من الكارثة إلى الرؤية: هكذا ندير بطريقة صحيحة المرحلة المقبلة من الحرب في غزة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • في هذه الأيام، يقوم الجيش بتحرير قوات الاحتياط بشكل واسع، وإعادة القوات من أطر القتال إلى أطر التأهيل، كجزء من الاستعداد للمرحلة الثالثة من الحرب في غزة، وفي أساسها الانتقال من عملية برية - جوية مكثفة، إلى معركة دقيقة أكثر، لكنها مصحوبة بخطوات اقتصادية وسياسية لزيادة الضغط على "حماس".  لتغيير العقيدة القتالية إيجابيات كثيرة، في الأساس في مجال الاقتصاد والاستراتيجيا، لكنها في الوقت نفسه، تخلق تردداً ومعضلات كثيرة داخل إسرائيل. سيكون على القيادة الحسم بين عدة توجهات بشأن شكل الخطوة، وقوتها وأهدافها.
  • منظمة Mind Israel التي أنشأتها من أجل التفكير وتقديم التوصيات إلى صنّاع القرار في موضوعات الأمن الوطني، حللت 4 بدائل ممكنة، وأوصت بخيار واحد من بين هذه البدائل، كما حللت طبيعة الجهود المتعددة الأبعاد - العسكرية والاقتصادية والسياسية - المطلوبة للدفع بأهداف إسرائيل وتحقيق أهداف الحرب.

المرحلة الثالثة من القتال: الإيجابيات لإسرائيل

  • المرحلة الثالثة من القتال، التي تم التخطيط لها مسبقاً، تخدم المصلحة الإسرائيلية، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
  • الجهد العسكري المكثف في القطاع سيستنفد نفسه قريباً، ومن أجل الامتناع من البقاء في حالة جمود، ولتقليص الخسائر، يجب الانتقال إلى حرب استنزاف فعالة ضد "حماس"، سيكون فيها لإسرائيل تفوق واضح ونفَس طويل. وأكثر من ذلك، فإن خطوة كهذه ستمنح الجيش الوقت اللازم، وأيضاً المرونة في التحضير للتعامل مع تحدّي حزب الله في الشمال، وبصورة خاصة بعد اغتيال صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت.
  • على صعيد دبلوماسي، إن اعتراف واشنطن والعالم بأن إسرائيل لن تعود إلى واقع ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وبأن الحرب في غزة لن تتوقف، وستغير شكلها فقط - هو اعتراف مهم ويعكس  شرعية واعترافاً دولياً بالحاجة إلى تفكيك "حماس". هذا بالإضافة إلى أنه يسمح لإسرائيل بالعمل على صوغ الواقع المستقبلي في غزة - الخطوة السياسية التي يجب أن تجري في موازاة الجهود لضرب "حماس" عسكرياً، ومن دونها، يمكن أن نخسر الإنجازات العسكرية في الميدان. هذه القضية مهمة، وتشكل شرطاً ضرورياً، حتى لو لم يكن الوحيد، لبذل جهود دولية وإقليمية للتعامل مع التحدي الغزي. على "حماس" أن تعلم بأن العالمَين العربي والغربي يقومان ببناء بديل من سلطتها، ويدفعان قدماً بخطة لتجنيد الشعب الفلسطيني، لا تكون "حماس" جزءاً منها.
  • اقتصادياً، إن تحرير أغلبية جنود الاحتياط سيقلص تكلفة القتال الكبيرة بشكل ملحوظ، ويسمح للاقتصاد والأسواق الضرورية، مثل التكنولوجيا العالية الدقة والتجارة، بالعودة إلى تحريك الاقتصاد من جديد.
  • أمور كلها ستسمح لإسرائيل بهامش للتحضّر استراتيجياً للتحديات الأُخرى المطروحة أمامها، والتي لا تقل أهميةً، أو تعقيداً، من تفكيك "حماس": إزالة تهديد "قوة الرضوان" عن بلدات الشمال، والتعامل مع إغلاق مسارات الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر لإسرائيل، والذي قام به الحوثيون، والتقدم في الخطة النووية الإيرانية.

المرحلة الثالثة من القتال: البدائل

  • على الرغم من الإيجابيات الواضحة للانتقال إلى المرحلة الثالثة، لا يزال من غير الواضح كيف ستؤدي إلى تحقيق أهداف الحرب الثلاثة المركزية: إعادة الرهائن، وتفكيك قدرات "حماس" العسكرية والسلطوية، وإعادة سكان الغلاف إلى منازلهم. عملياً، سيكون على المستوَيين السياسي والعسكري الحسم بين 4 بدائل للعمل: اثنان يتطرقان إلى القطاع كوحدة واحدة؛ وآخران يقسّمان القطاع بين الشمال والجنوب.

