صَدَقَ المتشائمون
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • حتى تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، شاعت في الخطابات السياسية والأمنية والإعلامية الإسرائيلية، فرضية تتعلق بالساحة الفلسطينية، تقلل هذه الفرضية من أهمية السردية الوطنية الفلسطينية، وافترضت أن اللاعبين الفلسطينيين يعملون انطلاقاً من مصالح عقلانية تتمثل في "الربح والخسارة". لكن، إذا كانت إسرائيل ترغب في ضمان أمنها ومستقبلها في الشرق الأوسط، فعليها تبنّي فرضية أُخرى، تعترف بأن مجمل اللاعبين الفلسطينيين المهمين اليوم، لا يوافقون على شرعية دولة يهودية ضمن أي حدود، وهم يرون أن "المخربين" أبطال قوميون، وملتزمون بتحقيق الهدف النهائي المتمثل في إزالة إسرائيل عن خريطة العالم.
  • ترى الفرضية، التي كانت سائدة حتى السبت الأسود، أنه لا ينبغي إيلاء أهمية كبيرة للسردية الوطنية الفلسطينية كما يتم التعبير عنها في الخطاب التحريضي السائد في المنهاج التعليمي الفلسطيني، والنصوص الرسمية الصادرة عن السلطة الفلسطينية، وقيام السلطة الفلسطينية بدفع الرواتب لـ "المخربين" المسجونين في إسرائيل، وفي إطلاق أسماء "بلدات فلسطينية" و"مخربين" كبار على الشوارع، والمؤسسات، والمخيمات الصيفية الفلسطينية. كما تقول هذه الفرضية إن اللاعبتين الرئيسيتين في الساحة الفلسطينية، وهما حركة "حماس" والسلطة الفلسطينية، هما جهتان عقلانيتان معنيتان، بصورة أساسية، بالحصول على الحوافز الاقتصادية، وبالتالي، يمكن شراء صمتهما بواسطة التسهيلات الاقتصادية. وتضيف الفرضية أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يعارض العنف، ويمكن أن يكون شريكاً في تسوية مستقرة ومستدامة. وتضيف أن من شأن الجهات الدولية، على غرار وكالة الأونروا لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الإسهام في الحفاظ على الهدوء في الميدان، ولذا، يجب تعزيزها.
  • كان لهذه الفرضية مؤيدون كثُر، سواء في صفوف الضباط الكبار في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، أو في أوساط كثير من الخبراء والمحللين السياسيين الذين شغلوا أستوديوهات التلفزة، وقاموا بترسيم حدود الخطاب الشرعي.

 

