الكارثة المستمرة في غزة حقيقية. إليكم صورة الواقع
تاريخ المقال
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- منذ نشر الدعوى القضائية التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا إلى المحكمة في لاهاي، تركز النقاش العام في إسرائيل - بعضه متخوف، وبعضه ساخر- على الجزء الذي يتناول تفاصيل التصريحات الداعية إلى القتل، والصادرة عن مسؤولين إسرائيليين، بدءاً من بنيامين نتنياهو، مروراً بإيتمار بن غفير، ووصولاً إلى كوبي بيرتس ويانون مغال. وتم تجاهُل الجزء المهم والطويل أكثر بكثير: الفصل الذي لا يتطرق إلى التصريحات، إنما إلى الأفعال، وما ارتكبته إسرائيل في غزة خلال الأشهر الماضية.
- قرار الانشغال بالأقوال يتماشى مع روح المرحلة التي تفضل التعامل مع الشكليات، بدلاً من التعامل مع الواقع ذاته. من الأسهل السخرية في شبكات التواصل من تصريحات عميحاي إلياهو وإلياهو سوسان، وبذلك، نبعد أنفسنا عنهم، بدلاً من التطرق إلى الكارثة التي تحدث في غزة. إلياهو سوسان كان ستار الدخان الذي منحنا إمكانية الإنكار.
- وفي مقابل التصريحات الصادرة عن أشخاص في مواقع السلطة، والتي أعيدَ تكرارها، فإن الجزء المتعلق بالوضع في غزة من الدعوى، يقدم لمحة مذهلة عن الواقع الذي يخفيه إعلامنا المجنّد، ويفضّل الإسرائيليون، في أغلبيتهم، عدم رؤيته. لقد جاء في الدعوى أن "موظفين في المؤسسات الإنسانية منذ وقت طويل، وخدموا في مناطق حروب وكوارث حول العالم، يقولون إنهم لم يروا شيئاً يشبه ما يرونه في غزة اليوم". وتنقل الدعوى جزءاً من أقوالهم: "نهاية العالم"، و"جهنم"، و"حرب، كل شيء غير مسبوق".
- وبحسب الدعوى، يُقتل في قطاع غزة كل يوم أكثر من 115 طفلاً. ويقول المتحدث باسم اليونيسيف جيمس إلدار، إن ما يحدث "مقبرة جماعية للأطفال". مضيفاً "في أغلبية النزاعات، نسبة الأطفال من مجمل القتلى هي 20%. هنا وصلت إلى 40%". وفي كل ساعة، تُقتل اثنتان من الأمهات. وحتى وقت تقديم الدعوى، كان عدد القتلى 21 ألفاً، الآن، وصل تقريباً إلى 23 ألفاً، وآلاف المفقودين. أغلبية المستشفيات انهارت، والقليل الذي تبقى يوصف بأنه "مشهد من فيلم رعب"؛ لا أدوية، ولا أدوات تعقيم، ويتم بتر الأطراف نظراً إلى عدم وجود حل آخر، من دون تخدير، وعلى ضوء صغير. يتم علاج المصابين على الأرض المتسخة. والجروح تصبح ملوثة، ومليئة بالحشرات والذباب. الأطفال يموتون بسبب الإسهال والتلوث.
- وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 93% من المجتمع الغزي يعاني جرّاء الجوع. و"نسبة عدم الأمان الغذائي هي الأعلى في التاريخ"، منذ بدء استعمال مؤشر الأمن الغذائي في سنة 2004. حتى المياه، فإنها غير موجودة. الأمهات لا تستطعن الإرضاع بسبب الغذاء غير الصحي، وعليهن تحضير حليب للأطفال بمياه ملوثة.
- نحو 355 ألف منزل، أكثر من 60% من أماكن السكن في القطاع تضررت أو دُمرت. وبحسب عشرات الممثلين عن الأمم المتحدة، فإن "حجم الدمار في المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد والمخابز والبنى التحتية والمجاري والكهرباء... يجعل استمرار الوجود الفلسطيني في غزة أمراً مستحيلاً".
- وبحسب الدعوى، فإن عدد "الأطباء والصحافيين والمدرسين والأكاديميين الذين يُقتلون غير مسبوق". 311 طبيباً وطاقماً طبياً قُتلوا حتى الآن، و103 صحافيين يشكلون نسبة 73% من الصحافيين الذين قُتلوا في العالم كله في سنة 2023. إسرائيل أيضاً قتلت أكاديميين رياديين، بينهم مَن يحمل درجة بروفيسور في الطب، أو الهندسة، وأيضاً في الأدب. وبحسب ما قاله رئيس الأونروا فيليب لزريني الشهر الماضي، "لم تتبقّ لنا كلمات لوصف ما يحدث".
- أحلام الوزير إلياهو النووية ليست سوى حلم، أمّا الكارثة التي تحدث في غزة، فهي فعلاً حقيقية.
- بدلاً من الهروب إلى الجزء الذي يتحدث عن المجانين في بلادنا، من الأفضل لنا التوقف قليلاً عند الجزء الذي يصف الواقع المجنون الذي يحدث الآن هنا بجانبنا. على ما يبدو، هذا هو الترياق الأكثر فاعلية للأحلام الملوثة المذكورة في الفصل المقبل.