إسرائيل لن تتمكن من تحقيق أهداف الحرب بالاعتماد على العمل العسكري فقط
تاريخ المقال
فصول من كتاب دليل اسرائيل
المصدر
- في هذا الوقت الذي يتوجّه الجيش الإسرائيلي منذ الآن إلى خانيونس، هناك سؤال بات يُطرح الآن، والذي أصبح أكثر مركزيةً وأهميةً من أي وقت مضى: هل في إمكان إسرائيل تحقيق أهدافها الطموحة التي وضعتها نصب عينيها، فقط من خلال العمل العسكري؟ الإجابة الواضحة عن هذا السؤال، هي كلا.
- يتوجّب على إسرائيل، منذ الآن، البدء بالتخطيط لليوم الذي يتلو الحرب. إن العملية العسكرية، مهما حققت من نجاحات، لن يمكنها خلق واقع جديد، من دون تحرُّك سياسي واسع النطاق، قادر على تغيير الواقع. من أجل تحقيق هذا الهدف، تحتاج إسرائيل إلى القدرة على إنهاء التحرك العسكري، أو أن تحقق تقدماً كبيراً خلال الفترة الزمنية الشرعية الممنوحة للعمل العسكري. إن الدخول إلى خانيونس، بعد تهجير السكان، يجب أن يكون واسع النطاق ومفاجئاً في آن معاً، من الجو والبر، لكن هذا الدخول يجب أن يتم بمسؤولية كبيرة، وفي ظل محاولة لتقليص نطاق الأذى تجاه مَن لا يريدون إيذاء الجيش.
- تحمل هذه الحرب فرصة للاستفادة من المكانة التي وصلت إليها إسرائيل، وهذه الفرصة كامنة في محاولة إقامة تسوية أمنية وسياسية جديدة على جميع الجبهات. يمكن أن يحدث هذا بالعمل مع جهات دولية، وقبالة أنظار الجمهور في إسرائيل. أمّا على صعيد المواجهة مع لبنان، يبدو أن إسرائيل تتقدم نحو مرحلة ستضطر فيها إلى استخدام قوة نارية بالتزامن مع بذل جهود سياسية. إن التسوية السياسية المقصودة، في السياق اللبناني، عليها أن تضمن تحقيق واقع يحدّ من انتشار مقاتلي حزب الله جنوبي نهر الليطاني. إلى جانب كل ما تقدم، يجب صوغ رؤية بشأن الجهة التي ستشرف على هذه المسألة، والطريقة التي ستتمكن إسرائيل من خلالها من تحقيق هذا الهدف.
- أحد أهم التحديات التي تواجه إسرائيل اليوم هي إزاء الشرعية الدولية. والتحدي ناجم عن أن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي، يمكن للدول الغربية احتواؤها، أو استيعابها. لذلك، هناك معركة تدور بالتوازي على المهلة الزمنية الممنوحة لإسرائيل للعمل على الأرض. والجهد مزدوج. من جهة، تحقيق انجازات عسكرية، لكن من جهة ثانية، الحرص على عدم إيذاء المدنيين، وهو ما يضمن استمرار الدعم الأميركي لها.
انقلاب في الجيش، انقلاب في المجتمع
- يهتمون في إسرائيل بمسألة استمرار الحرب وطول النفَس فيها طوال الوقت. ويعتقدون في الجيش أن الأمور تجري على الأرض في ظل توازُن صحيح بين محاولة تحقيق الأهداف العسكرية على الأرض، وبين وتيرة التقدم في اتجاه تحقيق هذه الأهداف. على سبيل المثال: إن ما سيتيح استمرار الأعمال القتالية في المنطقة الحضرية في خانيونس هو إجلاء السكان عنها. من ناحية أُخرى، يتحقق الجيش الإسرائيلي، طوال الوقت من كيفية مراعاة المصالح والمطالب الأميركية، من دون تعريض جنودنا للخطر على الأرض، من دون داعٍ.
- الوصول إلى قلب تحرُّكنا في قطاع غزة، هو الدخول إلى خانيونس ومحاولة القضاء على قيادة حركة "حماس". هل الأمر معقّد بسبب ضغط المجتمع الدولي؟ هو كذلك! إن الساعة تدق والوقت ينفد، لكن المدة المتاحة أيضاً تفسح لنا حيّز عمل مهماً. إن الجيش الإسرائيلي قادر على التوضيح للأميركيين ما الذي يقوم به، وكيف يقوم به.
- نقطة أُخرى يتوجب علينا مقاربتها: صمود المجتمع الإسرائيلي. ليس الجيش الإسرائيلي وحده هو مَن يحدد مدة استمرار الحرب، فهناك أيضاً الجمهور الإسرائيلي الذي يدرك أن ما قامت به حركة "حماس" في هجمتها، هو من الفظاعة بمكان، بحيث يجبرنا على بذل الجهد، ودفع الأثمان الباهظة، لكي نتمكن من تغيير الواقع. إن الجمهور الإسرائيلي هو أيضاً راغب في تحقيق واقع حياة مختلفة.
- فضلاً عمّا تقدّم، نضيف أن الجيش الإسرائيلي يأخذ في الاعتبار، فيما يتعلق بالجهد الحربي، اعتماده على المساعدات الخارجية أيضاً، وهي التي توفر لإسرائيل الموارد والذخائر والإمدادات وقطع الغيار. هذا الاعتماد مرتبط، ارتباطاً مباشراً، بالشرعية الدولية التي نحصل عليها. أمّا في المستقبل، فلعله من الواجب علينا أن نحاول تصنيع هذه القدرات، لكي نكون مستقلين، ولا نعتمد على الآخرين فيما يخص الصناعات الحربية. إن ما حصلنا عليه من إمدادات اليوم، يمثل فرصة هائلة سُنحت لإسرائيل، في المجالين التكنولوجي والصناعي، يمكننا من خلالها أن نقلص اعتمادنا على دول أُخرى في الحروب.
- كل ما تقدّم هو جزء من المرحلة التاريخية التي نمر بها، والتي يتوجب على إسرائيل، في إطارها، أن تعيد بلورة الحدود، والدفاعات الإقليمية، إلى جانب إعادة صوغ العقد الاجتماعي داخل الدولة. علينا أن نعود إلى صوغ عقد متفق بشأنه من ناحية تحمُّل الأعباء، والإسهام القائم على المساواة، في دعم المجتمع. علينا أن نخلق اقتصاداً قادراً على تحقيق الاكتفاء، بحيث ينتج لنفسه، ومن أجل نفسه، علينا أن نطور نظام تعليم تكنولوجي، وقدرات بحثية واختراعات جديدة، علينا أن نعيد إلى المعلمين مكانتهم اللائقة في المجتمع، إلخ.
- سيكون هناك مَن يحاول سحبنا إلى الانقسام الذي كان قائماً في مجتمعنا قبل تاريخ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إن الإخفاقات التي جرت في يوم "السبت الأسود"، ستُلزم الجيش إعادة بناء نفسه من جديد، وبناء نظرية عملانية وتنظيمية جديدة، كذلك في بناء القوة. كل ذلك، إلى جانب صوغ عقيدة دفاعية وهجومية جديدة. هذا التغيير قادم لا محالة في صفوف الجيش، وكلنا أمل بأن يؤثر أيضاً في المجتمع الإسرائيلي، إذا كان هذا المجتمع راغباً حقاً في الحياة.