بلينكن يصل إلى الشرق الأوسط مع خطط كبيرة وحقيبة فارغة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • اقترح د. عبد العزيز الصقر، مدير مركز الخليج للدراسات، في مقال نُشر أمس، خلال تطرُّقه إلى الحرب في غزة، أن على الولايات المتحدة "معالجة المرض، وليس أعراضه"، وفي رأيه: "المرض ناجم عن عدم التوصل إلى حل للمشكلة الفلسطينية يرتكز على سلام شامل، استناداً إلى مبادرة السلام العربية". وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، المنتظر وصوله اليوم إلى إسرائيل، بعد زيارته لتركيا والأردن وقطر والإمارات، ومن المتوقع بعدها أن يزور السعودية ومصر، ليس بحاجة إلى مثل هذه النصيحة الجيدة. فهو يقوم بهذه الحملة المكثفة، بطلب من الرئيس الأميركي جو بايدن، للدفع قدماً بحل الدولتين، بحسب ما تحدث عنه الرئيس الأميركي في مقال له في "الواشنطن بوست" في تشرين الثاني/نوفمبر.
  • لكن قبل تحقيق النبوءة العظيمة التي ستؤدي إلى سلام عالمي، يتعين على بلينكن تجاوُز مسار من العقبات التي تبدو الآن صعبة للغاية. في كل مكان قصده حتى الآن، سمع بلينكن رسالة واحدة تقريباً، مفادها بأن على الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار. وليس وقفاً موقتاً وإنسانياً، مثل ذلك الذي يهدف إلى صفقة تبادُل أسرى ومخطوفين، بل وقف إطلاق نار كامل، تبدأ بعده مفاوضات سياسية. لكن المسار الذي يلاقي إجماعاً في الآراء بين زعماء دول عربية، بالإضافة إلى تركيا، يطرح سؤالَين، لا جواب عنهما لدى هؤلاء الزعماء: مفاوضات مع مَن؟ وبشأن ماذا؟
  • لقد أوضح بلينكن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لن يكون هناك أي دور لـ"حماس" في مفاوضات سياسية، وفي حل "اليوم التالي". لكنه اقترح عليه أن يكون شريكاً في دعم هيئة فلسطينية أُخرى توافق على أن تأخذ على عاتقها إدارة غزة. ووفقاً لدبلوماسي تركي تحدثت معه "هآرتس"، طلب بلينكن من أردوغان إبعاد عناصر "حماس" الموجودين في تركيا، وإقامة علاقات وثيقة مع السلطة الفلسطينية، بزعامة محمود عباس، كما بحث في استعداد تركيا لأن تكون جزءاً من ائتلاف الدول التي ستشارك في إعادة إعمار غزة بعد الحرب.
  • وبحسب المصدر التركي، سأل أردوغان بلينكن عمّا إذا كان يحمل في جعبته موافقة إسرائيلية على هيئة فلسطينية تدير القطاع؟ وإذا كانت الحال ليست كذلك، فما الذي تنوي واشنطن فعله لإجبار إسرائيل على الموافقة على مثل هذه الهيئة الفلسطينية؟ وهذا السؤال هو الذي سمعه بلينكن من نظيره الأردني أيمن الصفدي، ومن الملك عبد الله، الزعيم العربي الأكثر قلقاً في هذه الفترة، والذي خصص وقتاً طويلاً من حديثه مع بلينكن للوضع في الضفة الغربية والتخوف من سعي إسرائيل لترحيل السكان الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن.
  • ويمكن التقدير أن هذا هو السؤال الذي سمعه بلينكن خلال اجتماعه بزعماء قطر والإمارات، والذي سيسمعه في السعودية ومصر. وهذا السؤال سيكون محور المحادثات معهم. ولو كان زعماء الدول العربية يرغبون في المشاركة في إعادة إعمار غزة، فما دامت إسرائيل غير موافقة على الطريقة التي ستُدار فيها غزة، وما دامت الولايات المتحدة غير قادرة، أو لا تريد، استخدام عضلاتها في مواجهة إسرائيل، لا يوجد ما يمكن التحدث عنه.
  • وفي ضوء عدم التعاون مع الحكومة الإسرائيلية بشأن مسألة مَن يحكم غزة مستقبلاً، ورفض هذه الحكومة، علناً، النقاش في الموضوع، فإن كل ما تستطيع واشنطن القيام به هو استخدام سياسة إطفاء الحرائق. لقد أرسلت، بواسطة أصدقائها في المنطقة، تحذيرات، وحتى تهديدات، إلى إيران بمنع تدهور المواجهات بين إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة؛ وهي تستخدم قوة مدروسة، في الأساس دفاعية، في الرد على الحوثيين في البحر الأحمر؛ وتضغط على إسرائيل من أجل السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بأحجام أكبر، والتي مع ذلك، تبقى أقل بكثير من تلبية حاجات مليونَي نازح من القطاع، وهي تطالب إسرائيل بالعمل "الجاد" ضد المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين في الضفة.
