آن الأوان لإطلاق مبادرة عربية جديدة
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي

معهد أبحاث إسرائيلي تابع لجامعة تل أبيب. متخصص في الشؤون الاستراتيجية، والنزاع الإسرائيلي -الفلسطيني، والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك لديه فرع خاص يهتم بالحرب السيبرانية. تأسس كردة فعل على حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بقرار من جامعة تل أبيب؛  وبمرور الأعوام، تحول إلى مركز أبحاث مستقل استقطب مجموعة كبيرة من الباحثين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومن الذين تولوا مناصب عالية في الدولة الإسرائيلية، بالإضافة إلى مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين، وهو ما جعله يتبوأ مكانة مرموقة بين المؤسسات البحثية. يُصدر المعهد عدداً من المنشورات، أهمها "مباط عال" و"عدكان استراتيجي"، بالإضافة إلى الكتب والندوات المتخصصة التي تُنشر باللغتين العبرية والإنكليزية.

  • في سنة 2002، أعلنت الجامعة العربية خطة سلام في الشرق الأوسط، في مؤتمرها الذي عُقد في بيروت، والتي قدّمها ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية، آنذاك، الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الخطة معروفة باسم مبادرة السلام العربية، وحددت مبادئ لتسوية سياسية بين إسرائيل وكافة الدول العربية. كما تضمنت المطالبة بانسحاب إسرائيل من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة إلى المطالبة بعودة هضبة الجولان إلى سورية، ومناطق شبعا وتلال كفرشوبا إلى لبنان. كما نصّت المبادرة على حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين "بطريقة عادلة ومتفق عليها"، بموجب القرار رقم 194، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة (مع التشديد على رفض الدول العربية لتوطين اللاجئين). وتعهدت الدول العربية إقامة "علاقات طبيعية" مع إسرائيل، بعد انسحاب هذه الأخيرة من جميع الأراضي المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية، إلى جانب تعهُّدها تبنّي مبدأ إنهاء الصراع. أمّا التفسير الإسرائيلي المتشدد لعبارة "علاقات طبيعية"، فقد تمثّل في أن هذا المصطلح ضبابي، وهو لا يتطابق مع مصطلح "تطبيع".
  • وبعد مرور 22 عاماً على المبادرة، بشكلها الإعلاني على الأقل، فهي لا تزال موضوعة على الطاولة بالنسبة إلى السعودية. كما أن الموقف الرسمي للولايات المتحدة يقول إن "اتفاقيات أبراهام" ليست بديلاً من حل النزاع. أمّا الآن، وفي ظل الحرب والموجة المتعاظمة المناهضة لإسرائيل، لقد أصبحت الرياض أكثر التزاماً بفكرة الدولة الفلسطينية، كما يظهر ذلك في الصحافة السعودية والتصريحات الصادرة عن المسؤولين في المملكة...

