نتنياهو والسنوار واقعان في ورطة سياسية حوّلت استمرار القتال إلى هدف بحد ذاته
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- الاتصالات بين إسرائيل و"حماس" والوسطاء المصريين والقطريين، تجري على قناتَين متوازيتَين: قناة سرية، كبار مسؤولي الاستخبارات في إسرائيل ومصر وقطر يناقشون، يومياً، تفاصيل شروط إعادة المخطوفين، وفي الوقت عينه، توجد في وسائل الإعلام مفاوضات علنية مليئة ببالونات اختبار وعرض عضلات كلامي، بالاستناد إلى كلام مشكوك في دقته.
- في الأيام الأخيرة، نشر المصريون اقتراحَين لهما علاقة بالاتصالات: الصيغة التفصيلية للاقتراح الأول، نشرتها صحيفة "الأخبار" اللبنانية، ومفادها البدء بتحرك من ثلاث مراحل. في البداية، وقف إطلاق نار يستمر بين 7 و10 أيام، يجري خلاله إطلاق نحو 40 مخطوفاً مدنياً. في المرحلة الثانية، يُطلَق سراح الجنديات الإسرائيليات، ويجري تبادُل الجثامين بين الطرفين، مع وقف إطلاق نار كامل، وخروج قوات الجيش الإسرائيلي من التجمعات السكانية. في المرحلة الثالثة، التي من المتوقع أن تستمر شهراً، يُطلَق المخطوفون كلهم، في مقابل إطلاق مزيد من الأسرى الفلسطينيين، وتنشر إسرائيل قواتها خارج القطاع. إلى جانب ذلك، تبدأ مصر وقطر والولايات المتحدة بإجراء نقاشات مع حكومة تكنوقراط فلسطينية موقتة، هي التي ستكون مسؤولة عن إدارة الضفة الغربية وغزة، بضمانات قطرية ومصرية وأميركية.
- رفضت "حماس" والجهاد الإسلامي هذا المقترح، وأصرّتا على عدم إجراء اتصالات إلّا بعد وقف كامل لإطلاق النار. وفي الأمس، نشرت رويترز، نقلاً عن مصدر مصري، أن مصر وقطر اقترحتا على قيادة "حماس" والجهاد الإسلامي في غزة التنازل عن السلطة في القطاع، لقاء وقف إطلاق نار دائم، وضمان مصر وقطر مغادرة زعماء "حماس" القطاع بسلام. وليس من الواضح ما إذا كان هذا البند موجوداً في الاقتراح السابق، أم أُضيف إليه، وفي جميع الأحوال، رفضه التنظيمان، وتمسكا بموقفهما القائل إن أي مفاوضات، من الآن فصاعداً، مشروطة بوقف إطلاق نار كامل وإطلاق سراح المخطوفين كلهم، في مقابل الأسرى الفلسطينيين كلهم، من دون التنازل عن سلطة "حماس" في غزة.
- الرد العلني الإسرائيلي، كما عبّر عنه رئيس الحكومة أمس، كان بالحدة نفسها. ستواصل إسرائيل استخدام قوة كبيرة جداً بهدف تفكيك سلطة "حماس" بصورة كاملة، انطلاقاً من فرضية العمل القائلة إن الضغط العسكري فقط، يمكن أن يدفع قدماً بإطلاق المخطوفين. في الوقت عينه، ترى إسرائيل في استمرار القتال تعبيراً عن التزامها القضاء على سلطة "حماس" في القطاع وتفكيك بناها التحتية العسكرية.
- لكن السلطة المدنية لـ"حماس" لم تعد موجودة فعلاً: المؤسسات المدنية لم تعد تعمل، وسكان القطاع أسرى في مناطق تسمى "مناطق آمنة"، لكنهم لا يشعرون مطلقاً بالأمان، وليس في إمكان "حماس" حمايتهم. ووفقاً لكلام مسؤولين رفيعي المستوى، بينهم رئيس الأركان، انتقل الجيش إلى مرحلة طويلة وشاقة من "التطهير" الدقيق، والتي من المتوقع أن تستمر شهوراً طويلة.
- لا يوجد تحديد واضح، أو معايير متفق عليها، بشأن كيفية تعريف القضاء على "حماس" عسكرياً. لكن عندما تقول إسرائيل: فقط ضغط عسكري وهجمات مكثفة وقصف عنيف، إلى جانب تقليص حجم المساعدة الإنسانية، ستجبر "حماس" على الموافقة على صفقة تبادُل جديدة، لا مفرّ من القول إن القتال تحول إلى أداة ضغط سياسي من أجل إثبات أننا مضطرون إلى استخدام القوة من أجل المخطوفين، وهو لم يعد يهدف فقط إلى تفكيك القدرات العسكرية لـ"حماس".