علينا أن نواجه الحقيقة

  • في مقابل هذه الفرضية، هناك فرضية أُخرى، يمكن لنا أن نطلق عليها تسمية "الفرضية الواقعية"، التي تأخذ على محمل الجد أقوال وأفعال الجمهور الفلسطيني وزعمائه. وتقول هذه الفرضية إن جميع اللاعبين الفلسطينيين الكبار، وضمنهم عباس وحركة "فتح"، لا يوافقون على شرعية دولة يهودية في الإقليم، ضمن أي حدود، وهم ملتزمون بتحقيق الهدف النهائي المتمثل في إزالة إسرائيل عن الخريطة، وإحلال فلسطين محلها، بحيث تمتد من البحر إلى النهر، حتى لو لم يكن هذا الهدف قابلاً للتحقيق في المدى القصير. إن هذه السردية المعنوية الفلسطينية تظهر في جميع جوانب الحياة العامة والخاصة: بدءاً من المؤسسات التعليمية في الجهاز التربوي الفلسطيني، التي تمجّد "الإرهابيين"، وتكيل لهم المديح، مروراً ببرامج التلفزة التابعة للسلطة الفلسطينية، التي تنزع عن اليهود إنسانيتهم؛ والتشبث التام بأسطورة "حق العودة"، وصولاً إلى إطلاق أسماء تمجّد قتَلة اليهود في الماضي والحاضر على الشوارع، والميادين العامة، والمخيمات الصيفية المخصصة للأطفال.
  • ترى هذه الفرضية أيضاً أن حركة "حماس" لم تتخلّ، ولو للحظة، عن عزمها على مواصلة الجهاد ضد إسرائيل، حتى لو تلقت الحركة ضربة قاصمة في أي جولة من جولات المواجهة التي سبقت الحرب، وأن معارضة عباس لـ "الإرهاب" ليست معارضة مبدئية، بل تكتيكية. يرى عباس في "الإرهاب" أحد السبل الشرعية للنضال ضد إسرائيل، إلا إنه يفترض أن أشكالاً أُخرى من "الإرهاب" تكون أقل نجاعة، في مراحل تاريخية معينة. وحتى لو ساد خلاف بين المنظمات الفلسطينية الأبرز، بشأن الوسائل المطلوبة في إطار الصراع ضد إسرائيل، في مرحلة معينة، وفيما يتعلق بمدى التشبث بقوانين الإسلام في الكيان الفلسطيني، فإن جميع هذه الجهات ملتزمة النضال ضد الصهيونية حتى تركيعها، ويشمل ذلك استخدام "الإرهاب المتوحش". بناءً على ما تقدّم، تمتنع السلطة الفلسطينية من استنكار الهجمات "الإرهابية" بصورة واضحة، في حين يبدي كثيرون من الفلسطينيين فرحهم الشديد، ويُظهرون دعمهم لحركة "حماس"، وخصوصاً بعد أن أدت الهجمة التي نفّذتها الحركة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، إلى إطلاق سراح "المخربات" و"المخربين" الصغار من السجون.
  • ترى هذه الفرضية أيضاً، أن الحوافز الاقتصادية لن تؤثر بصورة كبيرة في هذا الالتزام لدى الفلسطينيين، الكفاح ضد إسرائيل واليهود، الذي يعتمد على تصوّر ديني ممزوج بـ"اللاسامية الغربية والإسلاموية".
  • وعلى النقيض من الأصوات الصادرة عن المنظومة الأمنية الإسرائيلية، والتي تدعو إلى الحفاظ على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وتعزيزها، فإن الفرضية الواقعية تعترف بكون هذه الوكالة جهة أساسية في الحفاظ على الأسطورة الفلسطينية، حقّ عودة الفلسطينيين ومحو إسرائيل عن الخريطة. بناءً عليه، يجب النظر إلى وكالة الأونروا على أنها جهة سلبية، تزعزع الاستقرار في الإقليم، ويجب العمل على استبدالها بمنظمة تهدف إلى إيجاد تسوية لائقة للاجئين الفلسطينيين، لا أن تقوم بتخليد المشكلة.

نحو بديل من تصور حلّ الدولتين

  • ما يُمكن أن نستخلصه من الفرضية الجديدة، فيما يتعلق بالحرب الدائرة في قطاع غزة خصوصاً، والساحة الفلسطينية عموماً، واضح: فأولاً، على إسرائيل إنجاز تركيع حركة "حماس" في قطاع غزة. وثانياً، إن نقل حُكم قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، بعد انتهاء الحرب، لن يحول دون عودة نمو الخلايا "الإرهابية"، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى جولات جديدة من الحرب. وبناءً عليه، يُحظر تسليم الحكم للسلطة الفلسطينية، ما دامت لم تخضع لتغييرات في جوهرها.
  • بالإضافة إلى ذلك، فإن الحوافز الاقتصادية لن تمنع حركة "حماس" وغيرها من المنظمات "الإرهابية" الفلسطينية من مهاجمة إسرائيل. هذه الحوافز لا تشكل أداة ناجعة لحفظ الهدوء، والحؤول دون نشوب الحرب. وما ينطبق على قطاع غزة، ينطبق على الضفة الغربية أيضاً.
  • لا يمكن التوصل إلى تسوية مستدامة مع الفلسطينيين في ظل الوضع القائم الآن. لكي نتمكن من خلق فرصة لمثل هذه التسوية، علينا أن نصب جهودنا على تغيير التعليم على التحريض في أوساط الفلسطينيين، وإحلال التعليم من أجل السلام محله. في قطاع غزة، في اليوم الذي يتلو الحرب، وفي الضفة الغربية، في اليوم الذي يتلو حُكم عباس، علينا فحص تسويات مدنية وسياسية بديلة من مفهوم "دولتين لشعبين".
  • عملية التخلص من المفاهيم القديمة ليست أمراً سهلاً، ويبدو أن هناك جهات في المنظومة السياسية والأمنية الإسرائيلية تواجه مصاعب في ذلك حتى اليوم. لكن، لكي نتمكن من ترجمة الإنجازات العسكرية لحملة السيوف الحديدية، إلى تسويات تتيح لإسرائيل المحافظة على أمن مواطنيها على مر الزمن، وتحقيق السلام المستقر والمستدام في المستقبل، علينا النظر مباشرة إلى الواقع في الساحة الفلسطينية، وأن نعمل وفقاً لذلك.