اتفاقيات أبراهام

  • يضع نتنياهو هدفاً طموحاً آخر إلى جانب هدف كبْح المشروع النووي الإيراني، هو إرساء السلام مع السعودية. ما من شك في أن هذا الهدف ممكن التحقق. بسبب مكانة المملكة كحارسة للأماكن المقدسة في الإسلام، ومكانتها الرائدة في العالم العربي. لذا، فإن عقْد معاهدة معها سيمنح الشرعية لمزيد من العلاقات بين إسرائيل ودول عربية وإسلامية أُخرى. كما أن الاقتصاد السعودي هو الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، والسوق السعودية تنطوي على احتمالات هائلة بالنسبة إلى الشركات الإسرائيلية في مختلف المجالات. السر المفضوح في الشرق الأوسط هو أن هناك علاقات أمنية صامتة بين السعودية وإسرائيل. فضلاً عن أن السعودية تحقق تقدماً علنياً في سعيها للمصالحة مع إسرائيل، ولو بصورة بطيئة وتدريجية، بما يمكن توصيفه بـ "التطبيع الزاحف". إلا إن المسؤولين السعوديين، لكي يتحدثوا بصورة علنية عن العلاقات، يؤكدون الحاجة إلى التقدم في اتجاه إقامة دولة فلسطينية، إلى جانب حديثهم عن التزامهم بمبادرة السلام العربية.
  • صحيح أن "اتفاقيات أبراهام" عكست، فعلاً، تحسُّن المكانة الإقليمية الاستراتيجية لإسرائيل، بل راكمتها، في ظل انتهاء مفعول المطالب المقدمة في مبادرة السلام العربية، كشرط للتطبيع مع إسرائيل، إلا إن الافتراض القائل إن تحقُّق السلام بين إسرائيل والدول العربية لم يعد مرتبطاً بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ثبت عدم صحته، على الأقل بالنسبة إلى السعودية. بعد مرور ثلاثة أعوام على توقيع اتفاقيات أبراهام، يتضح أن القضية الفلسطينية لا تزال على جدول أعمال العالم العربي، وخصوصاً على المستوى الشعبي، فالدعم الفلسطيني لدى الشعوب العربية شديد الوضوح. وهكذا يتضح أن التقدم في العملية السياسية سيساعد كثيراً في الدفع في اتجاه التطبيع، وتوسيع سيروراته.
  • إن السعودية التي لعبت دور المتلقي على مدار سنوات،  بشأن تطبيق المبادرة، عادت لتكرر بصورة أوضح، منذ توقيع "اتفاقيات أبراهام"، التزامها بمبادرة السلام العربية، وربما يكون سبب ذلك سعيها لتهدئة الانتقادات الموجهة إليها. لقد شدد الملك السعودي في تصريحاته على الحاجة إلى التوصل إلى حل للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني في إطار مبادرة السلام العربية، وربط بين الأمر وبين التطبيع مع إسرائيل. يبدو أن الملك وولي العهد شريكان في الموقف الذي يفيد بأن المملكة لا يمكنها تجاهُل المبادرة التي قامت هي نفسها بصوغها، مع التقديرات بأن ولي العهد أكثر براغماتية من والده فيما يتعلق بالعلاقات بإسرائيل، وهذا يستند إلى التصريحات الصادرة عن الرجل خلال مقابلاته في وسائل الإعلام، ولقائه نتنياهو مرة واحدة على الأقل في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

هل ظلت مبادرة السلام العربية على علاقة بالواقع

  • على الرغم من أن مبادرة السلام العربية شاملة، وهي تشمل أيضاً مسألة النزاع الحدودي بين إسرائيل وسورية، وبين إسرائيل ولبنان، فإن جوهر هذه المبادرة يتمحور حول المسألة الفلسطينية. على مدار الأعوام الماضية في الشرق الأوسط، برز واقع يتمثل في أن عمليات التطبيع لا تُعتبر بديلاً من التقدم الحقيقي في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، في نظر السعودية والدول التي وقّعت اتفاقيات أبراهام. كما أن السعودية لا تزال تصرّ على اعتبار التقدم في المسار الفلسطيني شرطاً للتطبيع مع إسرائيل، وهذه هي حال غيرها من الدول الموقّعة لهذه الاتفاقيات، وأبرزها الإمارات التي تواصل الطلب، علناً، بالتقدم في مسار التفاوض مع الفلسطينيين من أجل تسوية النزاع. بل إن الإمارات تعلن أن الحرب الدائرة في غزة هي نقطة تحوّل مفصلية، وأنها بعكس ما كان سائداً في السابق، تنطوي على إمكانات تطوير وترسيخ لاتفاقيات أبراهام، من خلال إقامة الدولة الفلسطينية.
  • يجب أن يتم ترسيخ المقولة التي كتبها الأمير السعودي تركي الفيصل في مقاله المنشور في صحيفة "هآرتس"، ومفادها أن المبادرة العربية ليست سوى أساس للمفاوضات، وهي ليست أمراً مُنزلاً، أو إملاءً قسرياً، بل يمكن تكييفها، بحيث تشمل أي اتفاقات يتم التوصل إليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين".  هذه المقولة يجب تثبيتها كأساس متفق عليه بشأن المبادرة العربية...
  • في ضوء ذلك، المطلوب قيام إسرائيل بإعادة النظر في مبادئ المبادرة، والتي قد تتكامل مع رغبة سعودية متجددة في ريادة العالم العربي، ومع رغبة ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن سلمان في تعزيز مكانته داخل المملكة، وعلى الساحتين الإقليمية والدولية، وأن يُنظر إليه كلاعب عملي وإيجابي

