الجيش الإسرائيلي يصل إلى خانيونس، والقتال يصل إلى أعلى ذروة منذ بداية الحملة البرية
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- قد يبدو من الغريب أن نقول التالي: إن العمليات القتالية في قطاع غزة تشتد الآن بالذات، بعد شهرين من الحرب الضروس، ويبدو أنها تجتاز عتبات مرحلة جديدة. لقد قام الجيش الإسرائيلي يوم أمس بتوسيع نطاق هجماته في جنوب قطاع غزة بصورة كبيرة، ودخل إلى مدينة خانيونس، في حين لا يزال يخوض معارك عنيفة نسبياً، وبصورة منظمة، في المعاقل الأخيرة التي لا تزال قبضة حركة "حماس" ممسكة بها في شمال القطاع. ستكتشف إسرائيل عمّا قريب ما إذا كانت قادرة فعلاً على تحقيق ضرر إضافي وكبير بالبنى التحتية العسكرية التابعة لحركة "حماس" في جنوب القطاع أيضاً، كما ستكتشف ما إذا كان مثل هذه الخطوة سيساعد على تحقيق مطامح إسرائيل بتجريد التنظيم من قدراته العسكرية والإدارية.
- وصف مسؤولون كبار في قيادة الجبهة الجنوبية الإسرائيلية، أمس، العمليات القتالية الدائرة على مدار الساعات الأربع والعشرين الماضية بأنها الأوسع والأكثر كثافةً منذ بداية التحرك البري في نهاية تشرين الأول/أكتوبر. هناك 3 فرق عسكرية مختلفة مشارِكة في الهجوم. ففي الشمال، دخلت الفرقة 162 [المؤللة] إلى مخيم جباليا للاجئين، شمال مدينة غزة، وفي موازاة ذلك، خاضت الفرقة 36 معارك في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، مستعينةً بتكثيف الهجمات التي نفّذها سلاح الجو الإسرائيلي منذ بداية الحرب، وتمكنت من قتل ما يزيد عن 100 من مقاتلي حركة "حماس".
- وعلى الرغم من مقتل قائد الكتيبة الميدانية لحركة "حماس" وعدد من قادة الكتائب التابعين له جرّاء القصف، فإن المنظمة نجحت في تجميع عدة مئات من المسلحين في الأحياء، وهؤلاء يحاولون مطاردة القوات الإسرائيلية بالضربات النارية المتتابعة. لقد قام الفلسطينيون خلال الحرب بإطلاق المئات، إن لم يكن الآلاف، من الصواريخ المضادة للدروع في اتجاه قوات الجيش الإسرائيلي، من مسافات قريبة جداً. لكن أغلبية هذه المقذوفات تم اعتراضها بواسطة منظومة "بساط الريح". ويوم أمس، أعلن الجيش الإسرائيلي مقتل 4 مقاتلين من اللواء 188 المدرّع في معارك أول أمس. 3 من هؤلاء القتلى هم أعضاء في الطاقم نفسه الذي يشغّل دبابة من طراز ميركافا 4.
- وفي موازاة ذلك، وصلت قوات إسرائيلية بسرعة شديدة إلى مدينة خانيونس، الواقعة في الجزء الجنوبي من القطاع، في وقت أقل مما تم التخطيط له. وسقط في عمليات تبادُل إطلاق النار يوم أمس، مقاتل من سلاح البر في الجيش الإسرائيلي، في حين سقط يوم أمس مقاتلان من الفرقة 162 في المعارك الدائرة في منطقة جباليا. أمّا في الجانب الفلسطيني، فقد وردت تقارير عن عمليات قصف مركّزة أوقعت العشرات من القتلى (دائماً ما تصف وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة "حماس"، جميع ضحايا القصف بأنهم مدنيون، ولا تتحدث عن عدد الذين سقطوا من التنظيم. أما في الجيش الإسرائيلي، فتسود تقديرات مختلفة بشأن القتلى من أعضاء حركة "حماس" حتى الآن؛ وأكثر التقارير تفاؤلاً، يفيد بأن عدد خسائر "حماس" بلغت حتى يوم أمس نحو 6 آلاف مقاتل).
