جنوب أفريقيا ليست هي التي تقف حقاً خلف الدعوى القضائية في لاهاي
المصدر
مكور ريشون

صحيفة إسرائيلية يومية بدأت بالظهور في سنة 2007. تميل نحو مواقف اليمين وتؤيد نشاطات المستوطنين في الضفة الغربية، كما تعكس وجهة نظر المتدينين في إسرائيل.

المؤلف
  • من المقرر أن تعقد محكمة العدل الدولية في لاهاي، في نهاية هذا الأسبوع، اجتماعاً تمهيدياً يتم خلاله الاستماع إلى ادعاءات جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، تحضيراً لـ "المداولة الكبرى" التي سيتم فيها اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال حرب "السيوف الحديدية".
  • بهدف كتابة الشكوى، ومحاولة بلورة الادعاءات كي تتحول إلى صورة مرعبة تُظهر إسرائيل كدولة قاسية، وفّرت السلطة الفلسطينية لجنوب أفريقيا مخزوناً من المعطيات العددية بشأن ما يدور في قطاع غزة منذ بداية القتال. ويتضح من هذه الأرقام، ظاهرياً، أنه قُتل في القطاع، حتى بداية كانون الثاني/يناير 2024، 21.110 إنساناً، من ضمنهم 7.729 طفلاً، وإصابة 55.243 إنساناً بدرجات متفاوتة من الجراح. إلى ذلك، يُزعم أن إسرائيل دمرت 355 ألف منزل، وقامت بتهجير 1.9 مليون إنسان، "في الوقت الذي قامت بإفراغ مخلفات البناء والركام في محيطهم".
  • السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي علاقة جنوب أفريقيا، التي تبعد عن المنطقة نحو 4000 كيلومتر، بالاتهامات ضد إسرائيل؟ رداً على الادعاءات المتعلقة بتدخُّل هذه الدولة المحيّر، ادّعت جنوب أفريقيا أن لها الحق في اتخاذ هذا الموقف ضمن إطار ما يُطلق عليه في القانون الدوليErga Omnes ("في مواجهة الجميع")، بمعنى أن أي دولة من الدول التي وقّعت الاتفاقية بشأن الإبادة الجماعية، لها الحق في تقديم الشكوى ضد أي دولة أُخرى يُشتبه في ارتكابها هذه الجريمة.
  • يبدو هذا التبرير بريئاً، لكنه بعيد كل البعد عن الحقيقة. فمَن بادر وشجع على تقديم الشكوى هي السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن. فالسلطة الفلسطينية تحاول، على مدى عقود، وبصورة منهجية، الإضرار بإسرائيل، باستخدام القانون الدولي، إمّا عن طريق ادعاءات مختلفة، وإمّا من خلال اللجوء إلى مختلف المحاكم والمؤسسات للمطالبة بالتحقيق مع إسرائيل، أو فرض العقوبات عليها، لكن سعيها لم ينجح حتى الآن. لقد قامت إسرائيل بتوبيخ أبو مازن أكثر من مرة، وحذّرته من أنه إذا واصلت السلطة تقديم الشكاوى والإزعاج، فإن الامتيازات الممنوحة لمسؤولي السلطة ستُسحب منهم. وهذا ما أجبر أبو مازن على الاختيار بين مواصلة الاحتفاظ ببطاقة هوية الـVIP وبين تقديم الشكاوى...
  • في ظل عملية التفكك المستمرة للسلطة، يبدو أن الإجراءات التي تتخذها هذه السلطة ضد إسرائيل في الأعوام الأخيرة بلغت حد المضايقات والإزعاج، بعد فشلها في تحويل خيار "الإرهاب" إلى تهديد استراتيجي حقيقي لوجود إسرائيل. يضاف إلى ذلك القناة الإعلامية والدعائية التي استثمرت فيها السلطة موارد هائلة من الوقت والمال ومجموعة من الخبراء والمحللين، على أمل أن يدفع العالم بإسرائيل إلى الزاوية، أخفقت وفشلت بعد وفاة صائب عريقات. وبالتالي باتت أهم أداتين في جعبة السلطة لمناهضة إسرائيل غير ناجعتين.
  • لكن السلطة تحاول الآن القيام بحيلة جديدة: لقد لجأت إلى صديقتها، جنوب أفريقيا، لكي تقوم هذه الأخيرة بتقديم الدعوى في محكمة العدل الدولية، نيابةً عنها. هناك سابقة على هذا النحو، حدثت في سنة 2019، حين قامت غامبيا برفع دعوى على ميانمار في المحكمة بسبب جرائم ضد الإنسانية ارتُكبت على أراضيها، كما توجد حالة منذ سنة 2023، حين قامت كندا بتقديم شكوى ضد سورية بتهمة التنكيل بسكانها. وقبل اللقاء التمهيدي المذكور في بداية المقال، وسّعت جنوب أفريقيا نشاطها، وأمرت أعضاء طاقمها الدبلوماسي في تل أبيب بالعودة إلى بلدهم، ويبدو أن هذا السلوك يوضح لنا أن مَن يحرك الخيوط في هذا الجانب هي السلطة، لا جنوب أفريقيا نفسها.
