الحرب لم تغير شيئاً: إسرائيل لا تزال على طريق الدمار الذي رسمه نتنياهو
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • تمر الأيام والأشهر والسنوات على حُكم الرجل الواحد. العيون لا تزال مغلقة، وربما مفتوحة، لكنها لا ترى شيئاً.
  • دولة إسرائيل تمر بالفترة الأصعب والأكثر تعقيداً منذ قيامها. يبدو أن هناك يداً خفية نجحت في دفع دولة مُحبة للحياة، ديناميكية، ومذهلة، إلى حافة الهاوية. ومع ذلك، فإن اليد الخفية نفسها، يبدو أنها نجحت في وضع نظارات واقع افتراضي على عيوننا، وتمكنت من جعلنا نشاهد صورة معاكسة للواقع.
  • سنة 2023، التي انتهت أخيراً، كانت السنة الأفظع على جميع الصعد. بدأت ببناء ائتلاف فاسد، كل الهدف منه حماية رئيس الحكومة، المتهم في المحكمة. حكومة استخدمها نتنياهو وياريف ليفين لإعلان انتصارهما، حكومة يشكل فيها المتطرفون ركيزة أساسية ويتولون مناصب مركزية، كوزارتَي المالية والأمن الداخلي، بالإضافة إلى 10 وزراء غير ضروريين، وتفكيك وإعادة تركيب للوزارات في الحكومة من دون أي منطق، أو جدوى. وإلى جانب هذا كله، وضع ميزانية، الهدف منها واحد، المحافظة على الائتلاف حتى لو كان الثمن تفكيك الدولة.
  • لم يمر سوى شهرين، ليبدأ الانقلاب القضائي بقيادة نتنياهو وليفين، وتبدأ معه الفوضى. نتنياهو أطلق حملة لبثّ التفرقة، هدفها الوحيد هو هدم المجتمع في إسرائيل، وتبنّي مسيانية أحزاب اليمين والأحزاب الحريدية. ولم تساعد تحذيرات وزير الدفاع يوآف غالانت، جميعها. شهراً بعد شهر، كانت تتوالى تحذيرات أجهزة الأمن من تهديد واضح وفوري بحرب متعددة الجبهات، ولم يصغِ أحد إليها.
  • الأزمة لم تكن فقط في المجتمع الإسرائيلي، بل كان هناك أزمة لا تقل خطورة مع صديقة إسرائيل والداعمة الأكبر لها. الإدارة الأميركية، التي نظرت إلى حكومة إسرائيل بقلق متصاعد.

