76 عاماً من "الاستقلال": إسرائيل أمام مرحلة خطِرة تحتاج إلى خريطة طريق جديدة
المصدر
قناة N12

موقع إخباري يومي يضم، إلى جانب الأخبار، تعليقات يكتبها عدد من المحللين من الشخصيات الأمنية السابقة، ومن المعلّقين المعروفين.

  • لقد كشف السابع من تشرين الأول/أكتوبر والأشهر اللاحقة التغييرات الاستراتيجية التي طرأت على البيئة الاستراتيجية والعملياتية الإسرائيلية منذ أعوام. في يوم "الاستقلال" الإسرائيلي السابع والستين، لا يمكن تجاهُل الاتجاهات الأساسية التي تهدد المستقبل المنظور. هذه الاتجاهات تبشّر إسرائيل بعهد جديد وخطِر، لم نشهده سابقاً، ولم نستوعبه بعد، وتستوجب إعادة بناء وتغييرات أساسية في الرؤية الأمنية الإسرائيلية، وفي سلّم الأولويات.
  • يشير تحليل الاتجاهات الاستراتيجية والعملياتية إلى أن التهديدات لإسرائيل في حالة تصاعُد خطِرة، وهذا في الوقت الذي يعاني تفوُّقها العسكري النوعي وقدراتها وأصولها التقليدية، التي تتعامل من خلالها مع التحديات المتصاعدة، حالة استنزاف وضُعف يضرانّ بحصانتها، وتماسُكها، وبمكانتها الإقليمية والدولية، وبقدرتها على الردع.

تحديات وتهديدات متصاعدة

  • على الصعيد الاستراتيجي، إيران تقود المحور المتطرف في الشرق الأوسط، وتعزز قوتها العسكرية والسياسية، وهو ما ينعكس في مزيد ومزيد من القوة. وفي الوقت الذي تغرق إسرائيل في حرب غزة، وتركز الولايات المتحدة على المنافسة مع الصين والحرب الروسية على أوكرانيا، يمكن أن ترى إيران في ذلك فرصة تاريخية للتوصل إلى إنتاج قنبلة. في هذه الظروف، على إسرائيل أن تكون جاهزة لقرار إيران بشأن الاندفاع إلى سلاح نووي.
  • منذ الآن، وبغطاء من خطتها النووية، والقوة التي تمنحها إياها ترسانة الصواريخ والمسيّرات الآخذة بالتوسع، بنَت إيران ووجهت شبكة من الأذرع والميليشيات التي تعمل بتنسيق متصاعد ضد إسرائيل، وتعيش حالة مواجهة مباشرة معها. قتال إسرائيل في غزة هو جبهة واحدة في معركة واسعة ومكشوفة غير مسبوقة بين إسرائيل وإيران وشركائها في المحور "المتطرف". علاقات إيران بروسيا والصين تمنحها دعماً من قوى عظمى، على الصعيدَين السياسي والعسكري، وعلى صعيد الموارد، وأيضاً التكنولوجيا، ويجري هذا في الوقت الذي تغرق الولايات المتحدة في منافسة بين القوى العظمى، وأيضاً في انتخابات قريبة تهدد بأزمة سياسية داخلية، وتريد الامتناع من شنّ حروب في الشرق الأوسط، ترى أنها مكلفة وغير ضرورية، من أجل التركيز على الصين وشرق آسيا.
  • إسرائيل محاطة بدول "عدائية" في الدائرة الأولى والثانية والثالثة في الإقليم، والظروف الداخلية، في أغلبيتها - الاقتصادية والحكومية والأمنية- تتراجع. أمّا العدائية تجاه إسرائيل، فإنها في حالة تصاعُد. هذه الاتجاهات التي يمكن أن تصبح أكثر حدةً بسبب أزمة المناخ، تظهر في غزة والضفة ولبنان وسورية واليمن والعراق، وتتطور في الأردن ومصر، إلى حد ما. وهناك تطورات إيجابية في الخليج، وهذه فرصة.
  • الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي آخذ بالتوسع والتعمّق والتصعيد، في الوقت الذي تتأرجح الاستراتيجيا الإسرائيلية، إن وُجدت أصلاً، بين رؤيتَين- رؤية الحسم والضم من جهة، ورؤية الانفصال الأمني- المدني التي تشدد على المحافظة على هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، من جهة أُخرى.
  • ينعكس تصعيد الصراع سلباً على أمن إسرائيل في جميع الجبهات، ويصعّب عليها فرض عُمق استراتيجي في الشرق الأوسط والساحة الدولية، ويضرّ بمكانتها في العالم، ويؤدي إلى تآكل هيبتها واقتصادها وعلمها، وأيضاً على صعيد تزوّد الجيش بالسلاح وحرية عمله.
  • إسرائيل في الطريق إلى عزلة دولية وإقليمية متصاعدة، وعقوبات ومقاطعة، وفرض حظر على السلاح، وتهديدات قضائية متصاعدة. تتضح بوادر هذه الاتجاهات مع تراجُع التقييم الائتماني والضرر في العلاقات التجارية، وتراجُع الاستثمارات، وتوقف رحلات شركات الطيران إليها. في هذه الظروف، تتراجع أهمية إسرائيل وقوتها ومكانتها في المجالات كافة، باستثناء مجال التكنولوجيا الأمنية، كما أن قوتها الناعمة تتراجع، وهو ما يصعّب عليها الدفع بخطوات اندماج في الساحة الإقليمية واستغلال الفرص في الساحة الدولية.
  • على الصعيد العملياتي، إن الحرب في غزة، حيث وجدت إسرائيل نفسها أمام 7 جبهات، بمثابة "إنذار خطِر" بشأن إمكان اندلاع حرب متعددة الجبهات تُفرض عليها، وتتمثل في هجمات ضدها من عدة جبهات في الوقت نفسه، وتتضمن تشويشاً لمسارات التجارة التي تزودها بالموارد.
  • أعداء إسرائيل في هذه المناطق يعززون قدراتهم على مهاجمتها، بمساعدة ورعاية من إيران، ويخوضون ضدها حرب استنزاف طويلة. وإلى جانب الحرب في غزة، أصبح من الطبيعي إطلاق الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل من إيران بشكل مباشر، وأيضاً من أذرعها.
  • هذه الاتجاهات العملانية في مجال الصواريخ والقذائف والمسيّرات، وكذلك التهديد البري على الحدود وخطوط التماس، كلها أمور تقلص نوعية وحجم التفوق الإسرائيلي، وتجعل استغلال التفوق في القوة صعباً، وتتحدى قدرتها الدفاعية، وتكشف عن الفجوات في القوات والسلاح. وهو ما يغدو شديد الأهمية في ظل دخول المنطقة برمتها، وإسرائيل معها، إلى عهد مواجهات مستمرة واستنزاف، وهذا نتاج عدم القدرة على الحسم في الحروب القصيرة.

