مرّ 12 أسبوعاً، وقد ضقت ذرعاً من الادعاء بأن كل شيء على ما يرام
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- أنا محطَمة؛ لقد مرّ 12 أسبوعاً، وكل ما أريد فعله هو أن أصرخ فقط. يأتي المساء، وينتهي اليوم. أريد أن أترك الأطباق في حوض الغسيل، وألاّ أقلق بشأن العشاء اليوم أو غداً، ولا طاقة لي لنشر الغسيل، أو الشروع في البحث عمّن تساعدني هذا الأسبوع في اصطحاب الأطفال إلى فعالياتهم اللامدرسية. لا أريد أن أقضي المساء دامعة، أبكي حزناً على الضابط المحبوب الذي قُتل، أو أن أتذكر كيف تمكن هو وزوجي، خلال خدمتهما في الاحتياط، من تراسُل صور الأطفال الثلاثة الذين رأوا النور لأول مرة في هذا العالم؛ طفلتنا البكر، وطفليه التوأمين. لا أريد أن أنهض غداً في الصباح، وأبتسم أمام أطفالي، وأتظاهر بأننا على ما يرام، فنحن لسنا كذلك.
- وإنما أرغب في الصراخ، وفي أن أُخرج أفضل خيمة من مخزن المنزل، وأنفض عنها الغبار، وأنصبها أمام مبنى الكنيست. أريد أن أكون بطلة في وجه برد القدس، حيث يوجد الكنيست، ومطرها، والعنف الموجه ضد كل من يجرؤ على أن يقول كلمة مخالفة. ولو كان أطفالي فقط يعلمون ما هي الأوضاع التي ينام فيها والدهم منذ أكثر من 80 يوماً، لكنت قادرة على إقناعهم بأن النوم في خيمة كهذه يُعد نوماً رغيداً. أريد أن أصحبهم لكي نعتصم هناك، أمام الكنيست، ولا أريد أن الذهاب إلى العمل، وأريد تكريس نفسي للاحتجاج، وأن أُنزل عن كاهلي كل ما أحمله منذ ثلاثة أشهر، بقوى خارقة، وألاّ أواصل التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، فنحن لسنا على ما يرام.
- أريد أن أكون محاطة بأشخاص يؤمنون بالخير، وأن أشعر بقوة أولئك الذين يؤمنون بأن هناك خياراً آخر ممكناً. أريد أن أصرخ بأنه لا يمكننا أن نحقق النصر في مسابقة من هو الشعب المظلوم أكثر، وأن أنهض في الصباح وأؤمن، لا أن أعرف، بأن هناك أملاً في مستقبل أفضل، وأن الوضع هنا يمكن أن يكون على ما يرام، على عكس الواقع الحالي.
- أريد أن أملك القوة للاتصال بزوجة الضابط، والدة التوأمين، وأن تكون لدي الكلمات اللازمة، من أي قاموس، وأي لغة، لأتمكن من تعزيتها. أريد أن أفكر في أنني لو كنت، لا سمح الله، مكانها، لكنت أرغب في محادثة كهذه، وأنا أعرف أنني لا أملك أي كلمات قادرة على تقديم العزاء.
- أريد استقالة جماعية، لا تجنيداً جماعياً، وأن يكون الأمر الوحيد الذي يحمله المسؤولون على أكتافهم، حين يخرجون من مكاتبهم الفاخرة، هو المسؤولية، لا أن يأخذوا معهم قلماً، ولا دبّاسة أوراق، ولا حتى دبوساً. لكن إذا رغبوا في سرقة دفتر أو كراسة، فيجب أن يكون هذا الكراس هو الحساب المفتوح الذي نسجل عليه ديونهم بالدم الكثير. إنه الدم الهادف إلى خدمة العفن الذي ينمو ويتجذر في هذا البلد، والذي انكشف الآن أمام عيون الجميع، وجعل جميع الإسرائيليين عاجزين عن استخدام كلمتهم العامية الأثيرة للتحية "كل شيء سيكون على ما يرام"، لأنه صار من الواضح بالنسبة إلينا جميعاً أنه ما من شيء سيكون على ما يرام.
- لكن الآن حل المساء، وفي انتظاري حوض مليء بالأطباق، والغسالة انتهت من عملها، وعليّ أن أنشر الغسيل. وها قد نام طفلاي أخيراً، وصار البيت هادئاً، فتحدثت إلى زوجي على الجبهة، ثم بكيت، وجلست لكي أكتب، ثم بكيت أكثر قليلاً، وأطللتُ من النافذة لأحاول التأكد من مصدر الأصوات الآتية من الخارج، وأغلقت مصاريع النافذة المعدنية الثقيلة، وتأكدتُ ثلاث مرات من أن الباب محكم الإغلاق.
- سينتهي هذا النهار عما قريب، وسيكون هذا الجحيم في انتظاري غداً؛ سأوقظ الأطفال، ثم أبتسم، ثم أُعد وجبة الإفطار، وسأحضنهم وأقول لهم أنني أحبهم كثيراً، وأحاول ألاّ أفكر في التوأمين اللذين لم أرهما في حياتي، لكنني تقريباً أتذكر ميلادهما عندما أحتفل بميلاد ابنتي البكر، وسأصطحب أطفالي إلى الحضانة، وبعدها نذهب إلى المكتبة، ثم نعود لنتناول العشاء في المنزل، تماماً كما لو أن كل شيء على ما يرام، على الرغم من أنه لا شيء على ما يرام.