البديل (أ): نموذج خان يونس

  • بحسب هذه الطريقة، إن الانتقال إلى المرحلة الثالثة بدأ مع الانتقال من العمل العسكري الواسع جداً في الشمال، إلى تركيز الجهود العسكرية في منطقة خان يونس، ويجب الحفاظ عليه بالقوة نفسها في المدى المنظور، من أجل الحفاظ على الضغط على "حماس". صحيح أنه تم تحرير أغلبية قوات الاحتياط، إلا إن جزءاً كبيراً سيبقى إلى جانب القوات النظامية داخل القطاع حتى وقت غير معروف.

البديل (ب): الأميركي

  • الإدارة الأميركية تدفع في اتجاه معركة دقيقة، وبقوة أقل بقدر الممكن، وتتركز ضد قيادات "حماس"، يتم تنفيذها من الجو، وعبر عمليات محددة، تنفّذها القوات الخاصة. وهناك احتمال أن تدفع واشنطن في اتجاه إخراج جميع القوات من غزة إلى الخط الأخضر. هذا النمط من العمل يتماشى مع سعي الولايات المتحدة لتقليص الضرر بالمدنيين، ومشاهد الدمار، ومنع توسُّع الأزمة الإنسانية. وهذا، كأساس للدفع بسلطة مدنية فلسطينية في غزة، لا تكون تابعة لـ"حماس"، والدفع أيضاً بمشروع سياسي شامل للساحة الفلسطينية.

البديل (ج): حصار في الشمال، وقتال في الجنوب

  • مَن يتبنى هذه الرؤية يعتقد أن شمال غزة، حيث توجد سيطرة عملياتية، بعد إجلاء الأغلبية العظمى من السكان، يشكل إنجازاً لإسرائيل يمكّنها من البقاء فيه خلال حصار القطاع. هذا البديل يحفظ الإنجازات الجغرافية، ويمنع "حماس" من التمركز من جديد في المناطق التي تمت السيطرة عليها، وتحويل هذه المناطق إلى أوراق قوة إلى أن يتم "تطهيرها" من "حماس" وإعادة الرهائن وإعادة إعمار الغلاف. هذا فضلاً عن أن الخطوة ستضغط على "مخرّبي حماس" من أجل الخروج من الأنفاق، كما جرى في عدة حالات سابقاً، وستدفعهم إلى اتخاذ القرار، إمّا الموت، وإمّا الاستسلام.

البديل (د): ترميم الشمال، وقتال في الجنوب

  • هذا البديل يحاول استغلال الظروف الجيدة التي تم التوصل إليها في شمال القطاع لإعادة السكان بالتدريج، وبدء الجهود لدفع المنطقة إلى الاستقرار، وتحويلها إلى نموذج إيجابي يسمح بتجنيد المنظومتين الإقليمية والدولية في جهود الترميم ووضع الخطط للواقع المستقبلي الأفضل في جميع مناطق القطاع. إلى جانب استمرار القتال في جنوب القطاع ضد ناشطي "حماس" وبنيتها التي لم يتم تفكيكها.

