الولايات المتحدة تبحث عن سلطة تدير غزة، وفي المقابل، عباس يريد الحصول على دولة
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • أمس، قال السفير السعودي في بريطانيا الأمير خالد بن بندر في مقابلة أجرتها معه الـBBC، إن "تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل لن يجري من دون قيام دولة فلسطينية مستقلة"، وأضاف: "لا يمكن أن نعيش بسلام مع إسرائيل من دون دولة فلسطينية". كلام بن بندر، ابن رئيس الاستخبارات السعودية السابق، يعكس الانعطافة في الموقف السعودي منذ نشوب الحرب في غزة، وتجميد مفاوضات التطبيع بين الدولتين. هذه المفاوضات جُمّدت، لكن لم يتم إلغاؤها، بحسب تلميح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هذا الأسبوع، الذي قال بعد زيارته للسعودية، إنه "رأى فرصة" في قيام شبكة علاقات أفضل بين إسرائيل ودول المنطقة.
  • حتى نشوب الحرب، استندت الصيغة، التي شكلت قاعدة لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، إلى 3 ركائز: موافقة أميركية على المساعدة في البرنامج النووي السعودي؛ حلف دفاعي بين الولايات المتحدة والسعودية؛ تفاهُم على "تحسين الظروف الحياتية للفلسطينيين". لقد صاغ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان البند الثالث بصورة أقل إلزاماً عندما قال في مقابلة مع فوكس نيوز: "نأمل أن يؤدي اتفاق التطبيع مع إسرائيل إلى الدفع قدماً بتخفيف ظروف حياة الفلسطينيين". "التخفيف" ليس دولة فلسطينية مستقلة، و"الأمل بالتخفيف" ليس خطة عمل سياسية.  يومها، بدا أن "الشرط الفلسطيني" في الموقف السعودي هو، في الإجمال، يطمح إلى وضع علامة V على "القضية الفلسطينية". والمقصود اليوم سياسة تفرض على واشنطن، وعلى إسرائيل والفلسطينيين طرح مخطط واقعي، حتى لو لم يتحقق في وقت قريب، وهو ما يشير إلى بداية استراتيجية سياسية جديدة.
  • السعودية لا تريد التدخل في صوغ المخطط "هذا النقاش يجب أن يجري بين إسرائيل والفلسطينيين"، قال بن بندر. لكن عندما سُئل عمّا إذا كان في إمكان "حماس" أن تكون شريكة في بنية الحكم الجديدة، لم يرفض الفكرة بصورة قاطعة، وقال: "هذا يتطلب تفكيراً كثيراً وعملاً كبيراً. في إيرلندا مثلاً، جرى الاعتراف بأكبر حزب هناك، على الرغم من أن أعضاءه، في أغلبيتهم، كانوا في الماضي يُعتبرون "إرهابيين".
  • السعودية ليست ضمن نادي الدول المؤيدة لـ"حماس" في الشرق الأوسط. وهي شريكة كاملة مع مصر ودولة الإمارات ضد حركة الإخوان المسلمين، وضد أحفادها، وبينهم "حماس" وحركات دينية - قومية أُخرى في الشرق الأوسط. لكنها أيضاً تفهم جيداً الحوار السياسي الدائر بين منظمة التحرير وبين "حماس" في مسألة "اليوم التالي للحرب". وهو الحوار الذي يسعى لتشكيل منظمة تحرير "متجددة"، وليس فقط سلطة فلسطينية "متجددة" كما يطالب الرئيس جو بايدن.
  • الزعماء الفلسطينيون الذين يديرون السباق على الرئاسة منذ وقت، أوضحوا علناً أن "حماس" وسائر التنظيمات الفلسطينية التي ليست عضواً في منظمة التحرير، مثل الجهاد الإسلامي، مضطرة إلى أن تكون جزءاً من هذه البنية التنظيمية الجديدة التي ستسفر عن سلطة فلسطينية "متجددة"، في إمكانها إدارة غزة، وبتأييد من الولايات المتحدة. ومن دون هذه الشراكة، لن يكون هناك شرعية للسلطة الفلسطينية، أو لأي كيان فلسطيني آخر يريد أن يحكم غزة. الفجوة بين النظرة السياسية بشأن طابع الزعامة الفلسطينية الجديدة وبين الحاجة الملحة إلى إيجاد حل لمشكلات إدارة غزة، يحاول تجسيرها حالياً زعماء الدول العربية ذات الصلة مع الولايات المتحدة.
  • في الأسبوع الأخير، تكثفت الجهود الرامية إلى بلورة إطار عملي لإدارة فلسطينية لقطاع غزة. وفي يوم الاثنين، "قفز" محمود عباس إلى مصر من أجل تنسيق المواقف مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبيل مفاوضاته مع بلينكن. في الأمس، عباس التقى بلينكن، وبحسب التقارير في وسائل الإعلام، كان الحديث متوتراً وغاضباً، طلب فيه عباس أن تحرر إسرائيل الأموال التي لديها [الضرائب على المعابر التي تُجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة] والتي تُستخدم من أجل دفع رواتب الموظفين في السلطة، وفي غزة، وجزء منها يُدفع لعائلات "المخربين". كما طالب عباس بوقف إطلاق نار فوري وتعهدات تحصل عليها الولايات المتحدة من إسرائيل بعدم طرد أهالي غزة من القطاع. وعلى ما يبدو، بلينكن طلب مثل هذه التعهدات من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وتحدث عن ذلك علناً. وبهذه الطريقة، جعل هذه التعهدات التزاماً بالنسبة إلى الولايات المتحدة نفسها، وليست فقط إزاء الفلسطينيين والأردن ومصر.
