نتنياهو المحاصَر من بايدن ومن ائتلافه عليه حسم مستقبل القتال في القطاع
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- في الأيام المقبلة، سيكون على إسرائيل أن تقرر كيف ستستأنف القتال ضد "حماس" ومتى، مع نهاية وقف إطلاق النار القصير وتبادُل المخطوفين والأسرى. رؤساء المؤسسة الأمنية، وفقاً لتصريحاتهم، متحمسون لاستئناف مهمة سحق وتدمير وإذلال العدو في المناطق التي هوجمت في شمال قطاع غزة، وفي الجزء الجنوبي المكتظ بالسكان. الهدف العملاني هو تفكيك القوة المقاتلة في "حماس" إلى أطراف صغيرة لا تشكل خطراً على إسرائيل.
- تدل نتائج المرحلة الأولى من المعركة على أن تحقيق هذا الهدف ليس سهلاً. لقد خسرت "حماس" قادة ومقاتلين، لكنها لم تصل إلى درجة خسارة سيطرتها على قواتها، أو إظهار علامات استسلام. منظومة الأنفاق الهائلة تضررت كثيراً جزئياً. تجدُّد إطلاق النار، سيتطلب قتالاً متواصلاً في مناطق مكتظة، حيث تضاعف عدد الناس جرّاء طرد السكان من شمال القطاع، كما سيزداد الضغط الدولي من أجل وقف إطلاق النار، ويتصاعد كلما ازداد عدد القتلى من النساء والأطفال في الجانب الفلسطيني.
- وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هليفي يريدان المخاطرة وبدء المرحلة الثانية من المعركة البرية، وهما لا يريان تآكلاً في استعداد الجمهور للقتال. مشاهد "مذبحة" السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لا تزال حاضرة في وعي الإسرائيليين المستعدين لتحمُّل خسائر في الجبهة، واستمرار تعبئة الاحتياطيين ومصاعب اقتصادية في الجبهة الداخلية. لا يوجد ضغط داخلي لوقف إطلاق نار مستمر، أو للتوصل إلى تسوية مع "حماس"، كما في جولات القتال السابقة. الدعوات إلى وقف القتال تأتي بصورة أساسية من المجتمع العربي في إسرائيل، وتقوم الشرطة والنيابة العامة والمحاكم بإسكاتها بالقوة، بينما الأغلبية اليهودية معبّأة من أجل إلحاق هزيمة بـ "حماس".
- لكن إسرائيل لا تستطيع أن تقرر خطوتها وحدها. فهي تعتمد على التأييد الأميركي المتعدد الطبقات، كما يقولون في الجيش الإسرائيلي. أولاً، هناك تجديد مخزون العتاد والتعويض عن القنابل والصواريخ والقذائف الكثيرة التي أُطلقت، أو استُخدمت في القطاع. ثانياً، الردع في مواجهة إطلاق الصواريخ من مسافات بعيدة بواسطة شبكة الرادارات والإنذار المبكر المشتركة بين إسرائيل والقيادة الوسطى الأميركية. ثالثاً، ضمان حرية الملاحة لإسرائيل من مرفأ إيلات وإليه، في وجه الحصار الذي فرضه الحوثيون في اليمن، الذين يسيطرون على مضيق باب المندب على مدخل البحر الأحمر. رابعاً، من أجل ردع إيران وحزب الله عن فتح جبهات إضافية في لبنان، وربما في سورية والعراق، بواسطة حاملات الطائرات والغواصات النووية في المنطقة. خامساً، للولايات المتحدة حق استعمال الفيتو في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، ويمكنها إفشال صدور قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار، أو السماح به.
- يشارك الأميركيون، عن قُرب، في إدارة الحرب على كل المستويات. من التنسيق العملاني في غرف عمليات مشتركة، وصولاً إلى المحادثات بين الرئيس الأميركي جو بايدن وممثليه وكبار ضباطه وبين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزير غالانت ورئيس الأركان هليفي، ورؤساء الاستخبارات وسلاح الجو. في مثل هذا الوضع، إن قرار إسرائيل، إطلاق النار في الجنوب، وأيضاً توسيع القتال ضد حزب الله في الشمال، سيكون خاضعاً لموافقة أميركية، أو على الأقل، مرتبطاً بتفهّم أميركي.
- يبدو الموقف الأميركي كالتالي: بايدن سيوافق على المرحلة الثانية من المعركة في القطاع، لكن ليس على مبادرة إسرائيل إلى التصعيد في الشمال. في المقابل، سيُطلب من إسرائيل زيادة المساعدات الإنسانية للغزيين، وتقديم الخطوط العريضة لليوم التالي بعد "القضاء على حماس"، بينما السيناريو المفضل لواشنطن، هو عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، والبدء بالمفاوضات بشأن حل الدولتين. إذا استمرت إسرائيل في التهرب من مسـألة اليوم التالي، ستخضع الولايات المتحدة للضغوط الدولية والداخلية التي تدعو إلى وقف الحرب وإعلان وقف إطلاق نار دائم. وفي الخلفية، سيكون هناك إغراءات، مثل تمويل دولي لإعادة إعمار القطاع، وربما ترميم مستوطنات الغلاف التي تضررت في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وطبعاً، هناك موضوع لا يتحدث أحد عنه علناً - قبة حديدية دبلوماسية وقانونية ضد التحقيقات وملاحقة إسرائيليين في محكمة لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
- يطرح نتنياهو موقفاً معاكساً لموقف بايدن. فهو يتحدث ضد عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع، وضد أن تكون شريكة في محادثات السلام. أي تراجع عن هذا الخط سيؤدي إلى استقالة اليمين المتطرف من الائتلاف، ونهاية "حكومة اليمين بالكامل". وطبعاً، هذه النتيجة ستُفرح الإدارة الأميركية الديمقراطية في الولايات المتحدة، لكنها ستؤدي إلى سقوط نتنياهو، والدعوة إلى انتخابات مبكرة في ظل تراجُع الليكود في الاستطلاعات، ورئيس الحكومة، طبعاً، ليس متحمساً لهذا الاحتمال. لذلك، لا يكتفي نتنياهو بالجدل العلني مع واشنطن بشأن "اليوم التالي"، وفي الأمس، وعلى الرغم من جدول أعماله الضيق، استضاف إيلون ماسك، الشخصية الأميركية اليمينية المؤثرة حالياً والخصم المر لبايدن. الخوذات التي اعتمرها نتنياهو وماسك خلال الجولة التي قاما بها في كفار غزة، بدت كطبقة حماية لنتنياهو في مواجهة الضغوط المتوقعة من واشنطن، وهو يلمّح لبايدن، قبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية الحاسمة، إلى أنه إذا كان لدى بايدن حق استخدام الفيتو في الأمم المتحدة، فهو لديه تويتر (إكس حالياً)، ودعونا نرى مَن الأقوى.
- في الأيام المقبلة، سيضطر نتنياهو إلى اتخاذ قراره، إمّا السير وراء غالانت وهليفي في جولة أُخرى ضد يحيى السنوار في غزة، وتجنيد موافقة أميركية في مقابل مناقشة "اليوم التالي"؛ أو العودة إلى نهجه السابق القائم منذ أعوام طويلة، وهو تمييع القتال، عبر سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار، أو صفقات تبادُل مخطوفين، من دون أن يقوم بخطوة واحدة حيال الفلسطينيين، يمكن أن تؤدي إلى تفكيك ائتلافه وعودته إلى بيته.