الطريق إلى الأمام

  • يبدو أن البديل (ج) هو أفضل ما يتماشى مع أهداف الحرب، ذلك بأنه يمكن أن يخلق ضغطاً عسكرياً ومدنياً أكبر على "حماس"، وأن يشكل أيضاً أساساً للحوار مع المنظومتين الإقليمية والدولية، اللتين تسعيان لانسحاب قوات الجيش من القطاع وبدء الحديث عن المستقبل المأمول في غزة.
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن التحليل المعمق يكشف أن التطبيق الكامل، ومن دون تنازلات لهذا البديل، ينطوي على مخاطر على إسرائيل. الحصار المطبق على شمال القطاع، يمكن أن يُظهر أن إسرائيل تعمل بشكل مناقض للقانون الدولي، حتى إنه يمكن أن يسرّع المسارات القضائية ضدها. بالإضافة إلى أن حصار القطاع يمكن أن يواجه معارضة من الإدارة الأميركية والدول العربية المعتدلة، ويجعل جهود الدفع برؤية مشتركة لغزة، من دون "حماس"، في خطر. وأكثر من ذلك، الافتراض أن الضغط والحصار على شمال القطاع سيؤثران في "حماس" غير مؤكد، وقرار تنفيذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، الذي تجاهل إسقاطاته على السكان، تجعلنا نشك في ذلك. وفي نهاية المطاف، فإن الحصار المطبق، وجعل الظروف الإنسانية أكثر سوءاً لوقت طويل، يمكن أن يؤثر في قضية الرهائن، ويمكن أيضاً أن يجعل إسرائيل مكشوفة أكثر للضغوط الدولية التي ستفرض عليها تغيير سياساتها، قبل انكسار قيادة "حماس".
  • لذلك، نحن نقترح بديلاً يدمج بين العوامل المهمة للولايات المتحدة وبين مكونات الضغط المهمة لإسرائيل. إسرائيل تفعّل قوة قتالية منخفضة نسبياً في شمال القطاع، وتركّز على جنوبه، من دون وقف لإطلاق النار (فقط هدن لتحرير الرهائن). كما أن حصار القطاع في منطقة "وادي غزة" سيستمر، بهدف استمرار السيطرة على الجزء الشمالي، حيث سيتم إدخال المساعدات الإنسانية إليه بشكل مضبوط ومحدد، التزاماً بأوامر القانون الدولي، في الوقت الذي تكون المساعدات أكبر في الجنوب.
  • في هذه المرحلة، لا تبدأ عملية إعادة الإعمار في الشمال. خطوات إعادة الإعمار في مناطق متعددة من غزة، ستكون مرتبطة بنزع السلاح و"تطهير" المنطقة من "حماس". ومن دون هذا، سيتم خلق واقع كارثي، إذ سيستغل التنظيم، الذي جلب الدمار إلى غزة، إعادة الإعمار قبل إعادة الرهائن وإعادة ترميم الغلاف. الحديث هنا يدور حول التزام أخلاقي من إسرائيل تجاه مواطنيها.
  • عملياً، الحرب في غزة ستكون في إطار استراتيجية الاستنزاف، المستمرة والمتعددة الأبعاد، ضد "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وتدمج بين الجهود العسكرية والاقتصادية والمعركة الدبلوماسية الواسعة.
  • الجهود العسكرية ستتضمن القتال المستمر في صورة اقتحامات لمراكز القوة واغتيال القيادات العسكرية والسياسية، فضلاً عن حصار مستمر يتضمن بعداً أمنياً على طول الحدود مع غزة، وحرية حركة ضد تعاظُم القوة، وإحباط التهديدات من القطاع، بالإضافة إلى جهود مستمرة لتحرير الرهائن، وعمليات نزع السلاح وتفكيك الأنفاق في المناطق التي تم احتلالها، فضلاً عن تطوير معبر رفح، وبناء حاجز تحت الأرض على طول محور فيلاديلفيا، بالتعاون مع مصر والولايات المتحدة.
  • الجهد الاقتصادي سيتركز في معركة لتجفيف مصادر التمويل لـ"حماس" و"الجهاد"، عبر تفكيك اقتصادي، لا يسمح بعمل فروع البنوك، أو الصرافة، أو استعمال العملات الرقمية، من دون مراقبة فعالة. إسرائيل ستعمل على تشكيل ائتلاف دولي يعمل على تجفيف مصادر التمويل لـ"حماس" في العالم ومراقبة الأموال التي تتدفق على الضفة وغزة.
  • ولدعم الجهود العملياتية، سيكون على إسرائيل إدارة معركة دبلوماسية واسعة، في مركزها المبادرة والخطوات لتحرير الرهائن، واتفاق على رؤية مشتركة مع الولايات المتحدة بشأن "اليوم التالي"، بالإضافة إلى ائتلاف عربي - غربي يدفع قدماً ببدائل من "حماس"، ويخلق واقعاً محسّناً في غزة. وبدعم من الائتلاف، يمكن الدفع بخطة تغييرات في السلطة الفلسطينية في مجالات الأمن والحوكمة والتعليم، ووقف دفع مخصصات عائلات "المخربين".
  • إلى أن يتم إصلاح السلطة في الضفة، ستعمل إسرائيل مع جهات محلية في القطاع غير منتمية، لا إلى السلطة، ولا إلى "حماس". أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر يجب أن تدفع إسرائيل إلى إعادة تعريف سياساتها وعلاقتها بقطر: تفعيل ضغوط عليها، عبر الإدارة الأميركية، للدفع بصفقة تبادُل أسرى سريعة، وطرد قيادات "حماس" من أراضيها، مباشرةً بعد ذلك. الاتفاق على تمديد الوجود الأميركي العسكري في القاعدة الكبيرة في قطر، يشكل تطورات سلبية، يسحب من الولايات المتحدة أداة الضغط الأساسية لديها، وهي تقليص حجم القوات الأميركية في هذه الدولة.
  • في المحصلة، على الرغم من أن المرحلة القادمة من الحرب خطط لها الجيش منذ البداية، فإن شكلها وقوتها ومكوناتها لا تزال غير محسومة كلياً، وعلى إسرائيل صوغها. الحديث يدور حول مهمة سياسية ودبلوماسية مركّبة، لكنها ضرورية، وتتطلب تنسيقاً عميقاً مع الإدارة الأميركية، ويمكن أن تؤثر في المرحلة (ج) - اليوم التالي، الذي عليه أن يبدأ، في الموازاة الآن، ومن شأنه أن يؤدي إلى واقع محسّن في قطاع غزة في المدى الطويل.

 

 

المزيد ضمن العدد