  • رفعت إسرائيل حاجبها تعجباً، ليس فقط لأن التجارة الواسعة والمثمرة بين البلدين مهددة هنا فحسب، بل لأن إسرائيل تشعر بنكران جميل استثنائي من جانب الأفارقة. فبحسب مصادر أجنبية، إسرائيل ساعدت جنوب أفريقيا، في السبعينيات من القرن الماضي، على الحصول على قدرات نووية، وفي الثمانينيات، ساعدتها في حربها في ناميبيا، وعندما قاطع العالم جنوب أفريقيا في سنة 1987، كانت إسرائيل من ضمن الدول، المعدودة على الأصابع، التي حافظت على علاقات معها، وظلت ترفض فرض العقوبات عليها حتى النهاية تقريباً. وعلى الرغم من كل هذا الجميل، باتت جنوب أفريقيا اليوم مستعدة للقيام بكل ما يمكنها القيام به من أجل عناصر "حماس" الفلسطينيين، وتناسي كل ما قامت به إسرائيل من أجلها.
  • لأول مرة، ستضطر إسرائيل إلى المثول أمام المحكمة مع دهاقنة القانون من أجل دحض هذه الادعاءات الكاذبة، واحداً إثر الآخر، ومن أجل حماية مكانتها القانونية الدولية إزاء التهديد باعتقال جنود وضباط الجيش الإسرائيلي. ستقوم إسرائيل، طبعاً، برفض اتهامها بالإبادة الجماعية، وتتعامل معها كما لو كانت افتراء ضدها يشبه المؤامرات التي كانت تُحاك ضد اليهود في الماضي السحيق، وفي مواجهة هذه الاتهامات، ستقوم بعرض "مجازر" السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بصفتها واحدة من "أبشع الجرائم التي نفّذها فلسطينيون ضد الإنسانية"، وستُبرز "الفظائع" التي خُطف فيها الرضع والشيوخ وذوي الحاجات الخاصة والمرضى والناجون من المحرقة الأبرياء. وسيتلخص دفاع إسرائيل في عبارة "ما هو الاسم الذي ستطلقونه على هذه الأفعال، إذا كنتم ستسمّون ما تقوم به إسرائيل في غزة إبادة جماعية"؟
  • في حربها ضد "حماس"، تمتلك إسرائيل المبرر الأخلاقي الأهم، بأنها دولة ترغب في الحياة، وتسعى لبذل أقصى جهودها للحد من الضرر اللاحق بالمدنيين الأبرياء، لكن ليس من المؤكد أن يصمد هذا الادعاء على الإطلاق في وجه هذه المحكمة المتحيزة أصلاً ضد إسرائيل. لا يزال من السابق لأوانه تحديد مجرى المناقشات الأولية التي قد تستمر أعواماً عديدة، لكن من الواضح حتى الآن أن نتيجتها لن تشبه الحد الأدنى مما تسعى السلطة الفلسطينية لتحقيقه: أي زوال الكيان الصهيوني من الوجود. إن التوبيخ والعقوبات القاسية ضد إسرائيل من طرف هيئة القضاة لن تكون سوى "عزاء المحرومين"، ولن ينجم عنها سوى رضى موقت ولحظي، إذا ما قورن بالهدف الأصلي للدعوى.
  • على الرغم من ذلك، ونظراً إلى أن الأعمال القتالية في غزة قد تتحول إلى حرب متعددة الساحات، فإن إسرائيل لن تكون قادرة، بعد الآن، على الجلوس مكتوفة الأيدي في ظل مضايقات الفلسطينيين لها في الحلبة الدولية، وفتح جبهة إضافية تستنزف انتباهها وطاقاتها. على إسرائيل، منذ الآن، العمل ضد السلطة الفلسطينية، لأنها الداعية الرئيسية إلى هذه المحكمة الصورية، وأن توضح للسلطة أنه لا يمكنها الإمساك بالعصا من طرفيها مجدداً. إن التحذيرات الموجهة إلى زعماء السلطة الفلسطينية بعدم الاستمرار في الشكوى والمضايقة، أثمرت فعلاً في الماضي، ويجب أن نعود إلى استخدامها كأدوات ضغط لا لبس فيها؟ والتهديدات التي تنطوي على بنود، مثل إلغاء الإعفاء من دفع الضرائب، ووقف التحويلات المالية الكبيرة إلى خزينة السلطة، وتحصيل الديون باسمها بمئات الملايين من الشواكل، ومجموعة من الامتيازات والإعفاءات، يجب أن تكون أدوات ناجعة تحقق المراد منها.
  • في نهاية المطاف، يعرف أبو مازن ومَن يخلفه جيداً أن الكيان الهزيل الذي يترأسونه لن يتفكك بسبب نشاطات وحدات "يمام" و"دوفدوفان" في مناطق A [الوحدات المكلفة عمليات الاقتحام وتنفيذ الاغتيالات في مراكز المدن والمخيمات الفلسطينية]، بل عندما يتوقف تدفُّق الأموال من إسرائيل، ويتوقف تعاوُنها معهم.