نتنياهو يُبقي على كل الخيارات مفتوحة، حتى النهاية
المصدر
هآرتس

من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".

المؤلف
  • "إياكم أن تنسوا قط أن الصحافة هي العدو، وأن المؤسسة هي العدو، وأن أساتذة الجامعات هم الأعداء. اكتبوا هذا على السبورة مئة مرة، وإياكم أن تنسوا هذا". أطلق ريتشارد نيكسون هذا التصريح أمام طاقمه في سنة 1972، بعد انتصاره الساحق في انتخابات الرئاسة الأميركية. وبعد أقل من عامين، نتيجة قضية ووترغيت والتهديد بتنحيته، اضطر نيكسون إلى الاستقالة. وعندما ودّع البيت الأبيض، قال لطاقم موظفيه: "هناك مَن سيكرهكم، لكن كارهيكم لن ينتصروا، إلّا إذا كرهتموهم بالمثل، فإذا ما تصرفتم على هذا النحو، فإنكم ستدمرون أنفسكم".
  • تعلّم نتنياهو من نيكسون أمراً واحداً على الأقل، كما يمكننا أن نفهم من هجماته المتكررة، والمخطط لها، على ممثلي الصحافة الحرة في المؤتمرات الصحافية، ومن التشويه الممنهج الذي يقوم به لسمعة قادة المؤسسة الأمنية، والحطّ المستمر من شأن قائدَي "المعسكر الرسمي" [غانتس وأيزنكوت]. يقول شهود عيان حضروا اجتماعات الحكومة إن رئيس الحكومة ترك "الطابق" الذي كان فيه على مدار الأسابيع الأولى من الحرب، وبحسب توصيف وزير الدفاع، يوآف غالانت، لقد "عاد نتنياهو إلى أجواء السادس من تشرين الأول/ أكتوبر".
  • يعتبر كلٌّ من أيزنكوت وغانتس الأسابيع المقبلة حاسمة، ليست هذه هي المرة الأولى. إذ يبدو أن تكرار نتنياهو القهري لعبارة "نصر ساحق" يهدف إلى حبسهما داخل الحكومة وتهيئة الأرض للهجوم عليهما، إذا لم يواصلا التحالف معه: "لقد وضع كلاً من غانتس وأيزنكوت في زاوية الحلبة، بسرديته هذه"، حسبما صرّح هذا الأسبوع أحد قادة الليكود. "فإذا ما انسحبا الآن من الحكومة، فسيعتبر الشعب أنهما يتخليان عن النصر، ويؤيدان الاستسلام".
  • تلقى قادة المؤسسة الأمنية، الذين يناشدون رئيسَي الأركان السابقَين [أيزنكوت وغانتس] بعدم الاستقالة، دعماً غير متوقع من إيهود باراك رئيس الحكومة السابق، الذي يعتبر نتنياهو، منذ زمن بعيد، خطراً واضحاً وفورياً؛ في حين يتعامل أنصار نتنياهو مع باراك، على أنه القوة المحرِّكة للاحتجاجات ضد نتنياهو. منذ وقت ليس ببعيد، توجه باراك إلى غانتس، داعياً إياه إلى البقاء في "كابينيت الحرب"، إيماناً منه بأن وجود زعيمَي المعسكر الرسمي في تلك الهيئة أمر ضروري لـ "تقليص مخاطر ارتكاب خطوات مغامِرة"، بحسب تعبيره، من شأنها أن تودي بإسرائيل إلى حرب مع حزب الله، وتضرّ بصورة جسيمة بالعلاقات الإسرائيلية مع كل من مصر والأردن، واتفاقيات أبراهام، والتي من شأنها أيضاً أن تؤدي إلى مواجهة شاملة مع العالم الإسلامي.
