بعيونها وكاميراتها. في هذه المرحلة، مَن اختار ألّا يصدق، أو يقتنع، كيف حولت "حماس" المستشفى - الذي يخدم المدنيين المرضى والمصابين- إلى "مركز للإرهاب" وغرفة قيادة مهمة، فإنه لن يقتنع حتى لو كانت كل الحقائق أمامه بشكل واضح، فوق الأرض وتحتها.
• في جميع الأحوال، على الجيش إنهاء هذه المرحلة، والتوجه إلى مواقع أُخرى، يبدو أنه سيتوجه إليها فقط بعد انتهاء الهدنة التي يمكن أن تستمر أكثر من 4 أيام. الحكومة صادقت، عملياً، في الكابينيت على 10 أيام هدنة، بشرط أن يتم تحرير 10 مخطوفين إضافيين لإسرائيل في كل يوم.
• من الواضح أن "حماس" ستقوم بكل ما يمكن لكسب الوقت والتنظيم العسكري في شمال القطاع، لكن في الأساس، من أجل التجهيز لاستمرار عمليات الجيش مستقبلاً. من المتوقع أن نكون أمام أيام صعبة لإسرائيل، إلى جانب لحظات كبيرة من السعادة والأمل لعائلات المخطوفين الكثيرة. "حماس" ستقوم بكل ما يمكن أيضاً من أجل المعركة النفسية الصعبة، وذلك عبر فيديوهات تنشرها لتعذيب مَن بقي في الخلف، ومحاولة تعميق التوترات في المجتمع الإسرائيلي.

معضلات الجيش

• إن كنا فعلاً أمام وقف للقتال على مدار 4 أيام على الأقل، فإن الجيش يقف أمام تحدٍّ مضاعف. الأول، هو ضمان استمرار السيطرة على مدينة غزة، عبر الحفاظ على أمن قواتنا. الخطر يمكن أن يكون كامناً في جمود القوات، إذ توجد سيطرة عسكرية للجيش في أحياء كثيرة داخل مدينة غزة، حيث دار العديد من المعارك في الأيام الماضية، كالمعركة في مخيم الشاطئ، القريب جداً من مستشفى الشفاء، خلال جولتنا هناك. أصوات تبادُل إطلاق النار على الطرقات، سُمعت جيداً من مكاننا.

• التحدي الثاني ينبع من الافتراض أنه في وقت الهدنة، يمكن أن يكون هناك صدامات مع "مخربين"، وبصورة خاصة في المناطق التي فقدت "حماس" السيطرة على قواتها. لا يزال هناك خلايا "إرهابية" كثيرة تدير قتال شوارع ضد قواتنا. أمن القوات يجب أن يكون على رأس سلّم أولويات الضباط في الميدان، من أجل تفادي العودة إلى أخطاء الماضي، حين دفعنا ثمناً كبيراً عندما لم تكن الأمور واضحة تماماً.
• يمكن أن تستمر الهدنة 10 أيام في حال استمرت "حماس" في تحرير الرهائن. وكلما ازداد وقت الهدنة، كلما كان تحدي تجديد القتال أصعب. هذا ما يفهمونه جيداً في الجيش، والقيادة العسكرية موافقة على أن الهدنة يمكن أن تنتهي مع عودة نحو 100 من الرهائن الإسرائيليين إلى منازلهم، فهذا الثمن نستطيع دفعه والتصالح معه.
• هذه هي أيضاً الرسالة التي مرّرتها قيادات الجيش، وعلى رأسها قائد هيئة الأركان، هرتسي هليفي، إلى وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو: سنعرف كيف نعود إلى الهجوم وتنفيذ مهماتنا عندما يكون من الواضح لنا أنه بعد استكمال العمليات في المنطقة الشرقية لمدينة غزة، ستكون أنظارنا متجهة نحو الجنوب، حيث توجد القيادة العسكرية لـ"حماس" بشكل واضح. قيادات الجيش تقول، بوضوح، إن تجديد القتال بعد الهدنة شرط ضروري لتحقيق الهدف الذي وضعه المستوى السياسي، وهو تفكيك "حماس".
• المعركة بعيدة عن الحسم، بعد الفشل الكبير يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. الأسابيع الثلاثة الأخيرة التي قاتل خلالها الجيش براً في مدينة غزة، تمنح المستوى السياسي الثقة بقدرات سلاح البر على الوقوف أمام التحديات، بعد سنوات طويلة على وجود علامة استفهام بشأن هذه القدرات. وبشكل خاص بسبب الفشل الصعب، فإن أداء الجيش لافت في مدينة غزة. هذه ليست حرباً من دون أثمان. ارتُكِب كثير من الأخطاء في الميدان، بينها النيران الصديقة القاتلة، وحوادث دهس، وفي مواقع أُخرى، يمكن الشعور بتراجع الالتزام بالأوامر العسكرية.
• الثمن يُدفع لقاء كل خطأ. لا يوجد كثير من الجيوش الغربية القادرة على تنفيذ ما يقوم به الجيش في الحرب في شمال قطاع غزة خلال الأسابيع الماضية. ونسبياً، قام الجيش باحتلال مدينة غزة بسرعة، وعدد الإصابات لا يزال قليلاً نسبةً إلى قتال مركّب ضد عدو محصّن في أنفاق من هذا النوع.
• إلّا إن "حماس" لا تزال بعيدة جداً عن رفع العلم الأبيض. فحتى في المناطق التي تم احتلالها بشكل عملي على يد قوات الجيش، لا يزال هناك خلايا تستمر في القتال، مُحاولةً تدفيع المقاتلين ثمناً. وفي الجزء الشرقي من المدينة، وخاصة في منطقة جباليا والشجاعية، فإن "حماس" لا تزال تعمل في أطر منظمة نسبياً وهيكلية قيادية.

• وقف إطلاق النار سيؤجل نهاية القتال في شمال القطاع، ومن هنا، كما قلنا سابقاً، يمكن للجيش أن يحوّل مركز ثقل القتال إلى جنوب القطاع. وذلك عندما ينتهي من التوصل إلى إنجازات إضافية في مدينة غزة، عبر الكشف عن "بنى الإرهاب"، وتدمير الأنفاق، ومخازن السلاح والمواقع الأُخرى لتصنيع الأدوات القتالية.
• سيكون على الجيش التنازل عن أمور أُخرى. الوقت الذي يمر يلعب ضد إسرائيل. وعسكرياً، عندما يكون للجيش سيطرة عملياتية على أغلبية مناطق شمال القطاع، هذا يُعتبر إنجازاً تكتيكياً لافتاً، لكنه ليس إنجازاً كافياً أمام أهداف المعركة الكبيرة من أجل إخضاع "حماس". لتحقيق هذا، نحن بحاجة إلى مزيد من الوقت.