رفح مصيدة استراتيجية، وأيضاً فرصة أخيرة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

المؤلف
  • يوجد في رفح الآن أكثر من مليون و200 ألف نازح، وأكثر من 300 ألف من سكان رفح. المكان يشبه طنجرة تغلي وتهدد بالانفجار في كل لحظة. البنى التحتية هناك غير قادرة على احتواء حجم المجتمع، والوضع الغذائي يتغير، بحسب وتيرة التزويد، ومستوى الصحة كارثي. وفي ظل هذه الظروف، تحاول "حماس" إقامة السلطة الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرتها، بعد محاولتها الفاشلة النهوض من جديد كمنظومة في مستشفى الشفاء، وحملة الجيش "الذكية" هناك.
  • "حماس" التي دُمرت أغلبية بُناها التنظيمية والعسكرية في شمال القطاع ومركزه، قامت بجهد كبير لإعادة بناء نفسها في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وحولت مستشفى الشفاء إلى معسكر رئيسي لها، وقامت بإعادة بناء مراكز القيادة الخاصة بها، وبالجهاد الإسلامي، في المركز الطبي الكبير. عمل "الشاباك" وقيادة المنطقة الجنوبية بذكاء، فسمحوا لهذه البنية أن تُبنى وتتطور، حتى أنهم منحوهم شعوراً بأن المستشفى مكان آمن. وبهذا الشكل، استقطب المكان نحو 1000 "مخرب" وسلسلة قيادية كبيرة استقرت هناك.
  • قبل ذلك بأسابيع، وبحملة مخططة جيداً ومضبوطة، حاصرت القوات المستشفى، وسيطرت على مناطق مركزية في داخله، وحاصرت "مخربين" داخل المباني، بشكل لا يسمح لأحد بالهروب. قلة قليلة قاتلت حتى النهاية، وتم اغتيال نحو 100- وخاضت القوات معارك هناك، وجهاً لوجه، فاستسلم أكثر من 500 "مخرب". ما تم إيجاده هناك كان أدوات قتالية، ومعلومات استخباراتية وأشخاصاً. وعلى الرغم من هذا كله، فإنه لم يتم إلحاق الأذى بالمرضى، أو الطواقم الطبية. لقد تحول مستشفى الشفاء إلى عنوان للحرب، وذلك بسبب الإنجاز العملياتي الجدي الذي ألحق ضرراً كبيراً بقدرات "حماس" على النهوض من جديد وإعادة بناء نفسها في شمال القطاع.
  • تفكيك البقعة الأخيرة التابعة لـ"حماس" في رفح يمكن أن يجري بطريقتين: إمّا العسكرية التكتيكية، مثلما حدث في خان يونس، كحملة عسكرية تفكك الكتائب الأربع هناك. وإذا وضعنا حجم التعقيد في تنفيذ العملية جانباً، فمن الناحية العسكرية، لم يغيّر هذا الإنجاز الواقع الموجود في معظم مناطق القطاع - "حماس" تفككت، لكنها لم تستسلم؛ وحملة عسكرية غير منسقة، معناها "مصيدة استراتيجية". وفي الوقت نفسه، فإن عملية عسكرية منسقة هي جزء من خطة كبيرة لـ"اليوم التالي للحرب"، ستمثل تطوراً في قدرة الحسم في القطاع، ويمكنها أن تؤدي إلى إنجاز استراتيجي مطلوب لتحقيق أهداف الحرب كما حددها المستوى السياسي.

 

"الفشل" الذي دفع العالم إلى التدخل

  • رفح ليست مجرد مشكلة صعبة من القتال في موقع ذي كثافة سكانية مرتفعة، يوجد فيه مليون ونصف إنسان؛ رفح تحولت أيضاً إلى مشكلة سياسية دولية كبيرة- تعيش إسرائيل في مصيدتها. والمفتاح هو المشكلة الإنسانية التي فشلت إسرائيل في إدارتها، وأدت إلى تشويه صورة إسرائيل في العالم، وأضرّت بالعلاقات مع الولايات المتحدة. يعمل في رفح اليوم تنظيمان تابعان للأمم المتحدة وقوة تابعة للإمارات، وأبدى المصريون استعداداً للعمل، لذلك، فإن أي عملية غير منسّق لها، ستجرّ فوراً اشتباكاً دولياً خطِراً.
  • وعلى الرغم من أن هذا يبدو من قبيل السخرية، تظاهُر مجموعة من الأفراد الذين منعوا دخول الشاحنات في كرم أبو سالم، واستهتار الحكومة بالموضوع الإنساني، وعدم قيام شرطة بن غفير بدورها بشكل يبدو مقصوداً - أمور كلها كانت السبب المركزي للتدخل الدولي في القطاع. اليوم، وبسبب تصوير إسرائيل بأنها تدفع قدماً بمجاعة في أوساط سكان القطاع، تقوم دول العالم بعمليات إنزال مواد غذائية هناك.
  • هذا هو الفشل الذي دفع إلى إقامة ميناء دولي موقت، يعيد قطر إلى القطاع، ويجبر الجيش على ضمان أمنه، ويمكن أن يتحول سريعاً جداً إلى هدف للعمليات. إذا فشلنا في إدارة الوضع الإنساني ولم نتخذ قراراً بشأن السيطرة المدنية، فسيكون هذا بمثابة إنجاز لـ"حماس". إسرائيل منحت "حماس" ما لم تنجح في القيام به وحدها، صورة رهيبة لإسرائيل، وأزمة سياسية دولية، وبناء ميناء في غزة بغطاء وتمويل من الممول الرئيسي لـ"حماس" - إمارة قطر.
  • احتلال رفح بالطريقة الأولى، وأيضاً الممر الدولي الوحيد، سيؤديان إلى الاعتراف بأن إسرائيل احتلت قطاع غزة بالكامل. لذلك، ستنطبق عليها معايير القانون الدولي والمسؤولية الكاملة عن القطاع وسكانه كقوة احتلال - وهو ما سيدفع إسرائيل إلى فرض حُكم عسكري والتعامل مع مليونَي ونصف إنسان في المنطقة المحتلة.

