أزمة إسرائيل الاستراتيجية في الساحة الشمالية
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
- التصعيد في الجبهة الشمالية بعد اغتيال صالح العاروري، والرد الجدي لحزب الله في نهاية الأسبوع، عشية زيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن لإسرائيل، يعزز السؤال: هل إسرائيل في الطريق إلى حرب في الشمال، أو ترتيبات سياسية؟ من الواضح أن الواقع اليوم، بعد ثلاثة أشهر على بدء الحرب، هو أننا نعيش في أزمة استراتيجية في هذه الساحة.
- حرب الاستنزاف التي تدور على طرفَي الحدود في بضعة كيلومترات، تمنح حزب الله إنجازات على صعيد الوعي، كإجلاء 70000 إسرائيلي عن بيوتهم على طول الحدود الشمالية، وإصابات، وكذلك الدمار الكبير في البلدات الحدودية.
- الجيش أيضاً حقق إنجازات تكتيكية مهمة، كقتل أكثر من 150 ناشطاً من حزب الله، بالإضافة إلى عشرات من ناشطي "الإرهاب" الفلسطينيين، وإلحاق الضرر بالبنى التابعة لـ"قوة الرضوان" على طول الحدود، والبنى التحتية في الجنوب اللبناني، وضمنها أهداف جدية، كقواعد صواريخ أرض- جو، البعيدة عشرات الكيلومترات عن الحدود. لكن، يجب القول بصدق، السلوك السياسي وقوة نيران الجيش لم ينجحا في ردع حزب الله وتغيير هذا الواقع.
- القرار الاستراتيجي الذي اتخذه الكابينيت في بداية المعركة، وبحسبه يجب تركيز الجهود في الجنوب، صحيح. إلا إن استمرار هذا القرار عدة أشهر يخلق واقعاً صعباً في الشمال، وخاصة عندما لا يكون هناك رد مناسب مقابل على التهديد الأكبر. كان على الجيش إلحاق الضرر بأملاك وبنى أكثر خلال هذه الفترة، وأن يبادر بشكل أسرع لإجلاء آلاف اللبنانيين إلى بيروت، وهو ما كان يمكن أن يشكل ضغطاً على الحكومة وحزب الله يضاف إلى الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان منذ وقت طويل.
- استراتيجياً، كان من الأفضل نقل القوات المناوِرة إلى الجبهة الشمالية قبل بضعة أسابيع، مع نهاية العمليات المكثفة في منطقة غزة. الكابينيت لم يقرر بعد بشأن أهداف الحرب في الشمال، فضلاً عن وجود حوار مع الولايات المتحدة التي تعارض التصعيد والحرب الشاملة في الشمال، ولذلك، هي تقود محاولة التوصل إلى تسويات سياسية، بحسب القرار 1701، ولو كان المسار بطيئاً.
- معنى هذه الترتيبات - انسحاب حزب الله، حسبما التزم في نهاية حرب لبنان الثانية، إلى شمال نهر الليطاني، وأن يكون الجنوب اللبناني منطقة منزوعة السلاح من دون وجود عسكري لقوات حزب الله، وتحت سيطرة قوات دولية. وبالمناسبة، كان حزب الله شريكاً في هذا القرار، ووافق عليه بالكامل.
ما هي أدوات الضغط على حزب الله للتوصل إلى ترتيبات سياسية؟
- أولاً، جاهزية وتهديد عسكري جدي موثوق به على الحدود الشمالية، ويتضمن رسالة واضحة من القيادة الإسرائيلية بأنها لا تتخوف من المواجهة.
- تسهيلات اقتصادية من فرنسا والولايات المتحدة للدولة اللبنانية التي تنهار اقتصادياً.
- محاولة ترتيب الخلافات بشأن خط الحدود، إلى جانب انسحاب حزب الله؛ 13 نقطة خلافية على الحدود منذ انسحاب الجيش في أيار/مايو 2000.
- ترتيبات جديدة بشأن الجزء الشمالي من قرية الغجر.
- الأصوات الكثيرة في لبنان، وضمنها من الطائفة الشيعية، والتي تطالب حزب الله بعدم ارتكاب أي خطأ يورط الدولة اللبنانية في حرب تؤدي إلى دمار كبير.
- في خطابه الثاني، قبل أيام، رسم نصر الله رؤيته بشأن المفاوضات، وأشار إلى أنه يقاتل ويدافع عن الأراضي اللبنانية، ولن يتنازل عن خط حدود الدولة اللبنانية.
- ردُّ حزب الله على اغتيال العاروري كان إصابة موقع استراتيجي بصواريخ مضادة للدروع، أُطلقت من مسافة 8 كيلومترات. كان يجب حماية هذا الموقع المهم، بعد هدمه خلال حرب لبنان الثانية.
خلقُ تهديد عسكري موثوق به ضد حزب الله ولبنان
- طبعاً، حزب الله شعر بالإهانة بسبب الضربة الإسرائيلية واغتيال العاروري في قلب الضاحية، وأيضاً فوجئ بقدرات إسرائيل وتصميمها على المخاطرة بالتصعيد كثمن لاغتيال مسؤول في "حماس". الرد كان محسوباً، وكان هناك رغبة واضحة في عدم التصعيد. لذلك، على إسرائيل في الأيام المقبلة نقل قوات كبيرة إلى الحدود الشمالية، تكون مستعدة خلال المفاوضات التي يُجريها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين، ممثل الرئيس بايدن للمفاوضات في المنطقة.
