هكذا يبدو جيش في حالة تفكُّك
تاريخ المقال
المواضيع
المصدر
هآرتس
من أهم وأقدم الصحف اليومية الإسرائيلية، تأسست في سنة 1918، ولا تزال تصدر حتى اليوم، ورقياً وإلكترونياً، كما تصدر باللغة الإنكليزية وتوزَّع مع صحيفة النيويورك تايمز. تُعتبر هآرتس من الصحف الليبرالية والقريبة من اليسار الإسرائيلي. وهي تحتل المرتبة الثالثة من حيث التوزيع في إسرائيل. تُصدِر الصحيفة ملحقاً اقتصادياً بعنوان "ذي ماركر".
- القضية التي حدثت مؤخراً مع قائدَي الألوية دان غولدفوس وباراك حيرام، هي إشارة إلى تفكُّك الهرمية القيادية للجيش، وهي أخطر مما يبدو. قائد الفرقة 36، دافيد بار خاليفا، طلب من جنوده في أمر اليوم الانتقام من الفلسطينيين، ولم تعبّر هيئة الأركان حتى عن تحفُّظ ضعيف. إذاً، فلمَ الاستغراب من أنه عندما طالبوه بإجلاء قواته عن القطاع، كان هناك شكوك في هيئة الأركان بأنه يتجاهل الأوامر عن قصد؟
- باراك حيرام لم يوجّه أوامره بإطلاق النار ويفجّر جامعة من دون تصريح، بل أجرى مقابلة مع بدء الحرب مع إيلانا ديان، حذّر المستوى السياسي من المفاوضات السياسية. قائد هيئة الأركان تجاهل هذا أيضاً. لكن يجب القول إن الضباط ليسوا وحدهم الذين يتحدّون الأوامر، بل الجنود أيضاً. فيديوهات الجنود، والمطالبات بالعودة إلى "غوش قطيف" واستعمال وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه الانتقادات ضد ضبط النفس، وضد فرض القيود على استخدام القوة، والسرقة وغيرها - جميعها إشارات إلى حالات عدم انصياع من القاعدة، وهيئة الأركان تواجه صعوبة، أو ترتدع عن لجمها.
- لماذا يحدث هذا؟ يتراكم بعض الظروف التي تشجع التفكك. أولاً، التدرج الهرمي القيادي الذي ضعف خلال فترة تطور التجنيد التطوعي - الاحتياطي وتراجُع مكانة التجنيد الإلزامي. في هذه الفترة، رأى جنود الاحتياط، ذكوراً وإناثاً، أن لهم الحق الاستثنائي في إسماع أصواتهم، وذلك في ظل حالة انتقائية عالية لخدمة الاحتياط، حولتهم إلى أقلية قليلة جداً.
- هذه الظاهرة تعززت خلال الأعوام الماضية، وامتدت أيضاً إلى الخدمة الإلزامية، إذ بات الجنود في الخدمة الإلزامية أقلية بسبب الإعفاء الواسع من الخدمة، والعدد الكبير للجنود الذين لا يخدمون في مواقع قتالية. هذا المزاج - وهو السبب الآخر - ارتبط بالأسباب الخاصة لهذه الحرب. ويشعر بعض الجنود بأن مهمتهم ليست فقط التضحية، وهي تقع على عاتق عدد قليل منهم، بل هم أيضاً يعرّضون حياتهم للخطر، ويقاتلون في غزة فترات طويلة، وهم ينقذون أمن الدولة من فشل القيادة السياسية والقيادة العليا للجيش.
- هذا كله يزداد أيضاً بسبب النسبة العالية للمقاتلين الذين ينتمون إلى اليمين واليمين الديني، الذين يعتقدون أنهم ينقذون الدولة من الكارثة التي فُرضت عليها بسبب الحكومات الانهزامية، وبسبب مساهمة اليسار في إضعاف الجيش، عبر الاحتجاجات ضد الانقلاب الدستوري. لهذه الأسباب، تطورت حالة الغضب لدى الجنود منذ بداية الحرب.
- السبب الثالث، هو أن السياسيين يقومون بالتشويش على السلسلة القيادية- في هذه الحالة، فإننا نتحدث عن سياسيين من اليمين يمنحون الدعم للسلوك الاستثنائي الصادر عن الضباط والجنود. ولهذه الأسباب المتراكمة، يمتنع قائد هيئة الأركان من كبح الجنود، فكيف يمكنه كبح جندي احتياط يخدم منذ أسابيع في قطاع غزة، واختار التقاط صورة مع مسروقات، أو أن يحذّر حكومة منتخبة؟ هكذا فقد رئيس هيئة الأركان السيطرة.
- الضباط المسؤولون عن الألوية استغلوا قدرتهم على استغلال "الميدان" لعرض القوة. والآن، حان وقت طرح السبب الرابع للتفكك الداخلي: يتعاظم هذا التفكك عندما يكون من الواضح لدى القيادات الميدانية أن تضحية المقاتلين لا تُترجم إلى إنجاز - وهو يجب أن يكون دائماً سياسياً- لذلك، كل ما تبقى هو المراوحة في الميدان من دون هدف، وتلقّي الخسائر.
- لن يكون هناك انتصار. إن انعدام الثقة بأولئك الذين جرّوا الجيش إلى الأسفل، يدفع الضباط إلى إلقاء اللوم على الذين يطعنون الجيش في الظهر، وفي كلام غولدفوس، إن السياسيين لا يستحقون الجنود، وإعادة ترميم الجيش لا يمكن أن تجري، ما دامت الحرب لا تزال مستمرة.