هروب نتنياهو من طاولة المفاوضات
المصدر
يديعوت أحرونوت

تعني بالعربية "آخر الأخبار"، تأسست سنة 1939، وتصدر باللغتين العبرية والإنكليزية، كما يمكن قراءتها على موقعها الإلكتروني "ynet". وهي تُعتبر الصحيفة الثانية الأكثر انتشاراً في إسرائيل. تنتهج الصحيفة خطاً سياسياً أقرب إلى الوسط الإسرائيلي، يصدر عن الصحيفة ملحق اقتصادي بعنوان "كلكاليست".

  • ليست هناك طريقة ألطف لقول التالي: ما يُنشر بشأن المفاوضات مع "حماس" هي أكاذيب، يحاول مكتب رئيس الحكومة بواسطتها الضحك على عقول الجمهور؛ إذ تراجع نتنياهو عشية الجولة الأخيرة في القاهرة عن التوجيهات السابقة التي أعطاها إلى الطاقم الإسرائيلي، من دون أن يوضح له ما هو سبب التغيير؛ "هل فكر نتنياهو في أن تشدداً تكتيكياً سيدفع ’حماس‘ إلى إبداء المرونة في موقفها؟ أم هل شعر بالذعر من تقدُم المفاوضات، فتحرَك استراتيجياً من أجل إفشالها؟" إذا كان هذا هو قصده، فقد نجح؛ إذ لا توجد اليوم مفاوضات، فرئيس السي آي إي، الذي جاء إلى إسرائيل محاولاً إخراج المفاوضات من الغيبوبة، خرج من اجتماعه مع نتنياهو خالي الوفاض، وللإنصاف، ينبغي القول إن ما حمله من القاهرة لم يكن واعداً أبداً.
  • هناك مطاعم يكون فيها الطهاة أكثر شغفاً بالطعام من الزبائن، وينطبق هذا على الصفقة التي نضجت في واشنطن والدوحة والقاهرة؛ إذ يوظف الوسطاء كماًّ هائلاً من الطاقة، لكن "حماس" لا تهلع ولا تستسلم ولا تخضع، بينما نتنياهو يكثر من الكلام عن المشاعر والأخلاق والأمن، لكنه يعمل وفق اعتبارات سياسية داخلية.
  • لقد جنّد الوفد الإسرائيلي أفضل الناس الذين أنتجتهم المؤسسة الأمنية، وهُم: اللواءان في الاحتياط، نيتسان آلون وبولي مردخاي، ورئيس الموساد، ديفيد برنياع، ورئيس الشاباك، رونين بار، والرئيس السابق للشعبة الاستراتيجية في الجيش الإسرائيلي، العميد أورين ساتر، وغيرهم. وهم يخوضون صراعاً على خمس جبهات: في مواجهة "حماس، والوسطاء، وفي مواجهة المستوى السياسي، وفي مواجهة الجيش الإسرائيلي، وعائلات المخطوفين، والهدف واحد؛ وهو استعادة المخطوفين. وتختلف الجبهات، فكل واحدة لها أغراضها وقواعد لعبة خاصة بها، وأحد الأهداف المهمة التي حققها الطاقم ولم يحظ باهتمام الجمهور هو إزاء القوات على الأرض، إذ منع عملية عسكرية بصورة مسبقة يمكن أن تعرّض حياة المخطوفين للخطر، وهذا نضال من أجل إنقاذ الحياة.
  • إن سيطرة الجيش الإسرائيلي على غرب خان يونس كشفت حقيقة وجود عدد كبير من المخطوفين بالقرب من كبار المسؤولين في "حماس" كدروع بشرية، وهذا خبر جيد؛ فالأوضاع في هذه المواقع هي أفضل نسبياً. والخبر الجيد بصورة أقل هو أن تقدُم الجيش أدى إلى هروب كبار المسؤولين في الحركة إلى مواقع أُخرى، والمخطوفون الذين كانوا هناك أُخذوا إلى أماكن أقل أمناً وتنظيماً في منطقة رفح، وازداد خطر إصابتهم بتبادل إطلاق النار، كما ازداد الخطر على صحتهم وغذائهم.