- أما المعارك في خانيونس، فهي تدور منذ الآن في مناطق قريبة من قلب المدينة. ووردت في وسائل الإعلام العربية تقارير بشأن دبابات تتقدم في اتجاه المدينة من اتجاهَي الشرق والشمال. يُذكر أن لواءً واحداً منتشراً في خانيونس من أصل 5 ألوية تابعة لحركة "حماس"، ويشمل هذا اللواء 4 كتائب لم تتعرض للأذى تقريباً، حتى موعد الهجمة الراهنة. وتقدّر إسرائيل أن زعماء التنظيم، بقيادة يحيى السنوار، كانوا في المدينة إلى وقت ليس ببعيد.
- وُلد السنوار وزميله المقرب في قيادة حركة "حماس"، محمد الضيف، وترعرعا في مخيم اللاجئين غربي المدينة. وحتى اللحظة، لم تحاول إسرائيل تهجير السكان المدنيين من المخيم. وفي المقابل، دعت قيادة الجبهة الجنوبية السكان إلى إخلاء جزء من الأحياء الواقعة في المشارف الشمالية والشرقية، والانتقال إلى مناطق قريبة، تصفها بأنها "أكثر أمناً". يتم الانتقال بصورة أساسية إلى منطقة رفح. ومنطقة المواصي، المنطقة الزراعية المفتوحة الواقعة في الشريط الساحلي بين خانيونس ورفح (في الموقع القريب من أطلال غوش قطيف، التي كانت موجودة حتى سنة 2005، وهي منطقة غير كثيفة سكانياً). تبدو استجابة السكان الفلسطينيين جزئية، مقارنةً بعمليات الإخلاء الواسعة النطاق من شمال القطاع. يرتبط الأمر بكون كثيرين من هؤلاء أصبحوا لاجئين فعلاً، وهم ممن جرى تهجيرهم بسبب التحذيرات الإسرائيلية، من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، قبل نحو شهر. إن الأزمة الإنسانية في جنوب قطاع غزة خطِرة جداً، على الرغم من ارتفاع أعداد شاحنات الإغاثة، بناءً على طلب الولايات المتحدة من إسرائيل.
- في الفترة المقبلة، من المفترض أن يستكمل الجيش الإسرائيلي معظم عملياته الهجومية في شمال قطاع غزة. في هذه النقطة، سيتعين على الجيش اتخاذ قراره بشأن تكثيف هجومه على خانيونس ورفد القتال بقوات إضافية. وفي الوقت نفسه، يُجري الجيش الإسرائيلي استعداداته للشروع في تسريح جزء من قوات الاحتياط في القطاع خلال الفترة القريبة. لقد جرى عقد النية لإخراج بعض الوحدات لكي تنال قسطاً من الراحة، واستبدالها بقوات أُخرى كانت حتى اللحظة تُستخدم كاحتياط في الجنوب، لكنها لم تُستخدم في الأعمال القتالية داخل قطاع غزة نفسه.
- هذا الإجراء واجب وضروري، مبدئياً، للبدء بتخفيف العبء على مقاتلي الاحتياط، بعد شهرين شديدَي الاستثنائية من الخدمة في الأعمال القتالية. لكن الجيش الإسرائيلي، كالمعتاد، يُدار بطريقة غير منظّمة. ابتداءً من الأسبوع الماضي، تم تسريح جنود الاحتياط من الوحدات التي لم تدخل إلى قطاع غزة بعد، وتوقّع هؤلاء أن ينالوا فترة راحة طويلة نسبياً. أما الآن، فقامت هيئة الأركان بتغيير مخططاتها، وبناءً عليه، ستعاني جرّاء الارتباك وتشويش المخططات الشخصية لآلاف من الاحتياطيين الذين يتلقون توجيهات متناقضة، بذريعة أننا "نعيش حرباً الآن". يشير مثل هذا الأمر أيضاً إلى انعدام فهم القيادة العليا للجيش، المكونة من ضباط نظاميين، للمصاعب المتعلقة بخدمة الاحتياطيين في أوقات الحرب.
