خطة نتنياهو: الحفر في رمال غزة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • هذا الأسبوع، طرح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على "الكابينيت" ورقة مبادئ، عنوانها "اليوم التالي لحماس". الحديث يدور حول خطة تعكس محاولة للسير بين النقاط والمناورة بين الخيارات - الضغوط الداخلية والخارجية من جهة، والحسابات السياسية  من أجل إرضاء القاعدة الشعبية والشركاء الائتلافيين من جهة أُخرى. هذه الخطة مليئة بالتناقضات الداخلية، وضبابية، ولا تتضمن أي مبادرة قيادية حقيقية. والأسوأ من ذلك، أن الخطة تشكل مساراً واضحاً لغرق إسرائيل داخل غزة وتحمُّل مسؤوليتها وحدها، وعملياً، تستبعد كل إمكان لتجنيد الإقليم والمجتمع الدولي لمساعدتنا في معالجة التحديات - الأمنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية.
  • وبعكس المؤتمرات الصحافية التي يلقيها رئيس الحكومة كثيراً في ساعات الذروة، لقد اختار هذه المرة طرح الخطة التي تسربت ليلاً تحت الرادار. فنتنياهو الذي عارض، حتى الآن، كل اهتمام حقيقي بالمستقبل السياسي لغزة، يبدو كمن يُدفع رغماً عنه الآن لطرح خطة تحت ضغط الإدارة الأميركية وأجهزة الأمن التي توضح له أنه من دون استراتيجيا لصوغ بديل معتدل من سلطة "حماس" الآن، فإن الإنجازات العسكرية في غزة يمكن أن تضيع.
  • دينامية الغرق في غزة تبدو واضحة في عنوان الخطة - "اليوم التالي لحماس"، الذي لن يحدث إلّا بعد تفكيك كل قدرات التنظيم "الإرهابي" كلياً. وعملياً، بعد 5 أشهر من القتال في غزة، يبدو من الواضح أن إبادة "حماس" ستحتاج إلى أعوام، وأن تفكيك التهديد يحتاج إلى بناء بديل سلطوي في الوقت نفسه، مع إلحاق الضرر بالقدرات العسكرية والسلطوية للحركة، وليس بعد ذلك.
  • حاجة الجيش إلى العودة إلى الأحياء المركزية في مدينة غزة: الشاطئ والرمال والزيتون، من أجل منع "حماس" من إعادة بناء قوتها، توضح مرة أُخرى أننا لن نحتاج إلى العودة إلّا إذا نجحنا في ملء الفراغ الأمني والسلطوي الذي نجحت العمليات العسكرية في خلقه. في هذه الظروف، من الواضح أن "النصر المطلق" الذي يظهر كأنه ينتظرنا خلف الباب، هو مجرد شعار فارغ من المضمون، وذرّ للرماد في العيون.

مَن يضبط، ومَن يمنع "حماس" من العودة؟

  • مبادئ الخطة التي طرحها رئيس الحكومة تناقش الأبعاد الفورية والمتوسطة (التي من غير الواضح كم ستستغرق من الوقت)، وتفصل بين الصعيدين الأمني والمدني.
  • على الصعيد الأمني الفوري، تكرر الخطة التشديد على أهداف الحرب الرسمية (تفكيك القدرات العسكرية والسلطوية لـ"حماس" وإبادة التهديد من غزة وقتاً طويلاً)، وتمتنع من إطلاق شعارات بشأن "النصر المطلق" وتفكيك "حماس".
  • أغلبية الأهداف الأمنية المعرّفة في الخطة في المدى المتوسط شبيهة بتلك التي طرحها الجيش وصادق عليها "الكابينيت" عندما خرجنا إلى الحملة في غزة، وضمنها حرية العمل في القطاع ومنطقة آمنة ومنع التهريب عبر محور فيلاديلفي، بالتعاون مع مصر، وبمساعدة الولايات المتحدة. هذا بالإضافة إلى أن الخطة تطالب بنزع سلاح غزة كلياً، باستثناء القدرة على حفظ الأمن الجماهيري (بما معناه حيازة سلاح خفيف)، وذلك "تحت مسؤولية إسرائيل في المدى المنظور"، ومن دون ذِكر الجهة التي ستحفظ فعلاً الأمن الجماهيري، أو الجهات الدولية والإقليمية والفلسطينية التي تساعدها.
