الهدنة يمكن أن تُمدَّد عدة أيام والجيش الإسرائيلي يستعد لاستئناف القتال
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- بعد وقف إطلاق النار، سيأتي دور القتال مجدداً. وإذا كانت الهدنة مُدِّدت 48 ساعة حتى صباح الغد، في محاولة لإنقاذ مزيد من المخطوفين من "حماس"، بواسطة المفاوضات، فإن الوقت المتبقي محدود. من المحتمل أن يجري تمديد آخر للهدنة حتى نهاية الأسبوع، إذا أقنعت "حماس" إسرائيل بأن في إمكانها إعادة مزيد من المخطوفين. في الأمس، جرى الحديث عن لقاء استثنائي في العاصمة القطرية الدوحة، بمشاركة رئيس السي آي إي ويليام بيرنز، ورئيس الموساد ديفيد برنياع، ورئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل، ومسؤولين رفيعي المستوى من الدولة المضيفة. وبدا أن الاجتماع هو محاولة لترتيب صفقة أكبر بكثير. أيضاً وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، يمكن أن يؤخر قليلاً استئناف العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة. لكن خلال أيام معدودة، وإذا لم يطرأ تغيير، ينوي الجيش الإسرائيلي العودة إلى مهاجمة القطاع بقوة، في الشمال، وفي الجنوب.
- في غضون ذلك، شهدت إسرائيل جدلاً واسعاً، على خلفية مظاهر سيطرة "حماس" فيما يتعلق بتحرير المخطوفين. لقد حرصت الحركة على إرسال عشرات المقاتلين إلى شمال القطاع بشكل استعراضي، كي تؤكد أن عملية الجيش الإسرائيلي هناك لا تردعها. وفعلاً، المقصود عملية محدودة لقوة خاصة. لقد خسرت "حماس" سيطرتها المدنية على شمال القطاع، ولديها وجود عسكري محدود في أجزاء منه. من البديهي أن يمنح وقف إطلاق النار الحركة مجالاً لالتقاط أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها من جديد. لكن قطبَي النقاش: انهيار "حماس"، واستمرار سيطرتها، لا يمثلان الوضع الحقيقي. هناك كتائب وسرايا تابعة للحركة خرجت من الخدمة الفعلية، بعد مقتل قادتها والمئات من مقاتليها. المناطق التي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي قوة برية كثيفة، انسحبت منها "حماس"، وقلّصت قتالها، وركزت على مهاجمة قواتنا من الخلف. والدمار في البيوت والبنى التحتية والمنشآت العسكرية في شمال القطاع هائل.
- لكن زعيم "حماس" يحيى السنوار، الموجود في جنوب القطاع، لم يفقد السيطرة على ما يحدث. ولا يزال تسلسُل قيادته وسيطرته على عناصره قائماً في الجنوب، وإلى حد ما في الشمال أيضاً. والدليل على ذلك نجاحه في فرض وقف إطلاق نار كامل (باستثناء بعض الحوادث التي لم يتحدث عنها الطرفان كثيراً)؛ وهو يسيطر تماماً على إدارة المفاوضات بشأن المخطوفين وعملية إطلاقهم. وعلى ما يبدو، لن يكتفي السنوار بإطلاق عدد قليل من الأسرى الفلسطينيين من نساء ومسنين وأولاد؛ من اللحظة التي سيُطلق فيها سراح المخطوفين من هذه الفئة التي جرى الاتفاق بشأنها (وبينهم نحو 30 مخطوفاً يحملون جنسية إسرائيلية، أمهات وأولاد، وبعض المرضى والجرحى). في المرحلة المقبلة، سيطالب بإطلاق مزيد من الأسرى الأمنيين، في مقابل إطلاق سراح جنود وجنديات ومزيد من المدنيين. من الصعب توقُّع تأييد الجمهور الإسرائيلي وقفاً مستمراً لإطلاق النار تجري خلاله مفاوضات من هذا النوع لمدة أشهر، في مقابل تحرير آلاف الأسرى الأمنيين.