توصيات سياسية

  • موقف الدول العربية من القضية الفلسطينية، المستند إلى حل الصراع، وفقاً لمبدأ الدولتين، منصوص عليه في مبادرة السلام العربية. تمثل هذه المبادرة،عملياً، إعلان مبادئ للتفاوض والتسوية السياسية، فإذا تم التوافق على ذلك، فإنه سيتيح حيزاً مريحاً للمناورة، وتفسيرات مريحة أكثر لإسرائيل، والتوصل إلى حلول عملية.
  • على سبيل المثال، على الرغم من أن مصطلح "حق العودة" غير مذكور في المبادرة، وتم استبداله بالقول إن "حل قضية اللاجئين الفلسطينيين" هو أمر يجب "التوافق عليه"، فإن حل مسألة اللاجئين مشروطة بالتفاهم مع إسرائيل، من هنا، يجب القول إن العودة يجب ألّا تتم إلى داخل أراضي إسرائيل السيادية نفسها، إلى جانب ربط هذا بالمطالبة بحل مشكلة اللاجئين اليهود الذين فروا من الدول العربية . مثال آخر، على الرغم من خلوّ المبادرة من مطلب إزالة جميع المستوطنات في الضفة الغربية، فإن مطلب العودة إلى حدود الـ 67 من دون ذِكر فكرة تبادُل الأراضي، يعني، عملياً، إخلاء جميع المستوطنات. لذلك، لا بد من المطالبة بإدراج مبدأ تبادُل الأراضي من أجل ضمان المرونة في التسويات التي تضمن بقاء الكتل الاستيطانية المتاخمة لإسرائيل، ضمن السيطرة الإسرائيلية.
  • إن إعلان إسرائيل المتجدد أن المبادرة العربية تشكل أساساً للمفاوضات، إلى جانب استعدادها العملي لتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية المجددة/المعدلة، واستئناف المفاوضات السياسية معها، أمور كلها ستندرج ضمن رؤية الرئيس بايدن بشأن إنشاء بنية إقليمية جديدة ترتكز على عملية التطبيع بين إسرائيل والسعودية، كلبِنة إضافية ومهمة في اتفاقيات أبراهام التي سيكون من الممكن في إطارها أيضاً إنهاء الحرب في غزة والتقدم في الساحة الفلسطينية، بعد انتهاء دور "حماس" ككيان سلطوي وسيادي...
  • لكي تتمكن السعودية من توقيع معاهدة سلام كاملة مع إسرائيل، فإنها ستطلب من إسرائيل مقابلاً كبيراً في مجال حل الدولتين، وفقاً لمبادئ المبادرة العربية. أمّا إسرائيل، من جانبها، فهي سترغب في إجراء تعديلات على المبادرة، فالواقع الآن مختلف عمّا كان عليه في سنة 2002. وبناءً عليه، فإن إطلاق مبادرة سلام عربية جديدة، بعد عقدين على نشر المبادرة العربية السابقة، وبعد ثلاثة أعوام على توقيع اتفاقيات أبراهام، قد يكون مفيداً لإسرائيل، وخصوصاً إذا كانت هذه المبادرة ملائمة للرؤية الأميركية الإقليمية، وتحظى بالدعم الأميركي.