  • في إسرائيل، لا يزال الناس مقتنعين بأن المخطوفين والمخطوفات أحياء، وأن وضعهم الجسدي جيد نسبياً، والمشكلة التي تثير القلق هي وضعهم العاطفي والنفسي؛ إذ يوجد ثمن لوجودهم 140 يوماً في الأسر في خوف دائم، وكل يوم إضافي في الأسر يفاقم المشكلة.
  • واختلطت قضية رفح بهذه المشكلة، فقد هدد نتنياهو وغالانت بأن رفح ستكون المرحلة المقبلة في العملية البرّية. وفيما يتعلق بالصفقة، فقد كان التهديد فعالاً؛ إذ أثار خوف الوسطاء المصريين والأميركيين، وساهم في تسريع الاتصالات، لكن الكلام شيء والأفعال شيء آخر؛ فالانتقال المنظم لأكثر من 1.3مليون نازح فلسطيني إلى الشمال يتطلب جهداً دبلوماسياً ولوجستياً طويلاً ومعقداً، وقد فهمت "حماس" هذه الصعوبة، وكذلك الوسطاء، والتهديد باحتلال رفح جُمّد.
  • وصاغ البيت الأبيض حلاً لهذا المأزق، فبدلاً من الاكتفاء بصفقة صغيرة للمخطوفين في مقابل أسرى، ذهبوا إلى صفقة ضخمة؛ وهي تحرير كل المخطوفين والأسرى، وإعادة إعمار القطاع، وطرد "حماس"، ومشاركة إسرائيل في حلف مع دول عربية سنية، وأيضاً اتفاقية دفاع أميركية - سعودية، وتحقيق إنجاز لبايدن في مواجهة الجناح التقدمي في حزبه، واستئناف المفاوضات من أجل قيام دولة فلسطينية. لا توجد صفقة صغيرة من دون صفقة كبيرة، ولا صفقة كبيرة من دون صفقة صغيرة، وصحيح أن الطريق إلى الدولة الفلسطينية لا يزال طويلاً، لكن في الإمكان المحاولة.
  • وبهذه الطريقة، قاموا بتحويل نتنياهو إلى عدو لتحرير المخطوفين. وبحسب وجهة نظره، فكل تقدُم في المفاوضات يشكّل خطراً مباشراً على استمرار حكمه، وإذا دخل أبو مازن، سيخرج بن غفير، وصدّق ذلك؛ لقد وافق نتنياهو على إرسال الوفد إلى القاهرة من أجل المحافظة على المظاهر أمام عائلات المخطوفين والإدارة الأميركية. ولا عجب أن نيتسان آلون قرر البقاء في البلد، فقد جرى تحييد الوفد الإسرائيلي في كل ما له علاقة بالمفاوضات.
  • وانتقل المركز من القاهرة إلى واشنطن؛ فنتنياهو وموفده، درمر، يحاولان أن يفعلا مع بايدن ما فعلوه مع أوباما. إن الدراما ستكون كبيرة، لكنها لن تعيد أياً من المخطوفين.
  • في الأمس، أصدر رئيس الحكومة قراراً برفض أي تسوية مفروضة مع الفلسطينيين، ورفض الاعتراف الأحادي الطرف باستقلالهم، فالتسوية تكون فقط عبر مفاوضات مباشرة، والقرار اتُخذ بالإجماع، وهو أمر مضحك بحد ذاته، لأن معظم الوزراء الذين يعارضون علناً أي مفاوضات مع الفلسطينيين ومن أي نوع، سواء أكانت مباشرة أم غير مباشرة، صوتوا مع القرار. نتنياهو نفسه سبق أن استخدم "فيتو" على المفاوضات، وفضّل التعاون مع "حماس"، وقد كان في استطاعة غانتس أن يقول له: "اترك هذا الكلام الفارغ وركز على تحرير المخطوفين." لكنه خاف من خسارة الأصوات في الاستطلاعات.