  • والحصيلة من هذا كله أن الدولة الأقوى في العالم تقوم بدور الشرطي المحلي الذي يعالج كل منطقة على حدة - لبنان، غزة، البحر الأحمر - بدلاً من مواجهة المهمة الاستراتيجية التي يجب أن تقوم بها. ولهذا الأمر تداعيان سياسيان خطِران. الأول، قد يؤدي هذا إلى شعور إسرائيل بعدم الحاجة المُلحة إلى التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، ولو ظاهرياً، كما يبعد أيضاً الحاجة إلى تحديد ما الذي يُعتبر تحقيقاً لأهداف الحرب، وليس فقط شعارات، مثل "القضاء على حماس"، أو "إزالة التهديد الأمني من غلاف غزة" وشمال إسرائيل، أو إعادة المخطوفين، الهدف الذي يبدو اليوم بعيداً جداً. تعتبر الدول العربية الراغبة في التجند من أجل التوصل إلى حل، أن الولايات المتحدة منحت إسرائيل موافقة دائمة على إدارة حالة حرب دائمة تُراكم وتزيد في التهديد، وتفرض ثمناً اقتصادياً باهظاً. فضلاً عن الخوف من اندلاع ثورات مدنية يمكن أن تُزعزع استقرار أنظمتهم.
  • التداعي الثاني لذلك، له علاقة بمكانة الولايات المتحدة في المنطقة. يحذّر الصقر في مقالته "أن على واشنطن أن تدرك أنها ليست اللاعب الوحيد في المنطقة، وأن مصالحها لا تقتصر على ضمان أمن إسرائيل. وعليها المحافظة على علاقاتها مع السعودية ودول الخليج، ضمن إطار المصالح المشتركة بينهم. كما عليها أن تعرف أن دول المنطقة تعرف جيداً ما هي مصالحها، وهي قادرة على الدفاع عنها".
  • يعكس الصقر موقف الزعامة السعودية، ويوضح أن دولاً أُخرى تشارك في المنافسة الإقليمية، مثل الصين وروسيا وإيران، وكل واحدة منها تسعى لترسيخ وتعميق نفوذها الاستراتيجي في المنطقة. وسبق أن أوضحت السعودية للولايات المتحدة أنه لم يعد لها الحصرية في شبكة العلاقات بين الدولتين. الصين التي توسطت بين الرياض وطهران، نجحت في استئناف العلاقات بين الدولتين، وأصبحت لاعباً له وزن، كما أن علاقات الإمارات والسعودية وتركيا مع روسيا لم تصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، لكن هذه الدول تعلمت استخدام ذلك كورقة مساومة مع الولايات المتحدة.
  • وبينما لم تنجح واشنطن في بلورة حتى حل تكتيكي للحرب الدائرة في غزة، فإنها ترجّح كفة الإنجازات لمصلحة إيران؛ تحولت هذه الأخيرة إلى دولة محورية جوهرية بسبب سيطرتها على حزب الله، والميليشيات الشيعية في العراق، وعلى الحوثيين في اليمن. ترى دول المنطقة أنه بسبب قدرة إيران على تشكيل ائتلاف من التنظيمات التي تعمل بالتنسيق فيما بينها، فإنها قادرة على فرض سياستها على الدول التي تعمل فيها هذه التنظيمات. في المقابل، لم تنجح الولايات المتحدة، حتى الآن، في تشكيل ائتلاف لتأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر، وليس لديها المكانة التي لدى إيران بشأن كل ما له علاقة بمعالجة الجبهة اللبنانية، ووجودها في العراق مرتبط بحسن نية الحكومة العراقية المرتبطة بالزعامة الإيرانية.
  • في إطار التنافس على المكانة الإقليمية، وبالتالي الدولية، تحتاج واشنطن، أكثر فأكثر، إلى صورة نصر من إسرائيل. وحاجتها إلى هذه الصورة جعلتها تعتمد على الخطوات العسكرية والسياسية الإسرائيلية. الآن، أمام بلينكن مهمة مركزية واحدة، كبح احتمال أن يفرض هذا الاعتماد على واشنطن تدخلاً عسكرياً مباشراً في الساحة الإقليمية. ومن غير المؤكد احتواء حقيبة سفره على الحاجات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف.
 

المزيد ضمن العدد