  • لا يؤمن باراك بأن انسحاب غانتس وأيزنكوت من الحكومة سيؤدي إلى انهيار برج الورق الذي بناه نتنياهو. فهو يعتقد أن عليهما التمسك بموقعَيهما، وفي الوقت نفسه الإشارة إلى نتنياهو بصفته المسؤول الرئيسي عن الكارثة، وقيامهما بدعوة الجماهير إلى التظاهر قبالة الكنيست والمطالبة بإجراء الانتخابات. عندما تم توجيه سؤال إلى باراك هذا الأسبوع عمّا إذا كان موقفه هذا ينطوي على تناقُض، أشار بطريقته الحاسمة المميزة إلى أنه "لا يوجد أي تناقُض هنا. لو كنت طبيباً ورأيتهم يخربون البلد، فعليّ عدم ترك طاولة العمليات، لكنني سأقول في المقابل: ’اطردوا وزير الصحة، فهو يودي بنا إلى التهلكة‘. فهل هناك بديل آخر من ذلك"؟
  • بعد حرب لبنان الثانية، التقى باراك رئيس قسم العمليات في هيئة الأركان، آنذاك، أيزنكوت. "لقد سألته: ’كيف لم تقلب الطاولة على الحكومة‘"؟ وها هو الآن يتوقع ممن كان سكرتيره العسكري أن يقلب الطاولة على الحكومة، من دون أن يغلق الباب. يؤمن باراك بأن مثل هذه الخطوة سيلقى التعاطف الجماهيري: "فمن لم يفهم، أن أيزنكوت بقي في الحكومة لكي يمنع نتنياهو من التسبب بكارثة أكبر"؟
  • كما هي حال معظم اللاعبين في حلبة السياسة الإسرائيلية، يعتقد قائدا حزب "المعسكر الرسمي" أن نتنياهو يقف على مفترق طرق الآن، وأنه سيتعين عليه، عمّا قريب، أن يقرر وجهته: هل سيتدهور مع سموتريتش وبن غفير نحو الهاوية، أم يستجيب لمطالب إدارة بايدن، ويسعى للتوصل إلى تسوية تشمل استعادة المخطوفين، ووقف إطلاق النار، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية، والتطبيع مع السعودية. يؤمن غانتس بأن نتنياهو سيختار المسار الثاني، وهو ما سيؤدي إلى إعادة إجراء الانتخابات هذا العام. في هذه الأثناء، يقفز نتنياهو بمهارة لاعب سيرك على حبلَي غانتس وأيزنكوت من جهة، وسموتريتش وبن غفير من جهة أًخرى. "إنه يحافظ على جميع خياراته مفتوحة"، حسبما أوضح شخص يعرفه جيداً.
  • الشاهد على ذلك، لا يقتصر فقط على الحوار المركّز بين رون ديرمر والأميركيين، بل يظهر في مجال آخر أيضاً: فمحامي نتنياهو، بوعاز بن تسور، والمحامي جاك حِن، الذي يمثل شاؤول أولبيتش، توجها مؤخراً إلى الادعاء العام، واقترحا تحديد إجراء وساطة في ملفات الفساد المتعلقة بنتنياهو. إن تراجُع بن تسور بهذه الصورة يشير إلى أن نتنياهو ليس مستعداً للمخاطرة والمبادرة إلى خطوة قد يفهمها شركاؤه أنها طريقه إلى الخروج من الحكومة، وهو ما قد يسرّع سقوط حكومته. ومن ناحية أُخرى، يمكن لنتنياهو أن يفسّر مساعي الوساطة بأنها استجابة لتوصيات المحكمة، ومفادها بأن عليه النظر في طرق لإنهاء هذه القصة الطويلة والمنهكة، المتمثلة في قضايا الفساد. هكذا يمكن لنتنياهو شراء مزيد من الوقت للبقاء على الكرسي، وهو ما سيمنحه المجال لمحاولة إعادة كتابة إرثه الذي يبدو اليوم كفيلم رعب بلا نهاية.
  • قبل سنة من الآن، عندما دعا قضاة منطقة القدس النيابة العامة إلى الامتثال لاقتراح محامي الدفاع للتوصل إلى صفقة وساطة في قضايا الفساد، لم تستجب المستشارة القضائية للحكومة لطلبهم.  لقد اعتقدت المستشارة أنه لا حاجة لنتنياهو، لو أراد إنهاء المسألة حقاً، إلى القيام بذلك تحت رعاية قاض، وأن طاقم محاميه مدعوّ إلى التفاوض بصورة مباشرة ومقتضبة معها، ومع ممثلي الادعاء. لم تقدم المستشارة رداً بعد على المقترح الأخير، لكن يبدو أن موقفها لن يتغير في هذا الشأن، في ظل عدم وجود أي تغيرات مهمة تثبت أن كل ما يحدث ليس مجرد ألعوبة من ألاعيب نتنياهو.
