زيارة بلينكن تثبت أن الولايات المتحدة لا تجد مَن تتحدث معه في القدس
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • طوال سنوات، كان من المؤشرات الواضحة إلى سياسة أميركية ناشطة وإحباط كبير، ازدياد وتواتُر زيارات وزراء الخارجية الأميركيين. جولات الحوار التي أجراها هنري كيسنجر، بعد حرب يوم الغفران؛ 19 زيارة قام بها وارن كريستوفر خلال ولاية بيل كلينتون، على خلفية التوصل إلى اتفاقات أوسلو؛ 16 زيارة أجراها جون كيري لتحريك العملية السلمية؛ والآن، الزيارة الخامسة لوزير الخارجية أنتوني بلينكن خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة. ثمة شك في أن بلينكن يريد مقارنة رحلاته برحلات أسلافه، لكن الظروف السياسية في إسرائيل جعلت النجاح الأميركي أمراً مستحيلاً.
  • لزيارة بلينكن الحالية أهداف مدروسة: أولاً: الاستمرار في التوصية والمطالبة بتغيير مخططات الحرب، من حرب شديدة القوة إلى حرب منخفضة القوة. هذا الهدف يستند إلى خلاصات الولايات المتحدة بأن الحرب، في إطارها الحالي، استنفدت نفسها، وأن الهدف الإسرائيلي "تفكيك حماس" غير قابل للتنفيذ، من دون احتلال فعلي للقطاع، وأنه يجب إعادة تحديد الهدف، بدلاً من التورط في حرب تمتد أعواماً، وإدارة مكلفة ومميتة لغزة؛ ثانياً: على الرغم من رفض إسرائيل النقاش في المسألة السياسية لـ"اليوم التالي للحرب"، بجدية، بلينكن لديه هدف سيزيفي، هو: الاستمرار في تحذير إسرائيل من تداعيات التجاهل؛ ثالثاً: مواصلة محاولة منع حدوث تصعيد بين إسرائيل وحزب الله. فالولايات المتحدة تتفهم حقيقة أن إسرائيل لا يمكنها، ولا يجب عليها أن تتحمل هجمات حزب الله ولعبة "على عتبة الحرب". لكنها تعتبر أن سيناريو التصعيد بين الطرفين بصورة أوسع ينطوي على احتمال حقيقي لتوريط الولايات المتحدة، المقتنعة بأن إسرائيل لا تأخذ المصالح الأميركية في حسابها، ولا تعرف حدود قوتها؛ رابعاً: تحمل الزيارة بعداً رمزياً فيما يتعلق بإسرائيل: على الرغم من جحود بنيامين نتنياهو، وعلى الرغم من عدم اعتباره حليفاً في واشنطن، وعلى الرغم من استخفافه وإفشاله كل فكرة أميركية، فإن الولايات المتحدة تواصل تأييدها لإسرائيل والانخراط لاعتبارات إقليمية.
  • وسواء كانت هذه الأهداف ممكنة التحقيق، أم أن الزيارة خطوة لا فائدة منها للإدارة، وهي مقدمة لتغيير جوهري في سياستها، فإن تشعُّب المصالح والفجوات السياسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل آخذان في الازدياد. في نهاية الأسبوع، نشرت الواشنطن بوست مقالاً تحليلياً طويلاً، نقل عن "مصادر رفيعة المستوى في الإدارة" قولها: إن لدى الإدارة الأميركية انطباعاً أن نتنياهو يسعى لإطالة أمد الحرب من دون حاجة إلى ذلك، وهو يصعّد المواجهة مع حزب الله لاعتبارات سياسية تتعلق ببقائه الشخصي، وبائتلافه. لقد كتبت النيويورك تايمز كلاماً بهذا المعنى بشأن اتساع الأزمة بين الدولتين.
  • الأزمة بين الدولتين ناجمة عن 3 أبعاد: نتنياهو؛ الحرب في غزة؛ الهندسة الجيو-سياسية المستقبلية للشرق الأوسط. على المستوى الشخصي، يعاني نتنياهو جرّاء عدم ثقة عميقة بإدارة بايدن. كما أن الولايات المتحدة لا تعتمد على نتنياهو، ولا ترى فيه حليفاً، وهي ليست مقتنعة بإدارته للحكومة والحرب، وتستغرب ما تعتبره نكراناً للجميل من جانبه، وتشكك في دوافعه، وهي مقتنعة بأن هدفه مواجهة جبهوية.
  • فيما يتعلق بحرب غزة، أيدت الولايات المتحدة إسرائيل بصورة غير مسبوقة منذ اللحظة الأولى. كما آمنت بعدالة هذه الحرب، وأيّدت خطواتها، وبررت حجمها وقوة الرد العسكري، وتجاهلت الرد العسكري الهائل لإسرائيل، طوال تشرين الأول/أكتوبر، وتشرين الثاني/نوفمبر، ومنحتها مظلة دبلوماسية دفعت ثمنها عزلةً في المجتمع الدولي، وزودتها بالعتاد العسكري بأحجام كبيرة، وتعهدت دفع 14.5 مليار دولار كمساعدة، على الرغم من استغرابها إزاء دولة تتباهى بميزانياتها وقوتها العسكرية، ولديها ميزانية عسكرية سنوية تبلغ 3.45 مليار دولار، تستجدي من أجل الحصول على آلاف القذائف والقنابل، بعد عشرة أيام من القتال.
  • على المستوى الإقليمي، تبرز الفجوة السياسية الكبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. الولايات المتحدة لا تعتبر أن ما جرى في 7 تشرين الأول/أكتوبر كارثة على إسرائيل فقط، بل نقطة تحوّل تكتونية في البنية الشرق الأوسطية. في نظرها، هناك محوران: المحور الأول بارز وفاعل، وهو "محور الفوضى والإرهاب" بقيادة إيران، بدعم من روسيا، ومشاركة سورية وحزب الله و"حماس" والحوثيين في اليمن، والميليشيات الموالية لإيران في سورية والعراق. وترى الولايات المتحدة أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، قبل عامين تقريباً، كسرت إيران عزلتها، واستأنفت برنامجها النووي الذي أوصلها إلى "دولة على عتبة النووي".
  • في موازاة ذلك، شكلت إيران وروسيا حلفاً من المنبوذين تقف وراءه الصين، التي تعتبر سياستها الخارجية "لعبة حصيلتها صفر" مع الولايات المتحدة. من ناحية ثانية، وكنقطة ثقل موازية، تحاول الولايات المتحدة بلورة "محور الاعتدال" بقيادتها، وبمشاركة إسرائيل والسعودية والأردن والسلطة الفلسطينية ومصر والإمارات وقطر. لقد شدّد بلينكن في الأمس على أن الاستقرار الإقليمي هو مصلحة عليا تعتمد عليه دولة فلسطينية مستقبلية.
  • في رأي الولايات المتحدة، المجتمع الأكثر هشاشة ورفضاً في هذه البنية هو حالياً في إسرائيل، التي يجب أن تشكل مع الولايات المتحدة دعامة لهذا المحور الذي يعكس النظرة الجيو - سياسية والرؤيا السياسية لإسرائيل بعد 50 عاماً.
  • لن يُقنع بلينكن نتنياهو بالتعاون مع الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، سيقتنع أكثر بالتقديرات التي يقرأها في واشنطن، ومفادها أنه عندما يتعلق الأمر بنتنياهو، لا يوجد مَن نتحدث معه.
 

المزيد ضمن العدد