الالتزام تجاه إسرائيل - حتى خلال فترة الأزمة في العلاقات

  • العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة تستند إلى القيم المشتركة، قيم الديمقراطية، وإلى كون إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وإلى مكانة يهود الولايات المتحدة في المجتمع الأميركي. هذه المكانة هي الأساس الاستراتيجي الكبير الذي كان لإسرائيل في الشرق الأوسط والعالم برمته. وهي التي جعلت إسرائيل أكثر من مجرد حليفة. وشكلت قوة الولايات المتحدة درعاً في مواجهة التحركات ضد إسرائيل في الساحة الدولية، خطوات استثنائية: "فيتو" في الأمم المتحدة ومؤسساتها على مدار عشرات الأعوام، وضمانات أمنية فريدة في نوعها، تحافظ على تفوّق إسرائيل التكنولوجي، ودفاع عن إسرائيل في المؤسسات الدولية، كالوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومؤسسات حقوق الإنسان والمحاكم. أمّا على الصعيد الأمني، فيوجد بين إسرائيل والولايات المتحدة تعاون غير مسبوق، لا يشبه إلا التعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وكان طوال 20 عاماً تقريباً، بمثابة أداة ضغط كبيرة في الصراع الإسرائيلي ضد إيران، والإرهاب في العالم عموماً، وفي السياق الفلسطيني بصورة خاصة، وفي مجالات الاستخبارات والعمليات.
  • وأكثر من ذلك، فإن الاعتراف بأن إسرائيل ستحصل على السلاح والذخيرة اللازمة في وقت الأزمات، كان غير مسبوق في العلاقات الدولية. هذه العلاقات حُفظت أيضاً عندما هاجم نتنياهو، شخصياً، الرئيس الأميركي باراك أوباما. التعاون الاستخباراتي والعملياتي تخطى كل حدود الخيال.
  • عدم دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض لم يكن صدفة. الإدارة الأميركية صدمها الائتلاف الحكومي الذي أقامه نتنياهو، كونها حكومة متطرفة ذات مكونات مسيانية وعنصرية مرعبة. تصريحات وزراء الحكومة واستهتارهم بقيمة العلاقات بين الدولتين تم الرد عليها بطلب وقف الانقلاب القضائي وما يحدث في الضفة الغربية. وذلك عبر رسائل، مفادها أن مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة تصبح أسوأ بمرور كل يوم، وأن يهود الولايات المتحدة بدأوا بإظهار علامات تعبّر عن ضيقهم. وعلى الرغم من هذا كله، فإن حكومة إسرائيل لا تزال ماضية في طريقها. وعلى الرغم من جميع التحذيرات من حرب متعددة الجبهات، فإن حكومة إسرائيل ظلت نائمة.

إسرائيل تتحول إلى عائق في السياسة الإقليمية للولايات المتحدة

  • في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، تلقت إسرائيل الضربة الأثقل منذ إقامتها. جرى احتلال النقب الغربي أكثر من يومين، خلّف نحو 1200 قتيل، وآلاف المصابين، و240 مخطوفاً، و150 ألف لاجئ في بلدهم. بدأت الحرب، دفاعاً عن الوطن، لكن ليس في غزة فقط، بل على الحدود الشمالية أيضاً، وهناك جهود كبيرة تُبذل لمنع اشتعال الضفة الغربية، وتم إغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية. ومن الجيد التذكير بأن حدثاً مشابهاً جرى في سنة 1967، وكان مبرراً لاندلاع حرب الأيام الستة.
  • الأميركيون يحاولون أن يشرحوا للحكومة أنه على الرغم من الكارثة والثمن الباهظ، هناك فرصة تاريخية لدمج إسرائيل في المنظومة الإقليمية التي تريد الولايات المتحدة إقامتها، كردّ على التهديد الإيراني الروسي- الصيني في الشرق الأوسط. ويشارك في هذه المنظومة كلٌّ من الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل والإمارات وبقية الدول المعتدلة. هذه الفرصة، إذا تم تحقيقها، فيمكن أن تكون بداية حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتضمن أمن إسرائيل.
  • في هذه المرحلة، تبدو القدرة على تحقيق هذه الفرصة أمراً غير واقعي. إن دافع البقاء لدى رئيس الحكومة وتعلُّقه بالأحزاب المتطرفة لا يسمحان باستغلال هذه الفرصة. الخطر الكبير على دولة إسرائيل هو أنها، وللمرة الأولى، يمكن أن تكون في مواجهة مباشرة مع مصالح الأمن القومي الأميركي العليا. هذا السلوك غير المسؤول من حكومة إسرائيل ورئيسها، يمكن أن يؤدي إلى تهديد وجودي للدولة الصهيونية، وأيضاً ليهود الشتات.
  • الويل لنا، إذا قام البنتاغون ووزارة الخارجية الأميركية، في يوم من الأيام، بتوجيه بيان إلى الكونغرس والبيت الأبيض، وقالا فيه إن إسرائيل لم تعد رصيداً للولايات المتحدة، وتحولت إلى عبء استراتيجي! الأمور أمامنا واضحة، ومن الأفضل لنا جميعاً أن نفهم ذلك.
 

المزيد ضمن العدد