  • لكن من الواضح لجميع الأطراف أن تنفيذ هذه التعهدات يتطلب تأمين شروط حياة معقولة لأكثر من 2.3 مليون فلسطيني من سكان القطاع؛ وعودة سكان شمال القطاع إلى منازلهم؛ وبدء أعمال إعادة الإعمار من أجل التخفيف من الضائقة المريعة التي يمكن أن تدفع السكان إلى اقتحام الحدود إلى سيناء. وإلى جانب الجهود المبذولة لخلق ظروف حياة كريمة، حتى في الوضع الذي أصبحت أغلبية سكان قطاع غزة من دون مأوى، تسعى الإدارة الأميركية لإنشاء إطار لإدارة حياة المدنيين في اليوم التالي للحرب ونقل السلطة المدنية إلى كيان فلسطيني.
  • ومع ذلك، فإن الإدارة نفسها لم تبلور الأطر التي ستسمح بانتقال مثل هذه السلطة إلى الفلسطينيين. على سبيل المثال، ليس واضحاً ما الذي يجب أن تتضمنه خطة "تجديد" السلطة الفلسطينية كي تستطيع القيام بدورها في غزة، وكي تحظى بتأييد أميركي. وهل محمود عباس، الذي يبلغ من العمر 88 عاماً، سيُطلب منه أن يكون رئيساً فخرياً فقط، وتحويل صلاحياته إلى رئيس الحكومة؟ وهل سيُطلب منه ضخّ "دماء جديدة" في السلطة؟ وما هي الاختبارات الإدارية للحكومة؟ وهل السلطة "المتجددة"، إذا نشأت، ستضمن الحصول على مساعدة كبيرة، أميركية أو عربية؟
  • لقد سبق أن أوضح عباس لبلينكن وللرئيس المصري أنه ضد قيام حكومة خبراء، أو حكومة يفرضها الأميركيون. وقال إنه حتى الحكومة التي تعتمد على إصلاحات إدارية وقانونية جديدة، هي بحاجة إلى موافقة منظمة التحرير، الكيان الذي وقّع اتفاقات أوسلو، والذي أدى إلى قيام السلطة. في هذه الأثناء، عُلم بأن عباس طلب من السيسي دعوة زعماء التنظيمات الفلسطينية، بينهم "حماس" والجهاد، إلى الاجتماع من أجل مناقشة تركيبة منظمة التحرير "الجديدة". وليس معروفاً ما إذا كان السيسي ينوي مناقشة ذلك، أو إذا كانت "حماس" ستوافق هذه المرة على تبنّي الشروط التي وضعها عباس من أجل انضمامها إلى منظمة التحرير، أي استعداد "حماس" للانتقال من المقاومة المسلحة إلى "المقاومة السلمية"، والاعتراف بالاتفاقات التي وقّعتها منظمة التحرير، وبينها اتفاق أوسلو الذي يعترف بدولة إسرائيل.
  • وحتى قبل الحديث عن طبيعة مثل هذه السلطة وسِماتها، لعباس مطلبان أساسيان من الإدارة في واشنطن: وقف إطلاق النار، والبدء بمناقشة قيام دولة فلسطينية مستقلة. في هذه النقطة، حصل على استجابة أميركية عندما أوضح بلينكن أنه يؤيد "خطوات ملموسة لإقامة دولة فلسطينية". لكن من غير الواضح ما هو المقصود بـ"خطوات ملموسة". فهل معنى هذا أن واشنطن مستعدة للدعوة إلى عقد مؤتمر دولي مثل مؤتمر مدريد، للتعبير عن جديتها؟ وهل تستطيع أن تضمن موافقة الحكومة الإسرائيلية، بتركيبتها الحالية، على المشاركة في مثل هذا المؤتمر؟
  • لم يكن سهلاً على الأميركيين دفع إسرائيل إلى تقديم تنازلات تكتيكية في مجال المساعدة الإنسانية، أو في مجال حجم العمليات العسكرية. وهم لا يعرفون متى، و/أو كيف ستسمح إسرائيل بعودة سكان شمال القطاع، أو بالأحرى مَن بقي منهم في قيد الحياة، إلى منازلهم. وستزداد الصعوبة عندما ستحاول الولايات المتحدة الدفع قدماً بترويج سلطة فلسطينية في غزة. ومن المحتمل أن يجبر موضوع المفاوضات السياسية الأميركيين على اتخاذ قرار استراتيجي، وما إذا كان عليهم الدخول في مواجهة مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية؟