  • على الصعيد المدني، إن الورقة تربط بصورة إشكالية ما بين استكمال نزع السلاح في القطاع (سيحتاج إلى أعوام كما يبدو) وبين بدء إعادة الترميم. الحديث يدور حول شرط يضمن عدم مساعدة أي جهة فلسطينية محلية، أو إقليمية، أو دولية، في تفكيك "حماس"، وعدم تجنّد أي جهة من أجل الدفع بمسار نزع التطرف في غزة، وهو مسار مهم جداً تدعو إليه الخطة بمساعدة الدول العربية، بما معناه - الإمارات والسعودية.
  • تشير الخطة إلى أن الإدارة المدنية والمسؤولية عن الأمن الجماهيري في غزة ستستندان إلى "جهات محلية لديها خبرة إدارية"، وغير محسوبة على جهات، أو دول، تدعم "الإرهاب"، أو تحصل منه على رواتبها. هذه المعادلة تتضمن أكثر من معنى، فهي تترك الباب مفتوحاً أمام المفاوضات عن قصد. وترمز إلى أنها لا تلغي كلياً إمكان تدخُّل السلطة الفلسطينية التي اتهمها رئيس الحكومة بدعم وتعليم "الإرهاب"، لكنها أيضاً لا تتطرق مباشرة إلى فكرة بديل السلطة المتجددة - التي تُعتبر شرطاً واضحاً وضعته الولايات المتحدة ودول المنطقة للسماح لها بالدخول إلى غزة لتعبئة الفراغ، وأن تلعب دوراً في الجهود الاقتصادية والأمنية الكبيرة لإعادة الإعمار ونزع السلاح.
  • الجزء الأخير من الخطة هو "مبادئ أساسية" لترتيبات مستقبلية في المدى البعيد، يمكن اختصارها في بعدين: لا للاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية والإملاءات الدولية بشأن اتفاق دائم مع الفلسطينيين، وهو ما سيتم التوصل إليه فقط عبر "المفاوضات المباشرة". إلا إن نتنياهو، وبالتأكيد حكومة اليمين الخاصة به، يعارضان كل مسار سياسي، وعملياً، لم يجرِ أي مسار سياسي خلال الأعوام العشرة الأخيرة. تحريك مسار كهذا على أساس حل الدولتين، هو شرط إضافي لتجنُّد المجتمعَين الدولي والإقليمي للتدخل بشكل واسع في غزة، وأيضاً للتطبيع مع السعودية، حتى لو كان من الواضح لجميع الأطراف أن إمكان تطبيقه في المدى المنظور غير ممكن.
  • في الخلاصة، إن ورقة المبادئ المسماة "خطة نتنياهو" هي بمثابة القليل جداً والمتأخر جداً لخلق ظروف تغيير إيجابية في الواقع الغزي، وبناء بديل شرعي من "حماس". إخضاع كتائب "حماس" من دون عملية موازية لخلق بديل سلطوي آخر سيخلق على مقربة منا واقعاً يشبه الصومال، كما حذّرنا في "Mind Israel" [تجمع لمستشارين في الأمن الإسرائيلي]، وتحذّر منه الإدارة الأميركية الآن. في ظل هذا الواقع، إن الجهات التي تملك قوة، "الإجرامية والجهادية"، وعلى رأسها "حماس"، ستسيطر على المساعدات الإنسانية والموارد لتقوية نفسها، وسيكون لديها مصلحة في الحرب كمصدر دخل وقوة. ومن دون جهات فلسطينية شرعية، بدعم إقليمي ودولي، تسيطر فعلاً على القطاع، وتعمل على دفعه نحو الاستقرار - أمّا إسرائيل، فإنها ستُجرّ، بالتدريج، حتى احتلال القطاع وتأسيس حُكم عسكري مباشر.
  • وكي لا تبقى إسرائيل وحيدة في غزة وتضع جيشها واقتصادها ومستقبلها فيها - عليها أن تبدأ بصوغ بديل واضح من "حماس" منذ الآن. هذا ليس "اليوم التالي لحماس"، إنما "اليوم التالي" للعملية العسكرية المكثفة، وهو يوم نشهده فعلاً، ويتطلب البدء بإجراء تغييرات حقيقية في القطاع. ومن دون البدء به، فإننا سنعلق في غزة ونغرق في رمالها.