- الحوارات عن قُرب مع الولايات المتحدة ضرورية، في الأساس من أجل تنسيق المواقف تجاه لبنان وحزب الله. وفي حال لم تنجح المفاوضات، فإن الولايات المتحدة ستدعم خطوة عسكرية إسرائيلية لدفع حزب الله إلى شمال نهر الليطاني.
- في اللحظة التي تشهد تهديداً جدياً موثوقاً به على الحدود، سيكون على إسرائيل رفع وتيرة الضربات الجوية والضرر بأرصدة حزب الله في الجنوب، وأيضاً إجلاء سكان الجنوب اللبناني شمالاً - وبذلك، تدور المفاوضات في الوقت نفسه، مع استمرار القتال وازدياد قوته. من الممنوع أن تتنازل إسرائيل عن أقل من تطبيق القرار 1701، لخلق واقع أمني مختلف، بسبب التخوف والشعور بعدم الأمان الذي يرافق سكان الشمال منذ أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر في الجنوب. هناك فهم واضح بأن هجوماً كهذا تنفّذه "قوة الرضوان"، يمكن أن يكون أصعب كثيراً على صعيد الأضرار في الأملاك والأشخاص.
- عندما نبحث في منظومة حسابات إيران وحزب الله، بعد اغتيال العاروري، فإن حساباتهما الداخلية والخارجية لم تتغير كثيراً، وهما ما زالا يفعّلان الجبهة الشمالية، ومصلحتهما واضحة في عدم الانجرار إلى حرب شاملة. وعلى الرغم من أحداث الأشهر الأخيرة والنجاح الذي حققه الجيش في القتال ضد "حماس"، فإن حزب الله لا يزال "جوهرة التاج"، بالنسبة إلى الأمن القومي الإيراني، وفي ظل هذه الظروف، فإن مساعدة "حماس" في حربها ضد الجيش ليست سبباً كافياً للذهاب إلى حرب شاملة، إذ سيكون ثمن الخسارة مرتفعاً جداً بالنسبة إلى حزب الله وإيران.
لا يمكن التنازل عن سكان الجنوب
- الأزمة الاستراتيجية الإضافية التي لا تزال من دون معالجة، هي سكان الشمال الذين تم إجلاؤهم، والحكم المحلي في المجالس الإقليمية.
- استمرار حرب الاستنزاف من جهة، وحقيقة أن الكابينيت لم يتخذ قراراً بشأن أهداف الحرب في الشمال، ولا يتخذ قرارات أيضاً بشأن المساعدات لترميم الشمال، أمور كلها تؤدي إلى حالة من عدم الثقة الحادة والمتصاعدة إزاء الحكومة. هناك أصوات تُسمع من السكان، أكثر فأكثر، بشأن الدمار في البلدات وتهديدات الصواريخ المضادة للدروع على المنازل الحدودية، ولن يعودوا إلى بيوتهم الحدودية.
- هذا مسار خطِر من عدم الثقة بالقيادة وقدراتها على اتخاذ القرارات الصعبة بشأن حل مشكلة الأمن على طول الحدود، بترتيبات سياسية أو قتالية، وحتى منح أفق زمني لحل ممكن.
- وبسبب حسابات الميزانيات، فإن الحكومة لا تقرر ما يجب عليها أن تقرّر بشأنه - تبليغ سكان الشمال أن الواقع الصعب لن يُحلّ قبل صيف 2024. وفي الوقت نفسه، الحاجة إلى منحهم مساعدات مالية، كما يجري في جنوب الغلاف.
- الخطوات الضرورية في مجال خلق تهديد عسكري حقيقي في مواجهة حزب الله، واتخاذ قرارات بشأن الأفق المستقبلي لإيجاد حل للسكان وعدم الانجرار خلف الأحداث، أمور تستدعي إقامة إدارة مدنية تعالج مشكلة سكان الشمال والترميم، وهو ما يستطيع إيجاد قناعة لدى السكان بأن الموضوع في قيد المعالجة بأفضل صورة.
- حتى لو تم حلّ الأوضاع بترتيبات سياسية في الجنوب اللبناني، على حكومة إسرائيل أن تفهم وتتخطى سياسة التجاهل والاحتواء والهدوء بأي ثمن، وهو أصلاً ما سمح بتمركُز "قوة الرضوان" على بُعد عشرات الأمتار عن منازل السكان في المطلة وزرعيت.
- بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، على إسرائيل السيطرة على مصيرها بيدها، وأن تحافظ على المبادرة وحرية العمل في الساحة اللبنانية. هكذا فقط يمكن الحفاظ على ردع حقيقي في مواجهة حزب الله. من الواضح أن أي ترتيبات سياسية ستكون قصيرة المدى - إسرائيل، كدولة تريد الحياة، سيكون عليها التعامل مع حزب الله في الشمال وتفكيك تهديده.
- وفي الوقت نفسه، من المفضل لإسرائيل أن تزيد في تعميق الضرر اللاحق بإيران، وبقيادات "الحرس الثوري" في المنطقة. الجنرال رضي الموسوي ومسؤولون آخرون اغتالتهم إسرائيل، بحسب الإعلام الأجنبي، لكي تقول للقيادة في طهران إن ثمن إدارة معركة ضد إسرائيل على 6 جبهات ثقيل. وفي هذا الصراع، من المهم أن تحافظ إسرائيل على الضبابية.