استنزاف القدرة على التعامل مع التحديات

  • في الوقت الذي تتصاعد التهديدات أمام إسرائيل، فإن قدرة تعامُلها معها في حالة استنزاف، بمرور الوقت، والمؤشرات المستقبلية سلبية. وفي ظلّ حالة تنافُس بين القوى العظمى، لا يوجد لدى إسرائيل بدائل كثيرة من الانضمام إلى المعسكر الغربي والأميركي، على صعيد مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، وأيضاً قدرتها على الحفاظ على ذلك وقتاً طويلاً، وحفظ مكانتها كدولة ابتكارات وريادية على الصعيد التكنولوجي.
  • وفي ظل الاعتماد الإسرائيلي على الدعم الأميركي، والذي يزداد عمقاً في ظل ازدياد التحديات، فإن الولايات المتحدة نفسها تعيش تحديات بسبب تعدُّد جبهات المنافسة العالمية والانقسامات الداخلية المتصاعدة. وفي الوقت نفسه، ترتفع الأصوات داخل الولايات المتحدة، والتي ترى أن إسرائيل عبء استراتيجي أكثر مما هي رصيد مهم؛ فقاعدة القيم بين الدولتين، وهي مهمة بالنسبة إلى العلاقات الخاصة بينهما، تتزعزع بالتدريج، بسبب التغييرات الداخلية في البلدين. وفي الوقت نفسه، فإن اتجاهات التنكر لإسرائيل في أوساط الشباب الأميركي، وضمنها اليهود، إلى جانب الارتفاع في ظاهرة "معاداة السامية"، يشيران إلى أزمة استراتيجية مستقبلية، وهو ما دلّت عليه التظاهرات التي أُقيمت مؤخراً في جامعات النخبة في الولايات المتحدة.
  • هناك عدة فرص أيضاً أمام إسرائيل لبلورة عُمق استراتيجي واندماج في أوروبا والمحيط العربي، لكن استغلال هذه الفرص يتطلب بداية، وفي الأساس الدفع بترتيبات على الساحة الفلسطينية، والعلاقات مع الولايات المتحدة، واستعداد واشنطن للحفاظ على وجودها في الشرق الأوسط، ومنح مقابل للدول العربية، وذلك من خلال التغلب على التحديات السياسية الداخلية.
  • تزداد التحديات، جميعها، في ظل حالة الانقسام الداخلي في إسرائيل، والأزمة السياسية المستمرة، والشلل الحكومي، وإضعاف مؤسسات الدولة - على صعيد التشريع، والتخطيط والتنفيذ والقضاء - وهو ما ينعكس سلباً على قدرة الردع في مواجهة الأعداء، وكذلك الضرر الذي يلحق بالديمقراطية الإسرائيلية، الذي ينعكس سلباً على العلاقات بحلفائنا في الغرب، وفي الأساس، على حصانتنا القومية.
  • الفجوات في المشاركة في تحمُّل العبء [إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة الإلزامية في الجيش]، والفجوات الاقتصادية - الاجتماعية، والتدهور الذي يلحق بقطاعات التعليم والصناعة والعلوم، وعدم اندماج الحريديم في سوق العمل، أمور كلها تهدد بانهيار الاقتصاد الإسرائيلي خلال السنوات العشر المقبلة، وتضرّ بصورة خطِرة بما تبقى من جيش الشعب والرفاه الاجتماعي والحوكمة، وتمنع تخصيص الموارد اللازمة لتقوية الأمن، وبصورة خاصة على صعيد طول النفَس، وحجم القوات، وبثّ روح القوة الناعمة، وحفظ مكانتنا في العالم.
  • الدمج ما بين التهديدات الخارجية المتصاعدة، وضُعف التماسك الداخلي، وكذلك عدم كفاءة مؤسسات الدولة، إلى جانب زعزعة القوة والمكانة الأميركية التي نعتمد عليها، مسائل تخلق واقعاً جديداً وخطِراً لاستقرار الدولة الاستراتيجي في الشرق الأوسط والعالم.