- بدا واضحاً حجم الضرر اللاحق بسلسلة القيادة والسيطرة في بعض وحدات حركة "حماس" في شمال قطاع غزة يوم أمس، وذلك من خلال صورة قام الجيش الإسرائيلي بنشرها، بعد أن حصل عليها خلال غارة نفّذتها وحداته على أحد مواقع حركة "حماس" القيادية. يظهر في الصورة قائد لواء "حماس" في الشمال، أحمد الغندور، وإلى جانبه 11 من قادة أركانه الكبار، من ضمنهم نائبه، وقادة الكتائب الذين يعملون تحت إمرته. لقد التقطت هذه المجموعة صورة لها قبل الحرب، في مكتب عسكري ضيق داخل أحد الأنفاق. 6 من الموجودين في الصورة، وعلى رأسهم الغندور، قُتلوا منذ ذلك الحين في عمليات الاغتيال التي نفّذتها القوات الإسرائيلية.
- هذه ليست صورة الوضع السائد في كافة الوحدات المقاتلة التابعة لحركة "حماس"، لكن مواصلة الأعمال القتالية تعمّق الخسائر اللاحقة بالقادة الكبار لكتائب القسّام. إن هذا الضرب الممنهج الذي تنفّذه القوات الإسرائيلية لم يصل بعد إلى مستوى السنوار وجماعته، وفعلاً، هذه واحدة من المصاعب التي تواجهها القوات الإسرائيلية. فالأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية تبذل جهوداً ميدانية واستخباراتية هائلة، بهدف واضح، هو محاولة الوصول إلى السنوار قبل انتهاء الحرب. إن الوصول إلى السنوار يخدم القيادة الإسرائيلية فيما يتعلق بتبرير تقليص مدى العمليات الهجومية وتقصير أمد الحرب، لكن من غير الواضح ما إذا كان يمكن تحقيق هذا الأمر خلال وقت قصير.
- هذا الأسبوع، يزور إسرائيل وفد يضم أعضاء من الطاقم التابع لنائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط. وكما هي الحال في زيارات سابقة لمسؤولين في الإدارة الأميركية في الفترة الأخيرة، يحاول الضيوف استيضاح ما الذي تخطط له إسرائيل، لكنهم يواجهون مصاعب، في ضوء الضبابية المقصودة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ويسود الإدارة الأميركية انطباع تشاركها فيه هيئة الأركان، أن أسباباً سياسية داخلية هي التي تقف خلف هذه الضبابية: فنتنياهو لا يدير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية بناءً على اعتبارات موضوعية، ويمتنع من مناقشة المخططات المتعلقة بـ "اليوم التالي للحرب"، مع إبداء رفضه العنيد لإفساح المجال لموطئ قدم واحد للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وذلك نتيجة ضغوط ائتلافية محضة من شركائه في اليمين المتطرف.
- صحيفة "وول ستريت جورنال"، نشرت يوم أمس تقريراً بشأن الخطة الإسرائيلية القاضية بإغراق أنفاق غزة بمياه البحر. وبحسب الصحيفة الأميركية، لقد تمكنت إسرائيل من بناء منظومة قادرة على سحب وضخ مئات آلاف الليترات من مياه البحر المتوسط، بهدف التسبب بانهيار الأنفاق. تدّعي الصحيفة أنه يمكن إغراق شبكة الأنفاق التحت أرضية الهائلة التي قامت حركة "حماس" بحفرها، خلال أسابيع معدودة.
- يبدو الأمر كما لو كان تقييماً مبالغاً فيه إلى حدّ ما، لكن من الواضح أننا بتنا نشهد، مؤخراً، بواكير الإشارات التي تُظهر إجراءات أكثر منهجية يمارسها الجيش الإسرائيلي ضد الأنفاق. وعلى الرغم من ذلك، فإن سؤالاً مهماً يعود ليُطرح بقوة، بعد الإخفاق المتمثل في مهاجمة الأنفاق الهجومية في إبّان حملة "الجرف الصامد"، قبل 9 أعوام [ما يطلق عليه الإسرائيليون "عملية خدعة مترو حماس"]. لقد قامت حركة "حماس" بحفر شبكة هائلة من الأنفاق تحت أرض قطاع غزة، تحضيراً لمواجهة محتملة على الأرض مع إسرائيل. فما الذي قامت به المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وإلى أي حد اهتم المستوى السياسي بالعثور على حل للأنفاق الدفاعية التابعة لحركة "حماس"، طوال الوقت الذي مرّ منذ ذلك الحين؟