مصيدة "صبرا وشاتيلا"

  • عسكرياً، الدخول إلى منطقة كثيفة سكانياً، يمكن أن يُدخل إسرائيل إلى مصيدة "صبرا وشاتيلا"، التي شهدتها العاصمة اللبنانية في سنة 1982، عندما دخل حزب الكتائب إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، بغطاء من الجيش الإسرائيلي، وارتكب مذبحة أودت بحياة مئات الأشخاص - وتم اتهام إسرائيل. في رفح، ستقوم "حماس" بالأمر نفسه، وسيتم تحميل إسرائيل مسؤولية أي قتل جماعي، على الرغم من تحذيرها من الدخول. ولا حاجة إلى القول إن وضعنا الدولي المتضعضع أصلاً، سيتفكك كلياً، حتى إن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات مهمة - وضع سيشهد إرغام إسرائيل على الانسحاب من غزة وهي تضع ذنبها بين أقدامها.
  • ولأن رفح مدينة حدودية مع مصر، توجد حساسية مصرية كبيرة إزاء ما يجري هناك، لدرجة أن مصر هددت إسرائيل بأنه في حالة دخول غير منسّق وبدء تدفّق اللاجئين إلى المناطق المصرية - فإن مصر ستخرق اتفاق السلام مع إسرائيل. عملياً، كل عملية أحادية الجانب من طرف إسرائيل في رفح - ستكون بمثابة فشل كبير.
  • وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل تستطيع استغلال رفح للقيام بتغيير استراتيجي في غزة كلها. سيحدث هذا عبر المضي في خطة مشتركة مع الأميركيين والدول العربية الصديقة (التي لديها رغبة لا تقل عن رغبة إسرائيل في تفكيك "حماس")، وذلك بتنسيق المرحلة الأولى من إجلاء السكان إلى مدينة خيام منظمة تكون تحت سيطرة دول صديقة، مع قوات حماية من طرف هذه الدول. وفي المقابل، سيتم فتح ممر إنساني تحت سيطرة هذه الدول حتى محور فيلاديلفيا، ويكون ذلك عبر عزل قدرات "حماس" وعدم السماح لها بالسيطرة عليه بشكل يجعل الوضع الإنساني خارج سيطرة الحركة.
  • هذا كله سيمثل المرحلة الأولى من الخطة التي يتوقعها الأميركيون. أمّا المرحلة الثانية، فستسمح للجيش بالسيطرة عسكرياً على رفح لوقت يتم تنسيقه، ويصل إلى بضعة أسابيع، بهدف "تطهير" بقايا الكتائب هناك. لن يبقى الجيش هناك بعد ذلك، كي يمنع نشوء وضع يحتل فيه القطاع. والمرحلة الثالثة، ستكون بالسماح لقوات دولية بإقامة شرطة محلية لا تتبع "حماس"، وتبدأ بالسيطرة على رفح بالتدريج، ثم على المواصي، وبعد ذلك، خان يونس، وفي النهاية، شمال القطاع. وسيعمل ائتلاف الدول الصديقة على تدريب الشرطة وتزويدها بالمعدات. وفي المرحلة الرابعة، سيعمل هذا الائتلاف على إعادة إعمار القطاع، وفي النهاية، وعلى مدار 5 أعوام - سيتم إقرار مستقبل غزة السياسي.
  • هذه الخطة يمكن أن تتماشى مع روح أقوال وزير الدفاع الذي تحدث مع الأميركيين، ومن دون شك، ستؤدي إلى حل أفضل تستطيع هذه الحكومة تحمُّله. أفضلية هذه الخطوة هي أنها تبني بديلاً من "حماس، وتعرّضها لضغوط جديدة كبيرة، من دون شك، ستدفع بصفقة التبادل. إن الرصيد الدولي، وأيضاً وجود "كابينيت الحرب" والحكومة في إسرائيل يتعلق بذلك. وسيكون عدم عودة الرهائن وصمة عار على الحكومة، ويفتح جرحاً مؤلماً في المجتمع ككل - جرح لن يلتئم قط.
  • هامش مناورة الحكومة بشأن اتخاذ القرارات انتهى. إذا كانت معنية بتحقيق إنجاز وإعادة الرهائن، فهذه هي الطريق. وإذا كانت غير معنية باتخاذ القرار - فيبدو أنها غير صالحة للاستمرار في إدارة الحرب.