- الردود العلنية لكلٍّ من إسرائيل و"حماس"، تدل على أن الطرفين واقعان في مستنقع، حيث يجري تصوير استمرار القتال كهدف مستقل. في الأمس، نشرت قناة الجزيرة رسالة أرسلها يحيى السنوار إلى قادة "حماس" في الخارج، وصف فيها إنجازات الحرب، التي شملت مقتل 1600 جندي إسرائيلي، وتدمير دبابات ميركافا للجيش. لكن بعد وقت قصير، أزالت القناة الرسالة عن شاشتها.
- حتى لو كانت الرسالة مفبركة وغير صحيحة، فإن السنوار يُجري حواراً مزدوجاً: الأول، مع قيادة "حماس" في الخارج، التي يعتقد أنها تتحرك من وراء ظهره، وتخطط لـ"اليوم التالي" مع كبار المسؤولين في "فتح"، من دون مشاركته. والحوار الثاني، هو مع إسرائيل، إذ يستخدم استمرار القتال لإظهار قوته، ومن خلالها، يفرض شروطه عليها. هل هناك إمكان لإضافة بند إلى الخطة المصرية يهدد السنوار فيما يتعلق بحكومة خبراء فلسطينيين تأخذ من "حماس" السيطرة على غزة؟ هذه ليست فكرة جديدة، لقد شهدت السلطة الفلسطينية حكومة خبراء برئاسة رامي الحمد الله في سنة 2013، وحكومة التوافق الوطني بين "فتح" و"حماس" في سنة 2014.
- هذه التجربة فشلت. فصراع القوى والتآمر على منصب الرئاسة والخلافات بشأن المناصب حوّلا هذه الحكومة إلى ساحة قتال سياسي، وشلّا عملها. ربما تعطي حكومة التكنوقراط انطباعاً بأنها كيان غير سياسي، لكنها عملياً، بعيدة عن ذلك. لقد سبق أن اقترحت مصر اقتراحاً مشابهاً في تموز/ يوليو على ممثلي "فتح" و"حماس" في الاجتماع الذي عُقد في العلمين بين محمود عباس وإسماعيل هنية. والآن، يبدو أن مصر تحاول إحياء الفكرة التي جرى الاحتفاظ بها كحلّ لإدارة غزة بعد الحرب. لكن الحرب غيّرت مضمون الحوار بين "حماس" و"فتح"، وعلى الأقل، يتحدث الطرفان، علناً، عن إمكان مصالحة وحكومة وحدة، من دون توضيح بنيتها، أو تركيبتها. والفكرة الجديدة تشكل تهديداً للسنوار، لكن يمكنه أن يطمئن، لأن إسرائيل لن تسمح بتحقيقها.
- في هذه المجموعة من الاعتبارات، لا يمكن تجاهُل القوة الخانقة والإغراء السياسي الذي يفرض استمرار القتال بين "حماس" وإسرائيل. لقد جرى التعبير عن ذلك من الجانب الإسرائيلي من خلال استخدام نتنياهو تأييد جزء من عائلات المخطوفين، ومن خلال اقتباسه كلام المقاتلين في الميدان الذين "يطالبونه" بالاستمرار في القتال بأي ثمن. كأنه من دون هذه المطالبة، كان سيفكر في وقف إطلاق النار. ويبدو أن استخدام نتنياهو هذا المنطق، هو خيار خطابي، يحاول من خلاله احتواء شركائه المتطرفين في الحكومة الذين يهددون بإسقاطها، إذا وافق على وقف إطلاق النار.
- "حماس"، ولمزيد من الدقة، السنوار، واقع في ورطة مشابهة. فهو ملزم بالقتال كي يُظهر صموده، ولكبح خطة قيادة حركته خارج غزة، والتي تفحص البدائل التي تُخرجه من اللعبة. نقطة تفوّق السنوار على نتنياهو، هي أنه لا يتعرض لضغط شعبي من غزة، ولا يخرج آلاف المتظاهرين إلى الشوارع للمطالبة بتنحيته عن منصبه. مَن يعتقد أن الضغط العسكري والضائقة الرهيبة التي تتسبب بها إسرائيل في غزة، سيؤديان إلى تمرّد شعبي ضد السنوار، يجب أن يكون لديه نفس طويل جداً، أو خيال واسع.