قيادة جديدة واستجابة متعددة الأبعاد

  • يتطلب التعامل مع هذا الواقع الجديد والمركّب رداً متعدد الأبعاد من طرف إسرائيل، بقيادة مؤسساتية تعرف كيف تعمل على تجسير الانقسامات في المجتمع والشعب، وترميم الاقتصاد وأذرع النظام، ومأسسة الديمقراطية وسلطة القانون، واستقلالية القضاء. وعلى هذا الأساس، سيكون على القيادة المسؤولة في إسرائيل القيام بالأمور التالية:
  • إنهاء الأزمة السياسية، وتجديد الشرعية من الشعب والحكومة من خلال انتخابات قريبة، وتجديد القيادة والحوكمة في الحكومة ومؤسسات الدولة، والعودة إلى تفوّق سلطة القانون والمساواة.
  • تغيير سلّم أولويات ميزانية الدولة لبناء وتقوية مركّبات القوة التي من شأنها أن تعزز الردّ الأمني على التهديدات المتصاعدة. جميع مركّبات الرؤية الأمنية تدفع إلى بناء قوة محدثة: الدفاع - تعزيز الدفاعات في الجبهة الداخلية المدنية والعسكرية والبنى الضرورية التي تضمن استمرارية قيادية في حالات الطوارئ؛ الاستخبارات- إعادة ترميمها وبنائها من جديد، على أساس الاستخلاصات من إخفاق 2023، وتقوية سلاح الجوّ ومنظومات القتال البرية التي تناور من أجل الحسم في عدة جبهات.
  • تعزيز الاعتماد الذاتي وتنويع المصادر في مجال الصناعات العسكرية، والتحلي بطول النفَس في مواجهات مستمرة في المدى البعيد، وبناء بنية إنتاج تكنولوجية وخطوط إمداد وقدرات على النقل البري والبحري.
  • زيادة التجنيد في الجيش من أجل جهود الأمن الروتيني والدفاع الكثيف، الذي سيكون ضرورياً في ظل الظروف الجديدة والبيئة الإقليمية، وتقليص الفجوات في المساواة في تحمُّل العبء، وتوسيع التعليم التكنولوجي والعلوم من أجل تعزيز سوق العمل، وضمان الاقتصاد والأمن في السوق لعشرات الأعوام مستقبلاً.

سيتوجب على إسرائيل:

  • إضافة مكوّن سياسي إلى الرؤية الأمنية. المبادرة إلى ترتيبات سياسية ضرورية منذ اليوم، تسمح لإسرائيل في المستقبل ببناء أفق سياسي واتجاه إيجابي إزاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. علينا أيضاً الدفع قدماً بعمق استراتيجي ومعركة إقليمية ودولية توقف توجُّه إيران نحو النووي، وبذلك نجعل مكانتنا أكثر استقراراً في العالم، ونمنع العزلة والعقوبات، ونسمح لأنفسنا بالاندماج في المنطقة العربية.
  • الحفاظ على العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة بأيّ ثمن، حتى أن نطمح إلى بناء شراكة أمنية وتكنولوجية رسمية معها تكون أكثر التزاماً. وفي أعقاب دعم روسيا والصين لإيران و"حماس" والمحور، يجب القيام بملاءمة وتغييرات في السياسة الإسرائيلية بشأن العلاقات معهما، وفي القضايا ذات الصلة، مثل أوكرانيا وتايوان.
  • أن تستغل نقاط قوتها في مجالات الأمن والطاقة والبيئة والتكنولوجيا والعلوم، بهدف مأسسة أمنها واستقرارها الاستراتيجي، ومسارات اندماجها في الشرق الأوسط، وكذلك الحفاظ على تفوقها النوعي.
  • إن تمأسُس عمقها الاستراتيجي، عبر تقوية التحالف مع الولايات المتحدة، لكن أيضاً عبر الانتماء إلى الغرب من خلال الدفع بالتعاون مع الدول الأوروبية والديمقراطيات في آسيا؛ وإنشاء بنية إقليمية مع الدول العربية على أساس قيادة ومبادرة ودعم أميركي تشكل وزناً مقابلاً للمحور "المتطرف"، وتمنع وصوله إلى السلاح النووي؛ وأيضاً الانضمام إلى القوى الإقليمية الصاعدة مع المعسكر الغربي، مثل الهند واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها.

 

 

المزيد ضمن العدد