  • من ضمن المتورطين في القضية، هناك مَن يعتقد أنه مع اقتراب موعد مثول نتنياهو أمام المحكمة على منصة الشهود، فإن رغبته في تقليص الخسائر ستزداد. لذلك، فقد يلجأ إلى المستشارة القضائية، ويسعى لتحقيق صفقة سريعة.  فبحسب تصريح مصدر خبير في ملفات فساد نتنياهو لصحيفة "هآرتس": "لقد استعد أولمرت على مدار أسابيع لشهادته أمام المحكمة، كما أن شهادته استمرت عدة أسابيع، لكنه كان مواطناً عادياً في أثناء محاكمته، لا رئيس حكومة طوارئ. إن الانشغال بالمحكمة، بدلاً من الانشغال بشؤون الدولة، سيبدو سيئاً في نظر الجمهور، فالتحقيق المضاد يمثل أيضاً خطراً قضائياً معتبراً من ناحية نتنياهو، وخصوصاً بعد أن أوصى القضاة الادعاء العام بالتراجع عن اتهام نتنياهو بتلقّي رشى في الملف رقم 4000، إن التحقيق المضاد الذي سيكشف الأكاذيب والتناقضات ليس في مصلحة نتنياهو، وليس من المؤكد أنه سيجتاز هذا التحقيق بسلام. يكفي أن نرى كيف أن أعضاء لجنة التحقيق في كارثة جبل ميرون [انهيار جسر في منطقة ميرون خلال أحد الأعياد اليهودية، أدى إلى مقتل العشرات]، كانوا مباشرين، وقاموا بإحراجه عندما وقف للإدلاء بشهادته أمامهم على مدار عدة ساعات. هذا الحرج لا يُذكر إذا ما قورن بما سيواجهه نتنياهو على مدار أسابيع يقف فيها أمام المحكمة".
  • مهما كانت كارثة جبل ميرون فتاكة، إلّا أنها لا تقترب، في أبعادها، من "مجزرة" عيد "سمحات توراة". لقد تم تشكيل لجنة التحقيق في كارثة جبل ميرون في صيف 2021، وحتى الآن، لم تُنشر استخلاصاتها. أيضاً هذه هي حال لجنة التحقيق في فضيحة شراء الغواصات والسفن، والتي أُنشئت قبل أكثر من عامين. إن وتيرة العمل هذه ينبغي أن تُقلق الذين يعتقدون أن لجنة التحقيق الرسمية ستتسبب بالقضاء على حكومة الإخفاق الوطني هذه.
  • لم يتم تأجيل نشر نتائج التحقيق في كارثة جبل ميرون بسبب الحرب. لقد جرى تسليم مسودة النتائج للتدقيق، ومن المفترض أن ترى النور خلال الأسابيع المقبلة. أعضاء لجنة التحقيق حذّروا نتنياهو، منذ الآن، من أنه قد يتضرر من استخلاصات اللجنة إذا اتضح أنه يعرف، أو كان من المفترض أن يعرف أوجه القصور في الجسر، ولم يعمل على إصلاحها، "كما هو متوقع من رئيس حكومة". ويقول متخصص كبير في القضاء لـ"هآرتس" "إن استخلاصات لجنة التحقيق في كارثة ميرون ستكون لها آثار مباشرة على السابع من تشرين الأول / أكتوبر، إذا اتضح أن نتنياهو كان مهملاً، وتجاهل التحذيرات، ولم يتحقق مما كان مطلوباً التحقق منه، وهذا سينعكس بوضوح على مستوى التأييد الشعبي له".
  • قال نتنياهو في شهادته أمام لجنة التحقيق في كارثة جبل ميرون: "لا يمكنني أن أتحمل مسؤولية ما لا أعرفه". أمّا فيما يتعلق بأحداث السابع من تشرين الأول / أكتوبر، فسيلاقي مصاعب في التمسك بهذا الادعاء. إذ إن هناك إثباتات واضحة، قبل أن تغوص اللجنة في الوثائق وجمع الشهادات والأدلة، على أن نتنياهو كان على عِلم بمخططات "حماس" بشأن السيطرة على البلدات الإسرائيلية، وتنفيذ "المجازر" ضد المدنيين والجنود، أو اختطافهم. بل أدرك جيداً الخطر الكامن في مثل هذه المخططات.
  • تتراكم الأدلة: قبل عقد من "المجزرة"، أنهى نتنياهو زيارة سرية قام بها إلى قيادة المنطقة الجنوبية، بشأن أمر اعتُبر أنه خطر من الدرجة الأولى: "التسلل إلى بلدة إسرائيلية قريبة من الجدار وقتل المدنيين"؛ بعد مرور نحو شهر، خلال لقاء عمل مع غانتس، رئيس هيئة الأركان، آنذاك، قال رئيس الحكومة أنه منزعج من إمكان التسلل نحو "غلاف غزة" وتنبأ بأن: "مثل هذه الضربة سيكون مفاجأة استراتيجية على جميع الجبهات". وتضاف إلى ذلك التحذيرات الخطِرة التي أطلقها ضباط كبار في الجيش من مغبة نتائج الانقلاب القضائي الذي يعتبره الأعداء ساعة الصفر لضرب إسرائيل،  سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف ستكون ردة فعل نتنياهو على نتائج لجنة ميرون، ربما تكون مؤلمة كتصريح ريتشارد نيكسون المؤلم، بعد فضيحة ووترغيت "إن الكلمات الثلاث الأصعب على اللسان هي: I was wrong".
 

المزيد ضمن العدد