- يبدو أنه لا يزال هناك تأييد واسع لاستنفاد العملية العسكرية وضرب قدرات "حماس". مشاهد "مذبحة" الـسابع من تشرين الأول/أكتوبر، لم تفارق أذهان الإسرائيليين. ويمكن التقدير أن أغلبية هذا الجمهور يعتقد أن الحل الوحيد هو تدمير حُكم "حماس" في القطاع. هناك أيضاً شأن سياسي، إذا قرر نتنياهو وقف الهجوم العسكري، من المحتمل أن تنهار حكومته. وهذا سيشكل إشارة إلى استئناف الاحتجاج ضده، والذي توقف مع بداية الحرب، على الرغم من مسؤوليته الأساسية عن التقصير. في المقابل، سيكون من الصعب على إسرائيل شرح موقفها في الساحة الدولية. في نظر حكومات أوروبا، جرى فتح مسار للخروج من الحرب، من خلال وقف إطلاق نار يمدَّد في كل مرة، وتجري خلاله مفاوضات بشأن المخطوفين.
- وفق هذه النظرة، يتعين على إسرائيل الاعتراف بأنها تلقت ضربة قاسية في مستهل الحرب، وتقوم بتقليص الأضرار، وألّا تسعى لإلحاق الهزيمة بـ"حماس" في حرب طويلة، يمكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية صعبة، وإلى تفشّي الأمراض، والجوع والعطش، وتكدُّس مئات الآلاف من الناس من دون مأوى. إن الاستمرار في إطلاق سراح النساء والأولاد يدل على أن هناك مَن نستطيع التحاور معه في "حماس". وأيضاً مرور الوقت يقلل من تأثير أعمال "حماس" المريعة في نظر العالم، وخصوصاً مع ظهور حجم الدمار والقتل اللذين تسببت بهما المعارك في غزة.
- هذه ليست وجهة نظر الرئيس الأميركي جو بايدن الذي ما زال حتى الآن يدعم استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية، بدءاً من اللحظة التي تتوقف فيها "حماس" عن إطلاق المخطوفين. لكن بايدن يواصل التشديد على طلبه، ضرورة تجنُّب العمليات وسط المدنيين (وخصوصاً أن الجنوب مزدحم سكانياً ومليء بالنازحين)، والامتناع بصورة مطلقة من احتلال القطاع، ومن الدخول في حرب مع حزب الله في لبنان. ولدى الرئيس الأميركي أدوات ضغط، مثل التصويت في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وتأخير تقديم المساعدة العسكرية الملحة، وأيضاً تأجيل الموافقة على رزمة مساعدة خاصة في الكونغرس بقيمة 14 مليار دولار. حتى الآن، لم تتخذ الإدارة الأميركية أي خطوة من هذا النوع، لكن إسرائيل تدرك أن خلافاً واضحاً معها، يمكن أن يكون له تداعيات.
- في الخلفية، هناك موضوع لبنان. كانت المواجهة بين حزب الله وإسرائيل هي الأعنف منذ الحرب الأخيرة في سنة 2006. وبينما لا يزال عشرات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين خارج مستوطناتهم القريبة من السياج الحدودي في الشمال، بدأ الشيعة من سكان القرى الجنوبية في لبنان بالعودة إلى منازلهم، الأمر الذي يضع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله أمام معضلة: هل يستأنف القتال في الجنوب عندما يعاود الجيش الإسرائيلي تحرُّكه في القطاع؟ في المدى الأبعد، تواجه إسرائيل مسألة استراتيجية كبيرة هي: كيف يمكن إبعاد قوة الرضوان في حزب الله عن السياج الحدودي وقتاً طويلاً، وكيف تقنع سكان الحدود الشمالية بأنهم سيكون آمنين في منازلهم؟
- في إسرائيل، لا يزال هناك جدل بشأن طبيعة العملية في جنوب القطاع، حيث تضاعف عدد المدنيين، بعد أن فرض عليهم الجيش الإسرائيلي التوجه جنوباً. ويبدو أن القرار الذي سيُتخذ خلال بضعة أيام، سيكون من أكثر القرارات مصيريةً خلال الحرب. في الجيش الإسرائيلي يعتقدون أن عملية مركزة في جنوب القطاع، تستمر أسابيع عديدة، ستؤدي إلى النتيجة المطلوبة: توجيه ضربة قاسية إلى القدرات العسكرية لـ"حماس" وقتل قيادتها الرفيعة المستوى. والسؤال، طبعاً، يتعلق بالوقت والثمن - عدد الإصابات الإسرائيلية، وأزمة إنسانية فلسطينية، وتعقيدات دولية. قد يواصل السنوار الضغط على الجرح المفتوح بشأن المخطوفين. لكن القدرة العسكرية التي ستبقى للحركة ستكون دفاعية، وستتركز على ضرب القوات المهاجمة. لقد تضررت القدرة الصاروخية للحركة كثيراً، وخطرها على وسط البلد لن يتعدى المضايقات، وليس التعرض لسقوط وابل من الصواريخ.